السلم التعليمي ؛ جدل لا ينتهي .. أستاذ جامعي: المنهج فيه معلومات مغلوطة لم يسلم منها حتى القرآن الكريم

تربوي: المنهج تسبب في عدم انضباط التلميذ وسلوك وتمرد داخل الأسرة

خبراء يؤكدون أن السلم الجديد سيُواجَه بالتكلفة الاقتصادية

سياسات جديدة أدت إلى عدم الاكتراث وبيع عدد من المدارس

جدل كثيف، أفرزه تغيير السلم التعليمي السابق الذي استحدثته حكومة الإنقاذ الوطني على يد وزير التربية والتعليم حينها عبد الباسط سبدرات، حيث تم تغيير السلم السابق، وسحبت المرحلة المتوسطة، وحصل دمج للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وسميت بمرحلة الأساس، فيما أبقى التعديل على المرحلة الثانوية على ما كانت عليه بـ 3 سنوات. وبذا أسدلت حكومة الإنقاذ الستار على سلم كان قد استحدثه وزير التربية والتعليم وقتها محيي الدين صابر المحدد بالأعوام 6ــ 3ـــ 3 بمجموع 12 عاماً، وهذا السلم سبقه سلم امتد ما قبل الاستقلال حتى أوائل عهد حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري، كان السلم المعمول به 4-4-4 أي أن مجموع عدد السنوات 12 عاماً في ذلك العهد.

وما ميز كل تلك العهود أن مجموع عدد سنوات السلم التعليمي كانت 12 عاماً خلافاً للسلم الذي جاءت به حكومة الإنقاذ الذي بلغت عدد سنواته 11 عاماً بتقليص عام كامل عن المراحل الدراسية قبل الجامعية، وهذا الوضع دعا لاجتماعات مكثفة لم تكن مناقشتها محصورة على القاعات التابعة لوزارة التربية والتعليم العام، بل تعدتها إلى مجلس التخصصات الطبية، بعد أن أثير غبار كثيف حول رفض دول الخليج الأطباء السودانيين المبتعثين حينها، وكانت المبررات أن الطبيب السوداني يدرس سلماً تعليمياً ناقصاً عن جميع دول العالم المحدد بـ 12 عاماً خلافاً لسلم دولة السودان.

قرار مؤتمر التعليم

في العام 2012 عقدت وزارة التربية والتعليم العام مؤتمر التعليم الذي تم تأجيله عدة مرات، في وقت كانت كل الأنظار متجهة إلى عقد هذا المؤتمر بغية تغيير السلم التعليمي الجديد، وبالفعل تم تغيير السلم، لكنه جاء مخيباً لآمال كثير من التربويين الذين كانوا يرجون إعادة المرحلة المتوسطة، غير أن دواعي اقتصادية حتمت أن تتم إضافة عام لمرحلة الأساس لتصبح تسع سنوات يتم فصلها إلى مرحلتين بفاصل معروف، وأن تكون هناك مرحلة ثانوية عدد سنواتها 3 سنوات، وهذا الجدل حسمته وزيرة التربية والتعليم العام السابقة آسيا عبد الله إدريس في حديث سابق لها في البرلمان والتي أكدت من خلاله بأنه لا اتجاه لإعادة المرحلة المتوسطة للسلم التعليمي، وقالت إن الوزارة تسعى لإضافة سنة تاسعة للسلم التعليمي وفصل السنوات من السادسة وحتى التاسعة لتكون مرحلة منفصلة عن بقية السنوات، على أن يكون الانتقال من السنة السادسة إلى السنة السابعة انتقالاً طبيعياً دون الحاجة للجلوس لامتحان انتقال من مرحلة إلى أخرى، على أن يتم فصل السنوات المحددة للسلم بتشييد سور داخل المدرسة، وأن يتم تعيين وكيل للإشراف على الفصول الثلاثة.

