كارثة بيئية بالجزيرة.. (انْدَهِشْ) أنت في ود مدني!!

“عائشة” تعمل في بيع الشاي بالسوق المركزي الكائن بحاضرة ولاية الجزيرة (ود مدني)، تعول أسرةً بكامل الواجبات من مأكل، مشرب، تعليم، صحة وكل شيء، وبينما هي (مُنهمكة) وسط هذه الحزمة من الالتزامات؛ وجدت “عائشة” نفسها مُحَاصَرةً مِن كُلّ الجَوانب بمياه أمطارٍ غزيرةٍ غَطّت على كُلّ السُّوق خَاصّةً مكان موقف حافلات (الحاج عبد الله والحوش).. تقول عائشة لـ (السوداني) إنّها تدخل السوق في الصباح الباكر وهي تخوض في الوحل حتى يتسنى لها الوصول إلى (عِدَّة العمل).. وتلك ليست هي المشكلة؛ المشكلة الحقيقية تتمثل في (…..) تابعوني في السطور القادمة لمعرفتها:-

كساد سُوق!

تقول “عائشة” إنها تصل إلى محل عملها بقُدرة قادر، ثم تظل جالسة طوال اليوم في انتظار زبائن حرمتهم مياه الأمطار المخلوطة بالنفايات المُتراكمة من الوصول إليها، ولذا فإنَّ جُملة بيعها لا يتجاوز الـ (60) جنيهاً في اليوم – على حد قولها – وتُؤكِّد أنّها ليست وحدها التي تُعاني من تردي الوضع الصحي بالسوق.. فإحدى البائعات في السوق المركزي وتدعى “إنعام” كانت تقف بجانبي، حيث أفادت (السوداني) أنّها أكثر المُتضرِّرين لأنّها اضطرت لإغلاق مَطعمها، وأضافت أنّ دُخول المُواطنين والزبائن للمطعم يتطلب مُواجهة عدة تحديات منها خوض المياه المخلوطة بالطحالب.. وأيضاً مُقاومة كمية الذباب الذي يضيِّق المطعم.. وطالبت المحلية بمُعالجة البيئة الصحية في السوق حتى تتمكّن من مُمارسة عملها الذي تأكل منه عيشها.

خطر أسلاك الكهرباء

يُعتبر السوق المركزي بود مدني ثاني أهمَّ أسواق المدينَة ذلك لأنه المصدر الذي يُغذِّي بقية الأسواق بالخُضر والفواكه واللحوم بشقيها الحَيّة والذبيح، كما تُوجد به محال تجارية للاسبيرات، وبضائع القطاعي والجُملة، ويشهد السوق حركة دؤوبة لمُواطني المدينة والمناطق المجاورة.
(السوداني) تجوّلت داخل السوق، فكان أول ما لفت الانتباه، المياه تُحيط به من كُل جَانب ليصبح عِبارة عن (بِرَكٍ كبيرةٍ) للمياه الراكدة التي غلب عليها اللون الأخضر بسبب طُول مَدّها وبفعل الطحالب، فلسان حََال المُواطنين والباعة هو أن السوق أصبح مرتعاً للذباب نهاراً والبعوض ليلاً..
ويقول الحاج النور تاجر بالملجة إنّ العمل بالسوق أصبح لا يحتمل، وإنّهم يعانون الأمرين من المياه الراكدة التي أدّت إلى إحجام المُواطنين عن الشراء، ومن توصيل الكهرباء العشوائي بالسوق، ولا تُوجد عَدّادات فردية حيث يقوم كل أربعة أشخاص بالاشتراك في عدّادٍ واحدٍ وهذا أمرٌ خطيرٌ، خاصةً في ظروف الأمطار وانتشار المياه، مُبيِّناً أنّه إذا انقطع أحد الأسلاك على الأرض وهي مليئة بالمياه مُمكن تصيب عدداً من المُواطنين، وأشار إلى إحدى التوصيلات التي يُستخدم فيها (الكيس) عازلاً للأسلاك بدلاً من شريط الكهرباء، الحاج طالب الولاية الاهتمام بالسوق وإنشاء جملونات وترابيز لوضع الخُضر والفاكهة عليها حتى تتلاءم مع التقدم الحضاري وتزيد ثقة المُواطن المُشتري بالسوق، مُشيراً إلى أنّه في حالة هُطُول مطرة واحدة تؤدي إلى إغلاق السوق لأنّ البضائع تُعرض أرضاً وعلى جوالاتٍ من الخيش والبلاستيك.

أين تذهب الرسوم؟!

من جهته، قال التاجر حمد عبد الله إنه ظل يعمل بالسوق منذ العام 1995 وحتى الآن لم توفّر لهُ المحلية كشكاً أو دكاناً لتقنين ممارسة مهنته، مضيفاً أنّ الرسوم التي تتحصّلها المحلية منه لم تنعكس على تطوير خدمات بالسوق، مُبيِّناً أنّه يدفع رسوم كرت صحي قيمتها (120) جنيهاً، ورسوم تصديق المحلية بقيمة (102) جنيه، حمد يقول إنه أُرهق من (مناحاة الضبان) من الخُضر التي يعرضها وأصبح يعرض جُزءاً منها ويقوم بـ (مسحه بالزيت) للحفاظ عليه من الذباب وما تبقى من الخضر في (الكراتين)، وناشد المحلية بمعالجة عاجلة للسوق، لأنُه أصبح مصدر رزق لهم وأُسرهم بحيث يصعب عليهم تركه وممارسة عمل آخر بعد قضاء أكثر من عشرين عاماً بهِ.!

