البركة فيكم في علي همشري، هكذا بكل بساطة رمى محدثي كلماته عبر الهاتف وكأنما يحدثني عن شراء قطعة أرض أو عرض سيارة مغرٍ في إحدى الشركات، مات علي همشري يا فاطمة، رحل همشه إلى عالم آخر، بكل هدوء وبذات الهدوء الذي يتعامل به مع كل الناس.
أصدقكم القول إن قلت لكم أن وفاة علي همشري لم تكتمل ملامحها بداخلي حتى الآن واستغفر الله لي ولكم ولكنها المفاجأة والصدمة والخلعة رغم يقيننا أن الدنيا دار زوال.
لم استوعب ما حدث، ولم أصدق ما ردده مهاتفي في مكالمته صباح الجمعة، والتي لم أتعود أن أسمع صوته فيها، لا أدري سبب استيقاظي في يوم الجمعة باكراً ، ولا أعرف لماذا هممت بفتح هاتفي منذ السابعة صباحاً، ،ولا أفهم السبب الذي جعلني أبحث طوال ليل الخميس حتى الساعات الأولى من الصباح لاستفسر عن صحته.
إحساسي لم يخني بكل أسف، وتحركاتي كلها في ذاك اليوم كانت مربوكة، استفسرت الزميلة ناهد الباقر يوم الخميس في الثانية صباحاً عن هاتف لشقيق همشري لأطمئن علي صحته، لأن “علي” قد أغلقت كل هواتفه منذ يوم الأربعاء.
*ورغم تطمينات ناهد التي حاولت أن تؤكدها لي، إلا أنني هرعت إلى الواتس وأرسلت رسائل متعددة لهمشه عبر هاتفه المغلق أترجاه فيها أن يرد علي مطمئناً، ولكن طال انتظاري.
لم ينقطع يوما مني، مستفسرًا عن الهلال ومقدماً نصائح الأخوان، وساعياً للخير في كل الاتجاهات.
حضر الخرطوم يوم مباراة الهلال وأهلي شندي وغادر في ذات اليوم، وهاتفني سعيداً ليبلغني انه أنجز مهمة معينة للهلال ستؤتي أكلها، كان متفائلاً جداً وسعيداً، ومتحدياً في أن ما فعله سيكون خيراً كبيراً على الهلال
جادلته طويلاً، ولكنه كان مصراً أن الأيام القادمات ستكشف لي حقيقه ما فعله، كان يظن أنه سيعيش حتي يخرج لسانه علي ويضحك كعادته ويعلن انتصاره وصدق حديثه.
كان يتحدث إلى متحدياً والقدر يكذب حدسه، ويلوح له بإشارات الوداع التي لم يستوعبها وقتها، وفور وصوله إلى البحرين أخبرني فجأة بأنه بالعناية المركزة، وأن الهلال ينبغي أن يقاتل لأجل عودة النقاط، فبالرغم من ظروفه الصحية إلا أنه يحمل هم الهلال وَيَا وجعي عليك.
عرض كل خدماته ليتمكن الهلال من عودة الست نقاط وهو طريح الفراش بالمستشفى بل في العناية المركزة ، كان قلقاً على الهلال وعلى إعادة تسجيل الثعلب و الشغيل ونزار ، والموجع أنه كان يكتب سريعاً ليطمئن على الهلال عبر الواتس كلما فاق من ألمه ووجع الدواء في رحلة طلب الشفاء.
آخر ما كتبه قبل أن يدخل في غيبوبته التي لم يفق منها كان في يوم الأربعاء، حينها راسلني بعبارات موجعة لحد البكاء، أخبرني همشه أن كل فحوصاته سيئة وأن وضعه الصحي حرج جداً، إلا أنه متوكلاً على الله فهو حسبه ونصيره.
كتب تلك الكلمات وأردف من بعدها وصاياه للهلال والتحكيم ومعركة المريخ ووحدة الصف الهلالي، لم ينتظر ردي وتعليقي وجدالي فدخل في غيبوبة لم يفق منها حتى الآن
مهلاً أيها الموت، فعلي مازال صغيراً ، شاباً ، متفائلاً ،، يحلم بنجاح أبناؤه وشفاء والدته وفوز هلاله في كل المحافل.
تابعت حلقته مع محمد الخير في قناة الهلال حينها أيقنت أنه كان مودعاً في تلك الحلقات التي أصر أن يتم تسجيلها وتكفل بكل نفقاتها من سفر وإعاشة وخلافه، كان يوثق لنفسه ولحياته، ويكتب من بعدها آخر السطور في دفتر الحضور النقي والقلب الأبيض والحضور الباهي.
رحل صاحب القلب الأبيض كما الحليب، لم أسمع أنه على خصام مع أحد، ولم يدخل في معركة يوما قط، ولم يؤذي إنسان منذ أن وطأت أقدامه الأرض، عرفناه أخاً للجميع ،صديق وشقيق وكريم وعشور ومحبوب ، للدرجه التي نعاه فيها المريخاب قبل الهلالاب
أصدقكم القول إن قلت لك عزيزي القارئ إن رحيل علي غيّر في حياتي تفاصيل كثيرة ، ومنحني دروساً مجانية ومعاني عظيمة
*هذه الحياة لا خير فيها ، ولا معنى لها ، والمصيبة أننا مخدوعين فيها، نتصارع ونتخاصم والمحصلة شبر من تراب، لم يهزني رحيل كما رحيل همشه، ولم استوعب حتى الآن أنني لم أسمع صوته مرة أخرى، و لم أتجادل معه عبر الواتس كما أفعل كل يوم
إنني أعزي نفسي في أخ لم تلده أمي، وفِي صديق منحتني له الأيام وخطفه القدر
اعزي نفسي فيك يا همشه أخا شقيقاً ود أم وأبو ،وهلالياً قحا وشخصية سأفخر مدى الحياة بمعرفتي بها.
*فقدناك في الهلال منافحاً ومناصحاً، كما فقدتك الأسر واليتامى وأولاد المدارس والجامعات وأصحاب الحاجة وعند كبوتش السر الدفين، أسالوا عنه اللاعبين والفنانين ورؤساء الأندية والزملاء والأخوان والمحتاجين
يا وجعي عليك يا همشه، و يا حزني على شاب يقدم يده اليمني للهلال دون أن تراها اليسرى.
يا وجعي عليك يا اخو البنات وعشا البايتات ، وأبو اليتيم وعائل الفقير ومساعد المسكين
*كنت أعلم أنك صاحب آخرة، وكنت أعلم أنك لن تبق معنا طويلاً فأمثالك لا يعيشون
*اللهم أغفر له وأرحمه وأدخله جناتك مع الصديقين والشهداء.
الخرطوم (كوش نيوز)