سنين عمرية متباينة

وكان للخبراء التربويين أطروحاتهم حول ما ذهبت إليه الوزيرة وظهرت أصوات معارضة، وذهبوا إلى أن وجود أطفال في سنين عمرية متباينة فيها مشكلة للطلاب، وقالوا إن ما ذهبت إليه الوزيرة لفصل الطلاب من السنة السادسة والسنين حتى التاسعة بجدار في شكل حلقتين يعتبر معالجة اقتصادية أكثر من كونها معالجة تربوية، وقطعوا بأنه في الأخير لا يصح إلا الصحيح، وهو عودة المرحلة المتوسطة، إذ أن المرحلة المتوسطة تحتاج إلى منهج جديد، وأساتذة مدربين وبيئة مدرسية تختلف عن المرحلة الابتدائية، ولكنهم اعتبروا أن صعوبات العودة فرضتها الإمكانيات الاقتصادية للدولة، وأكدوا أن الجدار ليس حلاً، ومن الأفضل أن تبدأ عودة المرحلة المتوسطة بالتدريج حسب ما هو متاح من إمكانيات، وقالوا: لابد من الوقوف على المشكلات النفسية للتلاميذ والطلاب خاصة إذا استصحبنا ما ذهب إليه وزير الصحة بولاية الخرطوم بروفسير مامون حميدة، وكشف حسب إحصائيات عن أن 25%ــــ 30% من الطلاب معرضون للإصابة بأمراض نفسية، ولابد من وقفة لوضع المعالجات الجذرية، وقال: لا أستبعد أنه بسبب الضغوط تكون هناك أمراض وسط الطلاب مثل الاكتئاب بسبب الضغط النفسي والمشاكل الاقتصادية، وقال إن هناك أعراض تؤدي إلى حدوث أمراض نفسية وسط الطلاب مما يقتضي التوسع في وحدات الإرشاد النفسي، وقال إنه بدلاً من طرح المشكلة لابد من طرح المعالجات بالترتيب مع المدارس ووزارة الصحة.

وأمن على أن السلم التعليمي 6ـــ 3ـــ 3 هو المنهج السليم للطلاب، واختلف مع وجهات النظر التي تذهب إلى أن يتم الفصل بين السنوات حتى السادسة وبينهما حتى التاسعة بجدار حائطي، وقال إن العلاج الأشمل أن تكون هناك بيئة مختلفة، وأن تضطلع الإدارات المسؤولة بدورها، على ألا تتم المعالجات التي تترتب عليها مشاكل تعليمية مختلفة، مؤكداً أن معالجة الفصل بجدار حائطي كانت معالجة تنظر إلى الجانب الاقتصادي أكثر من كونها تربوية تعليمية.

خارج المنظومة

من جهته، اعتبر الخبير التربوي آدم الشيخ في حديث لـ(الصيحة) أن السلم الحالي جاء بمقتضى الاتصال بالدول الخارجية، سيما أن السودان أبرم اتفاقيات مع دول إقليمية مبنية على أسس معينة، وقال إن السلم السابق جعل السودان يكون خارج منظومة دول العالم، لكنه أكد أن السلم 6 ـــ3 ـــ 3 هو السلم الصحيح، لكن هناك مشاكل تعوق دون تنفيذه من أهمها البنية التحتية.

معايير دولية

واعتبر الخبير التربوي إسماعيل تيراب في تصريح لـ(الصيحة) أن السلم السابق أدى إلى خلل واختلاف عن المعايير الدولية، وأن الهيئات التعليمية بالداخل خلقت تشوهاً فيه، وذلك بعدم تقبل الشهادات الجامعية خارج السودان، الأمر الذي استدعى الرجوع إلى السلم القديم، لكن الأمر حسب تيراب مجابه بالتكلفة الاقتصادية في ظل سياسات أدت إلى عدم الاكتراث وبيع عدد من المدارس التي كانت قائمة إبان تنفيذ السلم التعليمي 6ــ 3ـــ 3، وبالتالي فإن الرجوع إلى هذا السلم بدأت فيه صعوبة، وبالتالي فإن التمسك بالسلم الحالي على أن يفصل الجدار بين الحلقتين تحدث مشكلة في الفارق بين أعمار الطلاب من 5 سنوات و16 سنة، الأمر الذي يعتبر تحدياً للوزارة لجهة عدم وجود بنيات تحتية، فضلاً عن أن الوزارة تواجه تحدياً ثانياً هو تصميم المنهج الدراسي حسب تيراب مؤكداً أن المنهج الحالي مصمم منذ عهد سبدرات، غير أن هذا المنهج صمم وفقاً لأشواق سياسية بعيدة عن الوطنية، بالتالي لا يؤدي المنهج إلى تلبية الطموح التعليمي الأمر الذي يتطلب تغيير المنهج ودورته الحالية، وفقاً لخطة مدروسة، مؤكداً أن هذا الأمر يثار تحت الترابيز ويحتاج إلى ثورة حقيقية، ووصف ما توفره الدولة من ميزانيات للتعليم بالفضيحة إذ تعتبر السودان في ذيل قوائم الدول.