(الجمرة بتحرق الواطيها)

ويقول بدر الدين يوسف فضل السيد سائق حافلة صغيرة برقم اللوحة (١١٩٦): إنه عمل سائقاً خارج السودان، حيث لا يوجد إهمال كالذي شاهده، والوضع المُتردي بالسوق وموقف “الحاج عبد الله – ود مدني والحوش”، وأضاف أنّ المحلية لم تهتم بأمر السائقين ومركباتهم ولديهم رسوم يومية تُدفع باسم الخدمات بقيمة (٦٥) جنيهاً في كل (فردة) ذهاباً وإياباً، وحسب قوله إنهم ينقلون الراكب بـ (٢٥) جميعاً، وإنّ المحلية تأخذ في الرحلة ذهاباً وإياباً مبلغ أكثر من خمسة مقاعد يومياً وفي كل رحلة ولم تنعكس على الموقف بشئٍ، مُضيفاً أنّ الحُفر والمياه الراكدة بالموقف أجبرتهم على ترك الصلاة، وأنّ دورات المياه التي تتوسّط الموقف مُحاطة بالمياه من كل الجوانب، ونوّه الرجل أنّه بسبب الحُفّر أدّت إلى كسر (أُمية) عربته وكلفته الملايين لإصلاحها، وناشد المحلية للاهتمام بأمر السوق حتى يستمروا في عملهم، وهدّد من ترك السائقين الموقف في حال استمر هذا التردي.!
وفي ذات الاتجاه، مضى السائق مهند النور، حيث أَكّدَ لـ(السوداني) أنّهم عندما تحدثوا مع ضابط المحلية عن تحسين أوضاع الموقف، أخبرهم بأنّ المحلية ليست لديها ميزانية لردم الحُفر التي ضَاقَ بها المَوقف، وأشار إلى أنّه بسبب الحُفر والمجاري التي تُغطِّيها المياه بالموقف تعرّضت مركبته لعطل بالجربكسي كلفه (3) ملايين جنيه. وقال إنّ السائقين وبعد فشل كل مُحاولاتهم مع المحلية اتّفقوا على ردم جُزءٍ من الحُفر المنتشرة بالموقف عبر (شيرنغ) فيما بينهم وجلب (قلابات التراب) لردم الموقف، لجهة أنّ السائقين هم المُتضرِّرون والمكتوون بنار الاسبيرات.

رُعب الإسهالات المائية!

المواطن محمد عبد الله يقول لـ ( السوداني)، إنّ نتائج هذا التردي بالأسواق تظهر سنوياً بالإسهالات المائية وهو اسم الدلع لمرض (الكوليرا) والذي يتزامن في شهري نوفمبر وديسمبر، حيث تقوم الولاية بعمل الكَشّات على الأسواق ومُطاردة البَاعَة، وأضاف الرجل أنّ السوق المركزي منذ إنشائه في العام 1995 لم يشهد تَطوُّراً، بل زاد تدهوراً.. وأكّدَ أنّ الغرض من قيامه بأن يصبح سوقاً للجملة ويصبح السوق الذي داخل المدينة للبيع القطاعي، عبد الله اختتم حديثه مُتحسِّراً على حال السوق والولاية ككل بقوله إنّ المحليات لم تقم بالدور المُناط بها تجاه الأسواق وأبعد ما يكون عن قضايا المواطن!!

هذا هو دور المحلية

أخيراً ذهبنا لجهات الاختصاص حيث قالت مديرة الوحدة الإدارية بالسوق المركزي نهى عمر إبراهيم لـ (السوداني)، إنَّ السوق يُعتبر واجهة للولاية من الجهة الجنوبية، مُضيفةً أنّه وعلاوةً على ولاية الجزيرة فهو رافدٌ أساسيٌّ لثلاث ولايات هي سنار، النيل الأزرق والنيل الأبيض، وعن مُعالجة التّردي البيئي بالسُّوق، قالت إنّ دور المحلية هو تَسوية الشوارع وفتح المجاري ورش مَناطق تَجمُّع البعوض والذباب ومُكافحة الملاريا وأطوارها.. وعن الطحالب وكيفية تجفيفها، قالت تتم عملية تجفيفها بالردم بالتراب وتصريف المياه الراكدة وفتح المجاري، واختتمت حديثها بأنّ المُعالجة تحتاج لتضافر الجُهُود من كل الجهات، وأنّ المحلية تسعى بقدر ما هو مُتاح لترقية وتقنين العمل في السوق خلال الـ (3) أشهر المُتبقية من هذا العام كي يواكب التطور ويلحق بركب الأسواق المُتقدِّمة للتاجر والمواطن.

ضعف إمكانيات

من جهتها، قالت مدير الشؤون الهندسية بمحلية ود مدني الكبرى مهندس شذى قمر لـ (السوداني)، إنّ السوق المركزي لم تتم به مُعالجات في عهد الوالي محمد طاهر أيلا، وأضافت: لا تُوجد ميزانية في المحلية لعمل الردميات بالسوق، مُنوِّهةً أنّ المحلية ليست لديها ميزانية لصيانة اللودر المُتعطِّل الذي يَتبع لها كي تقوم بالمُعالجات في السوق، مُشيرةً إلى أنّ مُعتمد المحلية الأمين وداعة الله يسعى مع حكومة الولاية لاستبداله بآخر، وأكدت أنّهم الآن يقومون بنقل تراب الأنقاض من المباني وترحيله لمُعالجة المياه الراكدة بالأسوق وهذا دليلٌ على ضُعف المِيزانية بالمَحلية.. وفي خاتمة حديثها قالت إنّ الشؤون الهندسية بالمحلية من صميم عملها الإشراف على الأسواق ومُتابعة تنفيذ الكباري وصيانة المَرافق الحكومية واستخراج تصريحات المباني.

الجزيرة: اليسع أحمد
صحيفة السوداني.

Exit mobile version