تناقلت وسائط إعلام مختلفة، عملية هدم وإزالة مدرسة الحلة الجديدة بالخرطوم وبيعها لهيئة الجمارك السودانية، ونقلت الوسائط حديثاً لأسرة المرحوم عبد المنعم يونس مؤسس مدرسة الديوم الأهلية الأساسية بالحلة الجديدة بالخرطوم، وكشفها عن عملية بيع طالت المدرسة لهيئة الجمارك السودانية، عن طريق صاحب مغلق، حيث شرعت الجمارك في عملية هدم المبنى، وبحسب حديث الأسرة أنه لم يعرف الغرض الذي تخصص له المدرسة بعد إزالتها. أحاديث كثيرة هنا وهناك حصدتها (الإنتباهة) ما بين أهالي الحلة الجديدة وورثة مؤسس مدرسة العاصمة ومستشار الجمارك، رسمت صورة أخرى لقضية مدرسة عريقة تأرجح بها الزمن، فهل (مدارس حراء القرآنية) ستعيد مجدها التليد، أم تجعل لها صورة جديدة مازالت مبهمة عند أهالي المنطقة، وهذا ما وقفنا عليه عبر هذه المساحة.
مشهد ضبابي
عندما شرعت إدارة الخدمات الاجتماعية بالجمارك في هدم مبنى مدرسة الحلة الجديدة، كان المشهد ضبابياً عند الكثير من الأهالي الذين تساءلوا بدورهم ماذا تريد الجمارك بمدرسة مجففة؟ وهل تمت إحالتها لمكاتب إدارية أو (قشلاق فاخر) يقاسمهم شح المياه والكهرباء؟ في وقت قالت فيه ابنة مؤسس المدرسة زينب عبد المنعم يونس، إن المدرسة تأسست في العام 1943 منذ عهد الإنجليز في مساحة تقدر بنحو 3900 متر مربع، تدرس بها كل فئات الشعب السوداني الأغنياء منهم والفقراء، منذ حياة والدها مؤسس المدرسة، ومن تعاقبوا بعده، بل ظلت تنظر للمدرسة التي توجهنا لموقعها وقد بدأت تتغير ملامحها بالأنقاض والهدم الكامل، وظلت أعين أهالي الحلة الجديدة تنظر للحال وسط دهشة وحيرة، ويبدو أن تضارب المعلومات مع ما يعرفون من حقائق جعل لهم هذه الحالة الاضطرابية. جلسنا الى قيادات المنطقة ورموزها لمعرفة المزيد حول هذه المدرسة وتاريخها، وقال الأستاذ محجوب معروف وهو من أعيان المنطقة إن القطعة رقم (1) بمساحة (3920)م2 مخصصة لخدمات الحلة الجديدة وهي جهد نبيل قدمه عضو مجلس البلدية وابن المنطقة إبراهيم صالح في منتصف القرن الماضي عندما صدق هذه القطعة من قبل وزير الإسكان وقتها مبارك سنادة لإنشاء مدرسة بالعون الذاتي وعينت اللجنة الأستاذ عبد المنعم يونس مديراً لمدرسة الحلة الجديدة كمدرسة أهلية وتمت إضافة المدرستين للقسم المعان بعد تعديل اسم مدرسة (الحلة الجديدة الثانوية العامة المعانة)..وتابع أهل الحي سردهم لقصة المدرسة وقال: المهندس عثمان بلال أحد رموز المنطقة، إن المدرسة تمثل لأهل الحي واحدة من المنارات التاريخية التي تم تشييدها بالعون الذاتي، فضلاً عن حفظها لإرث تاريخي مرتبط بوجدان أهل الحلة الجديدة.
فالمدرسة خرجت أجيالاً وأجيال، ونراها الآن تختفي عن أعيننا بكل تاريخها وألقها القديم!!.
اختفاء الحقيقة
أجمع أهالي الحلة الجديدة عبر تقرير تمت كتابته بإجماع اللجان الشعبية وقيادات المنطقة، أنه وبوفاة المرحوم إبراهيم صالح كرجل متابع لمسار المدارس، اختفت الحقيقة وأصبح عبد المنعم يونس هو صاحب المدارس واسمها، علماً بأن الأرض هي القطعة رقم (1) مسجلة باسم حكومة السودان لغرض خدمات الحلة الجديدة وشملت المساحة (3920)م باسم الديوم الغربية.
ويضيف التقرير أنه تم الاتفاق بين هجو الطاهر وعبد المنعم يونس ومحمد الصول على شراء (المباني لتشغيلها كمدارس) وتم تقسيم مدرسة الحلة الجديدة الثانوية العامة الى مدرستين غرباً (مدرسة البشير الوسطى بمساحة (1000) متر2، وشرقاً (الحلة الجديدة الثانوية) بمساحة (1400) متر2، إلا أنه وبعد ثلاث سنوات ساءت حالة عبد المنعم يونس وعرض بيع المباني للأستاذ هجو الطاهر وشريكه بشير العاقب وتم شراء (2400)م2 مستقطع منها (108م2) (عدد فصلين) لصالح زوجة عبد المنعم يونس (فاطمة حسن البلولة)، وبعد ذلك ترك الأستاذ هجو الخرطوم وتمت تصفية الشراكة بينه وبين الأستاذ بشير العاقب وآلت المباني لبشير، وبعدها تمت شراكة بين بشير العاقب وأخيه عثمان العاقب وتم تغيير الاسم الى مدرسة العاصمة القومية، وبعد وفاة بشير العاقب وعثمان العاقب أصبحت الشراكة لورثتهما.
