عادت قضية الإلحاد والانحراف الفكري تتصدر عناوين ندوات الخرطوم عقب الضجة التي أحدثها برنامج (توك شو) وكأنما استيقظ الإسلاميون من نوم عميق ليكتشفوا أن ثمة مسافات عميقة تحول بينهم وبين التيارات الأخرى، إلا أن الملاحظ أن الحوارات التي دعي إليها الإسلاميون لمعالجة الاختلافات الفكرية دائماً ما تنحصر في التيارات اليمينية مما يجعلها حوارات موغلة في الذاتية كما حدث في ندوتي مفهوم الحرية الانحراف الفكري التي نظمتها نهاية الأسبوع الماضي أمانة التزكية بالمؤتمر الوطني والتي ضمت لفيفاً من علماء هيئة السودان ومجمع الفقه الإسلامي وأساتذة الجامعات وثار جدل كثيف بين الإسلاميين الرافضين تحميلهم مسؤولية ظهور الإلحاد بسبب فشل مشروع الحركة الإسلامية بينما رفض آخرون تهويل حجم المشكلة ووصفها بالظاهرة بينما دق آخرون ناقوس الخطر باعتبار أن الإلحاد آخذ في الانتشار.
مفاجأة صادمة:
ومثّل كشف عضو أمانة التزكية بالمؤتمر الوطني د. نوال مصطفى ظهور حالات إلحاد وسط أبناء الصف الأول من الإسلاميين مفاجأة صادمة للكثيرين.. وأكدت د. نوال وجود ظاهرة الإلحاد وسط أبناء قيادات الصف الأول من الإسلاميين والتنفيذيين،
وقالت (الإلحاد ظاهرة ليست بعيدة وموجودة في فضاءات المجتمع السوداني ووسط أبناء الصف الأول من قيادات الإسلاميين والتنفيذيين وبينهم من يحفظ القرآن الكريم واتهمت جهات لم تسمها بحمايتهم أو تمويلهم، وتابعت (لا أجزم بأن تلك الجهات ملتبس عليها أو تفعل ذلك من غير وعي. وزادت يظهر ذلك في إعجاب بشاب يتفلسف أو ينتقد لخلو الساحة من الإنتاج الفكري، ووجهت نقداً لازعاً للحركة الإسلامية وقالت نحن كحركة تكلست وتجمدت أصبحنا لا ننتج فكراً) وطالبت بالتركيز على إنشاء مراكز للبناء الفكري وتكثيف الدورات الفكرية وزادت قضينا 5 سنوات في مركز المرأة مع هؤلاء الشباب في إشارة لأبناء الإسلاميين الملحدين، وعندما احضرت لهم د. أمين حسن عمر ذكر لي أنه لايحتاج للمكوث معهم ساعتين فقط وإنما لدورة كاملة.
مشكلة الخطاب الدعوي:
وفي تعليقها على وجود الإلحاد بين أبناء الإسلاميين قالت القيادية بالمؤتمر الوطني د. انتصار أبو ناجمة (هناك مشكلة في تربيتنا نحن أديناهم حماية زائدة ولاتوجد ضغوط) وأكدت وجود مشكلة في الخطاب الدعوي لعدم مواكبته للتقنية الإلكترونية وأقرت بضعف مادة الثقافة الإسلامية التي تدرس بالجامعات.. وشددت أبو ناجمة على أن الدعوة ليست وظيفة إنما يقوم بها كل في مجاله.. وطالبت بتدريس الفلسفة الإسلامية للعلوم.
دراسة جديدة:
من جهته أعلن مدير المجلس الأعلى للدعوة بولاية الخرطوم د. جابر عويشة عن نتائج دراسة علمية حديثة حول الإلحاد أجراها مركز الاستشراق الدولي في 11 جامعة بولاية الخرطوم رصدت 1200 حالة إلحاد وتمت استتابة 928 منهم .
وقال د.عويشة (إن الدراسة تمت في تسعة أشهر في الفترة من أكتوبر العام الماضي حتى يوليو من العام الحالي ونوه إلى أن الدراسة هدفت إلى تبيان الانحراف العقدي والوقوف على واقعه وسط الشباب والطلاب الذين تبلغ أعمارهم بين 16 إلى 32 عاماً، وسبل دعاة الانحراف، وتقدير توقعات مستقبله، ومدى صحة ما أثير حول وقوف جهات منظمة خلف نشر الانحراف الفكري، ولفت إلى أن الدراسة توصلت إلى أن الانحرافات الفكرية آخذة في الانتشار إلا أن عويشة استدرك قائلاً لكنها لم تصل مرحلة الظاهرة، وأشار إلى أن الطلاب الذين يعانون من الانحراف الفكري أغلبهم من الكليات التطبيقية أو من الوافدين من أوروبا والخليج، وتابع ندق ناقوس الخطر ونحتاج إلى وعي وإدراك. .