تغيير في المنهج

من جانبه، أكد الخبير التربوي محمدين عتيق الله في حديثه لـ(الصيحة) بوجود تغييرات في المنهج الدراسي حتى الصف الرابع من الحلقة الأولى والتي وصلها السلم التعليمي الجديد بغية أن تتطور المناهج حتى تصل إلى الصف التاسع، والتي يجلس منها التلاميذ لامتحانات الشهادة الابتدائية، ويكون حينها السلم التعليمي الجديد أكمل مرحلته الأولى، على أن تستمر حتى يدرس الطلاب المنتقلون من المرحلة الابتدائية ويكملون مرحلتهم الثانوية في العام 2026 حينها يكون خريجو مرحلة التعليم العام أول دفعة للسلم التعليمي الجديد 9ــ 3، وشدد عتيق الله على أن النظام الجديد يمضي لفصل الحلقة الأولى عن الحلقة الثانية وعن الحلقة الثالثة بجدار على إن تكون تحت إدارة واحدة.

وأشار إلى اختفاء الظواهر السالبة التي كانت متفشية سابقًا في المرحلة المتوسطة، عازيًا ذلك إلى أن كل مجموعة من الطلاب منتمين إلى أسرة واحدة أو حي واحد، وشكا من عدم توفر المناهج بسبب عدم وفرة الإمكانيات، فضلاً عن أن المعلم الذي يقوم بتدريس المنهج غير مدرب ووصف المنهج المخصص للفصل الرابع الحالي بالكثير مقارنة مع أعمار التلاميذ الذين يرابطون بالمدرسة حتى الساعة الثانية في فصول سمتها الاكتظاظ، خاصة أن الأطفال بطبعهم ملولين، غير أن مساحات المدارس ظلت على ما هي عليه لعشرات السنين، مؤكداً أن المساحة التي كانت معدة لتدريس 200 طالب، هي نفس المساحة التي يدرس عليها حالياً 500 طالب، وانتقد محمدين عدم وجود فسحات للنشاط الطلابي.

معلومات مغلوطة

من جهته أكد الأستاذ الجامعي عادل الفكي أن مؤتمر التعليم العام خرج بتوصيات لابد من تنفيذها، منها أن المنهج فيه (حشو) ومعلومات مغلوطة، يجب أن تخضع للتصحيح لم يسلم منها حتى القرآن الكريم، مشددًا على أن المنهج يحتاج إلى تجويد، موضحًا أن المنهج له دورة على مستوى مرحلة الأساس والمتوسط مفقودة، وقال إن المنهج الموضوع للطلاب يعتبر أكبر من عقولهم، الأمر الذي أفرز حالة نسيان بين الطلبة لما يدرسونه مقارنة بالأجيال السابقة فضلاً عن وجود تداخل بين المواد مثل مادة العلم في حياتنا التي تحوي مواد تمازج بين التاريخ والجغرافيا، مطالباً بضرورة تدريب الأستاذة، وأردف أن البيئة المدرسية محتاجة إلى تأهيل وتطوير، داعياً إلى ضرورة فصل الصف السادس عن بقية مرحلة الأساس.

عدم مواكبة

واعتبر الخبير التربوي أحمد عمار عوض الله أن السلم التعليمي الجديد يعاني من مشاكل من بينها أن عدداً كبيراً من المواد التي يدرسها الطالب غير مواكبة من حيث الكم والكيف، وعدم تناسبها استيعاباً مع عمر الطالب، ويقول عمار إن المنهج وضع بطريقة غير مبرمجة وغير مؤهلة للطلاب مما أوجد عدم انضباط وسلوك وتمرد داخل الأسرة بسبب الضغوط على الطالب من كثرة الواجبات فضلاً عن أن المنهج غير ملبٍّ ولا يساعد في تنمية المهارات والهوايات والنشاط الصيفي واعتبر أن وزارة التربية تحتاج إلى منصرفات في ظل وزارة لا يصرف عليها وغير ذات أولوية من قبل الدولة خاصة في الصرف.

الخرطوم: إبتسام حسن
صحيفة الصيحة.

Exit mobile version