شكوك حول البيع
القيادي بالمنطقة محجوب معروف، قال الذي نعرفه أن المدرسة ملك عام لايجوز البيع والشراء فيها وهي مشيدة بالعون الذاتي ومسألة شراء الجمارك للمدرسة يطرح عدة تساؤلات مشروعة، تهمنا كمواطنين لنا حق في هذه الأرض التي شيدناها بالعون الذاتي، فالجمارك مؤسسة وطنية لها احترامها وتقديرها فكيف لها شراء مدرسة دون علم المواطنين أصحاب المنفعة الحقيقية؟، وكيف تشتري حق عام وهو أمر يحتاج الى تفسير، علماً بأن منطقة الحلة الجديدة منطقة وعي وزاخرة بالعقول والقيادات التنفيذية والسياسية.
تساؤلات مهمة
طرح أهالي الحلة الجديدة تساؤلات أخرى يودون خلالها معرفة الصيغة التي تكاتب بها أستاذينا عبد المنعم يونس لاستخدام المباني وهل هي صيغة إيجارية أم بيع؟ وهل البيع للأرض أم المباني؟، وكيف آلت الأرض لورثة عثمان العاقب وبشير العاقب وما هي المستندات التي خولت لهم تحقيق شهادة بحث باسم مدرسة العاصمة القومية.
ورثة عثمان العاقب
حملنا كل هذه التساؤلات لورثة المرحوم محمد عثمان العاقب مؤسس مدرسة العاصمة القومية الثانوية الخاصة بنات بالحلة الجديد، ووجدنا وبحوزتهم شهادة ملكية صادرة عن السلطة القضائية باسم المدرسة، وأوضح مهند محمد عثمان نجل المرحوم محمد عثمان العاقب لـ(الإنتباهة) أنه لا يقال لصاحب المدرسة مالك، فالمالك الأساسي وحسب لوائح وزارة التربية والتعليم هي الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم التي بدورها تمنح ترخيصاً للانتفاع بها لغرض التعليم فقط، والذي يجوز بحسب اللوائح هو التنازل عن ذلك الترخيص بعلم وإجراءات الوزارة، حيث لا يجوز البتة تغيير هذا الغرض وهو حق مكفول لسلطات الدولة فقط.
والذي حدث أن هذه المدرسة منذ تأسيسها وحتى الآن مرت بمراحل متعددة فمؤسسها الأول هو الراحل عبد المنعم يونس وكانت تسمى مدرسة الحلة الجديدة تنازل عنها للأستاذ هجو الذي سماها المدرسة الأهلية وبعد ذلك تنازل الآخر لوالدنا الذي أسماها مدرسة العاصمة واستمرت في غرضها التعليمي حتى العام 2014م وفي العام 2016م وبموجب تفويضي عن ورثة الوالد وبإجماع الأسرة تنازلنا لذات الغرض لمؤسسة حراء التعليمية التابعة لهيئة الجمارك وقد اتبعنا كافة الإجراءات اللازمة لذلك وبمكاتبات رسمية وعقودات موثقة بالجهات المختصة، وأضاف التنازل تم في وزارة التربية والتعليم فهي التي توافق وتكمل هذه الإجراءات، والآن السجل باسم مدارس حراء .
رؤية قانونية
المستشار القانوني لهيئة الجمارك مولانا عبد الرحمن علي أحمد قال في يوم 6 يونيو 2016م تم التنازل من ورثة المرحوم محمد عثمان العاقب عن التصديق الخاص بالمدرسة لهيئة الجمارك وتم إبرام عقد وبعدها قامت الجمارك بكافة الإجراءات القانونية التي تلي وزارة التربية والتعليم وتم تحويل التصديق باسم الجمارك لمدارس حراء القرآنية وأرفقنا كل المستندات المطلوبة، بالإضافة الى تنازل صاحب التصديق السابق وبموجب ذلك منحت الوزارة التصديق النهائي باسم حراء الثانوية بنات ولنا اتجاه في تطوير المشروع لتكون المدرسة بنين وبنات، وومعروف أن إنشاءات الجمارك تتم وفق الاشتراطات الهندسية التي تواكب الطفرة التي تشهدها العاصمة والجمارك، لذلك كان حرياً أن تهدم المدرسة لإعاة تشييدها وفق مواصفات قياسية على أمل أن يتم أول قبول لها في العام الدراسي القادم 2019م، وأكد المستشار القانوني اكتمال مرحلة التخطيط وإعداد الخرط والمصادقة عليها من قبل الجهات ذات الاختصاص، ورداً على سؤال (الإنتباهة)، قال مولانا عبد الرحمن، الأرض حكومية مخصصة لخدمات التعليم ولايمكن تغيير غرضها.
للجمارك رؤية
مصدر رفيع بالجمارك قال لـ(الإنتباهة) إنهم وفي إطار المسؤولية المتجمعية واهتمام الجمارك بتعليم منسوبيها درجت الجمارك على توفير خدمات التعليم لأبناء منسوبي الشرطة وللمواطنين الذين بقطنون بالقرب من تلك المدارس. وقال المصدر الرفيع إنهم يحرصون على تقديم خدمات نوعية يستفيد منها المواطن ومنسوب الجمارك معاً، مؤكداً أن هذا المشروع سيكون في صالح مواطني الحي من خلال تقديم خدمات تعليم متطورة وفي بيئة مناسبة. وقال الجمارك حريصة على تنفيذ مشروعها بصورة سليمة كما تحرص على تقديم خدمة تحقق الرضا للجميع بما فيهم المجلس التربوي للمدرسة وصديقات المدرسة (الأمهات) وهؤلاء سيكونون بإذن الله من أهالي المنطقة بعد قبول التلاميذ للعام الدراسي الجديد، موضحاً أن المدرسة ستكون واحدة من آليات التواصل مع المجتمع والذي سيكون له سهم كبير في الدفع بمسيرة التعليم.
علي الصادق البصير – الانتباهة