وفي رده على المداخلات أكد د. عصام البشير أن الإلحاد ليس ظاهرة إلا أنه استدرك قائلاً يجب ألا نجعله يتحول إلى ظاهرة ونحاصره بمنطق العلاج) ورفض منع الشباب من طرح الأسئلة الجدلية وقال البشير (من حق الشباب طرح أي سؤال والقرآن كتاب حوار حاور الله فيه إبليس، والجن، والأنبياء، وتابع الطريق ليس المنع وإنما توفير المناخ وإقامة الأدلة، وأقر بوجود إشكالية في مناهج الثقافة الإسلامية ونوه إلى أنه تم تشكيل لجان لمراجعة تلك المناهج إلا أنها لم تصل إلى نتيجة، وفي رده على مقترح وصول الدعاة لأماكن ترفيه الأسر قال (نحن لا نريد تكرار تجربة هيئة الأمر بالمعروف والمنكر السعودية واقترح طواف فرق انشادية على تلك الأماكن).
العودة للمجتمع :
وشدد البشير على ضرورة عودة الإسلاميين للمجتمع واعتبر أن من أكبر أخطاء الفكر الإسلامي المعاصر الاعتقاد أن الدولة أكبر من المجتمع وأضاف الدولة تذهب وتأتي وعلينا أن نتوجه للمجتمع .
مراجعة التجربة:
وطالب رئيس مجمع الفقه الإسلامي السابق د.عصام أحمد البشير بمراجعة الخطاب الإسلامي وقال علينا أن نراجع تجربتنا الإسلامية على مستوى الدعوة والدولة، من خلال فقه المراجعات والدعوة لتصويب المسيرة، وشدد على ضرورة رصد الشبهات واشترط اختيار دعاة مؤهلين يتمتعون بملكات القدرة على الدفاع عن العقيدة وتوصيل العلم والمحاورة بالحجج والبراهين والابتعاد عن لغة التكفير والتجريم وأضاف نحن دعاة ولسنا قضاة.
أنواع الإلحاد :
وأوضح د محمد حسين في ورقته ( الإلحاد في السودان الأسباب والعلاج ) أنواع الإلحاد التي تشمل الملحد الإيجابي وفسره بأنه الملحد الذي ينكر وجود الخالق، والملحد السلبي وهو الذي لا ينكر وجود الخالق ولا يعترف به، بجانب الملحد الرضوي وهو الذي لاينكر الخالق وإنما ينكر الوحي والرسل، ولفت إلى أن الإلحاد يرتبط بالشيوعيين واليساريين عموماً وأشار إلى ظهور نظرية الإلحاد الجديد الذي نشره صحفي أمريكي ويسعى للتخلص من الأديان .
تشكيك في الاحصاءات :
ونفى د. محمد حسين وجود احصاءات واقعية في السودان عن الإلحاد وشكك في نتائج دراسة معهد قالوب الأمريكي التي ذكرت أن نسبة الإلحاد في السودان تبلغ (5، 2 % ) وأضاف (الرقم بعيد وليس معقولاً أن يكون عدد السكان 40 مليون وعدد الملحدين مليون) وبرر شكوكه في تلك الاحصاءات لجهة أن اعتمدت على استطلاعات فردية وعلى وسائط التواصل الاجتماعي كصفحة سودانيون لا دينيون، ورفض حسين توصيف الإلحاد بالظاهرة إلا أنه استدرك قائلاً لكن نستطيع أن نقول إن وجودهم أصبح ملموساً.
وأشار إلى أن أهم أسباب ظهور الإلحاد في العالم العربي أسباب نفسية وللتخلص من وخز الضمير، ولفت إلى أن الحروب والصراعات تمثل أهم أسباب الاستقطاب للإلحاد بالإضافة إلى الاشكالات التي تحدث باسم حكم الإسلاميين والتي يرى الملحدون أنها أوجدت هذا الوضع المتردي بالإضافة إلى التأثر بالعولمة وحذر حسنين من السفارات التي تقيم مراكز ثقافية ومنتديات تستقطب المشاهير الذين عرفوا بالتوجه المادي، وشدد على ضرورة مراقبة نشاط بعض السفارات الغربية ولفت إلى أن العلوم التطبيقية ليست محايدة.
خطاب سطحي:
ووصف د. برير سعد الدين الخطاب الدعوي في المساجد بالسطحي، ونوه إلى أن اليونسكو تعتبر أن العقل فقط مصدر المعرفة وليس الوحي مما يخلق نوعاً من التنافر بدلاً من التناصر العلمي، وأشار إلى عدم وجود آليات للنظر في الخلافات الفقهية في قضايا لم تحل حتى الآن كالشورى والانتخابات وأضاف ليس هناك تنظير فكري بعيداً عن المورودي والمعالجات لا ترقى للمشاكل العصرية .
