*قريبنا مزمل صديق مر بتجربة فريدة..
*ولما حكاها ضحكت لها طويلاً ؛ فقد مررت بمثلها عدة مرات في حياتي..
*قال إنه أُرسل إلى أهل بيته ليخبرهم بموت عجب..
*وعجب هذا كان أحد (أتباع) جدنا العمدة محمود… وسائق عربته..
*فجرى الطفل سريعاً – مزمل – ليجد النساء يلتهمن أكلة كان يحبها كثيرا..
*وهي بالنوبية (جكَّمسا)… وتنطق أيضاً (جكَّسوريد)..
*فوقع معهن على الصحن يأكل بنهم شديد… ثم ادكَّر بعد أُمَّة..
*وصاح (قالوا العجب مات)… فإذا بالنسوة ينتفضن من الطعام مع صراخ مدوٍّ..
*وانتفض هو لانتفاضتهن… وصرخ لصراخهن..
*وقال إنه إلى الآن (ما فاهم حاجة)… ولا سبب كل تلكم (الأهمية) لوفاة عجب..
*وحين كنت أنا في عمره سمعت الكبار يهمسون بشيء ذات يوم..
*وكان عن مرض (فلان)… ولم أدر لم الهمس..
*وخلال جلسة ضمت كبارنا هؤلاء مع فلان هذا جهرت بالذي كانوا به يهمسون..
*وسألته بصوت عالٍ (قالوا عندك كذا… صحي الكلام ده؟)..
*فانتفض الكبار مثل انتفاضة نسوة دار مزمل تلك… وانتفضت أنا كانتفاضته..
*ثم سمعت من ضروبب العتاب ألواناً… وأشكالا..
*وما زلت إلى يومنا هذا (ما فاهم حاجة)..
*وأيام الثانوي (نجرت) قصيدة أعجبتني… وأعجبت جاري في الفصل..
*فأصر زميلي هذا على (إبهار) أستاذ الأدب العربي بها..
*فذهبنا إليه بها لنبهره… ومن ثم يعم الإبهار كل المدرسة ؛ بمدرسيها وطلابها..
*ولكنه ما أن قرأ منها بيتين حتى أعادها إلينا (مكرفسةً)..
*ثم انتفض صائحاً (إيه الكلام الفارغ ده؟!… انجرّوا على فصلكم… ده شعر عقيم)..
*وانتفضنا لانتفاضته رعباً… (وانجرينا) من أمامه..
*وبعد كل هذه السنين ما زلت (ما فاهم حاجة)… ولا معنى مفردة عقيم..
*فالريح قد يكون عقيما – كما البشر – حسبما ورد في القرآن..
*وهي التي يصفها الحق بأنها (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم)..
*أي التي لا (تخلِّف) من ورائها شيئا… ولا تُنبت… ولا تُلقِّح..
*ولكن كيف يكون الشعر – أو شعري أنا – عقيماً ؟!..
*وربما قصد الأستاذ أنه شعر لا (يُخلِّف) بنين… وبنات… وحفدةً ؛ من الشعر..
*وقبل فترة سألني صديق إن كنت صاحب قصيدة (حائمة) إسفيرياً..
*ووصفها بأنها قصيدة في غاية الروعة… والجمال… والإبداع..
*فوسوست لي نفسي بأنها قد تكون تلك القصيدة ذاتها التي أغضبت أستاذ الأدب..
*فربما عثر عليها أحدهم (مكرفَّسة) وسط ركام أوراق مدرستنا..
*ورأى فيها ما لم يره أستاذنا ذاك… فبثها في الأسافير..
*ولكني انتفضت حين قال إنها قصيدة سياسية فيها هجاء لاذع لأحد (الكبار جداً)..
*وصرخت : يستحيل أن تكون لي..
*فأنا…..(عقيم !!!).
صحيفة الصيحة