يخطئ الكثيرون بتسويق حلم إصلاح حال الدولة وشفائها من علل وأمراض تجذرت وسكنت جسدها المتعب لمجرد خفض عدد وزراء الدولة وتقليص هياكل الحكم اللا مركزي وإعفاء معتمدي الرئاسة بالولايات وإطلاق سراح الكثير من الوزراء.. رغم أهمية مثل هذه الإجراءات لما تمثل من حافز معنوي للمواطنين.. وإشارة موجبة للرغبة في الإصلاح وخفض الإنفاق.. خاصة والرأي العام في البلاد قد ضاق بالعدد الكبير من الوزراء ووزراء الدولة.. وبلغ الأمر بأن بعض الوزراء يضطرون لتعريف أنفسهم للناس في الأفراح والأتراح.. وبات في كل حارة من حارات الخرطوم وزير سابق.. ومعتمد مفصول.. ووالي ينتظر (التدوير) ليعود مرة ثانية للنعيم المقيم.. وترف الحياة المخملية.. لو تم تقليص عدد الوزراء الاتحاديين لأربعة فقط وإلغاء كل مناصب وزراء الدولة وإغلاق أبواب البرلمان وتسريح النواب، فإن عاد مردود مثل هذه الإجراءات لا يتعدى مخاطبة عواطف العامة من الناس، لأن ما يوفره فصل وإعفاء خمسة وزراء اتحاديين لمدة عام كامل لن يبني مدرسة أساس واحدة بثمانية فصول في محلية بحر العرب بشرق دارفور.. وراتب الوزير لا يتجاوز الـ(20) ألف جنيه ونثرية المكتب في حدود الـ(50) ألف جنيه توزع على المحاسيب وأصحاب الحاجات والأقارب والمعسرين.. والمنتظرين بأبواب السلاطين الدرهم والدينار.. وإلغاء وزارة أو دمجها في أخرى لا جدوى كبيرة منه لأن الموظفين باقون فقط ربما تغيرت مسميات وظائفهم.. وزادت أو نقصت النثريات والساعات الإضافية التي ينالونها تبعاً لطبيعة الوزارة.. هل هي إيرادات؟ أم خدمية؟
ويخطئ الإعلام الرسمي وإعلام حزب المؤتمر الوطني التقدير حينما يسوق للناس الأحلام بأن الحكومة الجديدة بيدها حل أكثر المشكلات تعقيداً وإن خفض عدد الوزراء من شأنه التأثير المباشر على أسعار الرغيف والسكر واللحوم والبيض والطعمية!! ولكن الإعلام مطالب بترشيد الأحلام والصدق في التعبير عن واقع الحال.. والتبصير بأن ما أقبلت عليه القيادة من تغيرات هدفها أولاً تحسين الأداء والبحث عن فاعلية للجهاز التنفيذي.. وإصلاح حال الدولة وتحسين الأداء وكفاءة جهازها الإداري يتطلب أولاً: بث روح الثقة في موظفي الدولة.. وتعيين وزراء يثقون في أنفسهم وقدراتهم وتتملكهم روح بأنهم شركاء أصليين في الحكم وليسوا مجرد عربة تجرها قاطرة باطشة تعصف بكل من يخالف (التعليمات) ويتجاوز التوجيهات.. ولن يعجز رئيس الوزراء “معتز موسى” في اختيار وزير مالية يخطط لجلب موارد وزيادة الإيرادات وليس وزير خزانة كل همه توزيع المال القليل بناءً على تصاديق وتوجيهات القيادة العليا.. والوزراء الذين (ينقذون) الإنقاذ من محنتها الحالية هم أصحاب الرأي والرؤى وليس وزراء الطاعة الذين (يرددون) حتى أمام زوجاتهم كل شيء تمام يا سعادتك!!
وقديماً كتبنا في هذه المساحة عن انزواء وخروج أهل النظر وحضور أهل الفعل!! وهؤلاء بلغوا بالبلاد واقعها الحالي، وقد اعترف الرئيس بشجاعة وثقة بسوء الحال في خطابه التاريخي قبل شهر إلا قليلاً، بمناسبة عيد الأضحى المبارك.. ومنذ ذلك الخطاب بدأت خطى مراجعة الأداء ومحاولات الإصلاح إلا أن الدرب الطويل والمسيرة شاقة والزاد قليل.
صحيفة المجهر السياسي