التحدي الأكبر:
واعتبر د. عثمان البشير الكباشي أن التحدي الأكبر والأكثر إثارة وأهمية من الإلحاد هو التجلي الأخير لفكرة العولمة والتي نتجت عنها مواثيق دولية ملزمة ولفت إلى أن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون فصلتها في كتاب أصدرته مؤخراً ذكرت فيه أن مطلوبات العولمة تشمل الاعتراف بحقوق المثليين وحقوق الشواذ، ولفتت إلى نشر أن الإلحاد يتم بصورة منظمة تعتمد على الشبكات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو المراكز البحثية.. وأكد أن معالجة القضية تكمن في تحديث علم الكلام حتى يكون معاصراً بجانب تجديد العلوم حتى تجيب على الأسئلة الجديدة. ورأى أن مواجهة الإلحاد والعلمانية تحتاج إلى تحالف إسلامي علمي، ونوه إلى أن نسبة المسلمين في الجنوب وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق قبل اندلاع الحرب كانت غالبة.. وشدد على ضرورة وقف الحرب في المنطقتين من منطلق ديني ودعوي، وقلل الكباشي من الربط بين الشيوعيين والإلحاد وقال (الشيوعيون بعيدون عن الانحراف الخلقي وملتزمين) .
وحذر صديق محمد من خطورة العمل الشبكي بالجامعات وقال في مداخلته من أكبر التحديات التي تواجهنا العمل الشبكي بالجامعات وعدم وجود رابط بين الجماعات التي تعمل بشكل خفي على نشر أفكار الإلحاد.. وشكك في وجود أجندة في المنح التعليمية، واتهم الشركات الرأسمالية العاملة في برامج المسؤولية الاجتماعية التي قال إنها تدعم مبادرات ومنظمات، وتابع المنظمات الغربية تسرح وتمرح في دولة الحركة الإسلامية.
وحمل آدم يوسف في مداخلته شيوخ الحركة الإسلامية مسؤولية تفشي الإلحاد بسبب تورطهم في قضايا الفساد ورأى أن الحل في إعادة أموال الشعب السوداني .
وقلل العضو بأمانة التزكية بالوطني ناصر أحمد مما أثير حول تفشي الإلحاد وقال (السودان محفوظ من هذه الدعاوى ونوه إلى أن مجمع الفقه الإسلامي أنشأ مركزاً لمحاربة الغلو والتطرف، وكشف عن أن الحزب وضع ضوابط للبرامج المفتوحة الوافدة على السودان من الفضائيات العالمية وأكد أن أقدامه على تلك الخطوة بموجب واقع مسؤوليته كحزب حاكم .
وأكد الأمين العام لمركز أبحاث التحصين الفكري د. إسماعيل عبد المنعم أن الإلحاد في السودان لا يمثل ظاهرة وإنما تفلتاً وأعلن عن استعداد المركز لتنظيم دورة مجانية لكل الطلاب وأبناء القيادات الإسلامية ورفض مقترح تخصيص أئمة مجانين وتابع (دايرين أمام نديهو 6 آلاف جنيه لا يكرم الدين إلا بتكريم العالم).
وحمل مشاركون في الندوة مسؤولية تفشي الإلحاد بالسودان للحركة الإسلامية بسبب فشل مشروعها وتفشي الفساد ورفض الأمين العام السابق لمجلس الدعوة الإسلامية وعضو أمانة التزكية بالوطني محمد سليمان تحميل الحركة الإسلامية مسؤولية ذلك.. وقال حتى لا نفرغ مشروعنا من محتواه مهما تكلم الناس الشباب يملأون المساجد وتابع هناك جهد كبير ولابد من المعالجة بصورة علمية.. وفي رده على المداخلات رفض د. محمد حسين تبرير الإلحاد بوجود إسلاميين مكثوا في السلطة وأكلوا الأموال وقال هناك أخطاء في التاريخ وما حدث ليس أسوأ من قتل حفيد الرسول “ص”.. وأقر الأمين العام لهيئة العلماء بروفيسور إبراهيم الكاروري بفشل الإسلاميين في إنزال مشروعهم على أرض الواقع (نحن كإسلاميين انتقلنا من مرحلة الصحوة ولكن فشلنا إلى حد كبير في مرحلة الدولة، ووقعنا بين المرحلتين ولم تظهر حتى الآن دولة إسلامية معاصرة والمشكلة حتى الآن قائمة ومازلنا في مرحلة التجريب .. وأكد الكاروري سعيهم لمعالجة مشكلة مادة الثقافة الإسلامية.
سعاد الخضر
صحيفة الجريدة