من أحزان (28) رمضان إلى تصافي الحوار الوطني
“أحمد كرار” وزير يعبر جدار القطيعة لرحابة التسامح
“مساعد محمد أحمد”.. هل يستحي هذا الرجل؟؟
بعد نجاح فريق المؤتمر الوطني القيادي في الخروج بنتيجة إيجابية في النصف الأول من شوط المباراة السياسية القادمة بإعادة ترشيح الرئيس “عمر البشير” لدورة قادمة دون أية خسائر وسط الحزب الذي توقع البعض انقسامه وتصدعه ما بين تيار يقف مع إعادة ترشيح “البشير” وآخر رافض له.. إلا أن الحكمة والتدبيرات الإجرائية، ووقوف قيادات تاريخية لها ثقلها وكسبها وسط الإسلاميين والمؤتمر الوطني مع ترشيح “البشير” قد رجحت الخيار الموضوعي العملي وعبر الترشيح محطة الشورى وبات أمراً واقعاً.. ولم يرفض التيار (المتحفظ) على الترشيح رؤية الأغلبية التي عبر عنها مجلس الشورى، وبعد ترشيح “البشير” من حزب المؤتمر الوطني لم تصدر ردود أفعال من قوى المعارضة التي ينتظر أن تنافس في الانتخابات القادمة باستثناء الحديث عن نصوص الدستور التي ينتظر تعديلها بالتوافق السياسي في البرلمان.. وينتظر أن يحظى “البشير” بدعم من حزب المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي بجناحيه ومؤتمر البجة.. والحركات المسلحة والأحزاب المنشطرة من (أصولها) التاريخية.. وبذلك يجد “البشير” نفسه مرشحاً من طيف سياسي عريض وقوى اجتماعية متعددة تقتضي أصول الوفاء والتقدير ورد الجميل أن يعيد الرئيس حملها في سفينته لدورة قادمة تنتهي في 2025م.. ولكن قيادة المؤتمر الوطني التي أنجزت الشق الأول من تدابير وإجراءات انتخابات عام 2020 تنتظرها مهمة عصية وشاقة أكثر من ما أنجزته حتى الآن، فالانتخابات القادمة وأي انتخابات وقودها الناخبون وحرارة التنافس.. وفي الانتخابات الماضية سجلت الأرقام تدنياً مريعاً في الإقبال على صناديق الاقتراع خاصة في ولاية مثل الخرطوم، بينما شهدت ولايات أخرى تنافساً حاداً في الدوائر الجغرافية للمجلس الوطني والمجالس التشريعية، ولم يجد الرئيس “البشير” منافسة حقيقية لضعف المنافسين، وقد اتخذت الانتخابات (كملهاة) وفرصة للترويج للأشخاص اجتماعياً لأغراض كسب الشهرة فقط.. شخصيات مثل د.”كامل إدريس” و”منير شيخ الدين” الذي بعد الانتخابات حصل على منصب معتمد في ولاية مأزومة (جنوب كردفان) دون أعباء أو صلاحيات.. بينما عاد “كامل إدريس” إلى جنيف حيث يقيم هناك.. وفاز “البشير” بمنصب الرئيس دون مشقة وعناء.. ولكن في الانتخابات القادمة الأمر يختلف كثيراً من حيث إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع.. وذلك بسبب تناسل الأزمات الاقتصادية وتدهور أوضاع المواطنين المعيشية وحالة الزهد واليأس والإحباط التي تسيطر على الشارع من وجود منافس حقيقي للمؤتمر الوطني في الساحة، وحتى الآن لم يعلن حزب سياسي له ثقل جماهيري رغبة واستعداداً لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، ما يفتح الباب لترشيح شخصيات اجتماعية ورياضية مثل السلطان “كيجاب” و”منير شيخ الدين” و”كامل إدريس”.. وحتى قوى اليسار العريض تبدو زاهدة في خوض الانتخابات باستثناء الشيوعي السابق “عادل عبد العاطي” المقيم خارج البلاد، الذي يقود الجناح المناوئ للسيدة “ميادة سوار الدهب” في الحزب الليبرالي السوداني، و”عادل عبد العاطي” ربما يجد تعاطفاً ودعماً معنوياً من بعض المنشقين اليساريين ومن رفيق دربه في جامعة القاهرة “ياسر عرمان” الذي (طرده) “الحلو” من الحركة الشعبية.. وحتى حزب المؤتمر السوداني الذي يمثل واجهة المعارضة الأكثر جدية والتزاماً بقضايا الجماهير، لم يقدم حتى اللحظة قيادة للمنافسة في الانتخابات القادمة.. وبالطبع المؤتمر الوطني لا يستطيع خوض غمار هذا المعترك بغير رئيس الحزب السابق “إبراهيم الشيخ” الذي نافس من قبل في دائرة النهود بغرب كردفان وكاد أن يسقط “سالم الصافي حجير” في رمال ود بندة وصقع الجمل لولا التحيزات القبلية لأبناء حمر وترجيح كفة ابنهم “سالم” والمهمة الصعبة التي تنتظر الثنائي “فيصل حسن إبراهيم” و”حامد ممتاز”، قيادة حزب المؤتمر الوطني التي أنجزت مطلوبات المرحلة السابقة، هي كيف لقيادة الوطني إقناع الجماهير بالمشاركة في الانتخابات وتقديم مغريات تلهب حماس الناس وتجعلهم يقبلون على الانتخابات حتى يحصل الرئيس “البشير” على الأقل على نسبة لا تقل عن (45%) من جملة أصوات المسجلين.
ويخطئ المؤتمر الوطني الحساب وهو يقول إن الانتخابات القادمة يستخدم فيها الرقم الوطني فقط، ونصف المواطنين السودانيين لا يحملون أوراقاً ثبوتية.. ولا يرغب بعضهم في الوقوف ساعات أمام موظفي وزارة الداخلية لاستخراج الرقم الوطني.. وكل الأرياف والقرى البعيدة لم تصلها بعد فرق وموظفو السجل المدني.. وفي ذات الوقت تعدّ انتخابات الولاة من المواطنين (مباشرة) محفزاً للأهالي للمشاركة في الانتخابات، ولكن الاتجاه الذي تقوده بعض النخب في المؤتمر الوطني يجعل انتخابات الولاة شأناً (فوقياً) من خلال اختيار المجالس التشريعية لضمان سلاسة الاختيار وتجنب الصراعات المفضية للنزاع وبروز التنافس القبلي.. من شأن هذه المحاذير إضعاف الانتخابات القادمة وقتلها، وصرف الناس عنها إذا ما شعر الناخب أن ما يجري تحصيل حاصل.. وأن خروجه إلى مراكز الانتخابات مضيعة للوقت!! فالانتخابات وقودها الجماهير والتنافس الحقيقي.. وحلاوة الفوز في صعوبة تحقيق الأهداف ووجود منافسين حقيقيين.
في كرة القدم، شعر المتابعون في المباراة النهائية بروسيا قبل شهرين من الآن بالندم والحسرة على خروج المنتخبات الكبيرة ألمانيا والبرازيل والأرجنتين وإيطاليا من سباق التنافس والانسحاب من الساحة وترك فرنسا تلاعب كرواتيا في المباراة النهائية التي لم يتعب معها الفرنسيون في نيل الكأس لضعف المنافس.. فالرئيس “البشير” إذا لم ينازله من القيادات إلا “عادل عبد العاطي” لن يتكبد حتى “عبد الله البشير” و”حاتم حسن بخيت” مشقة الرهق والتصويت في نادي كوبر للرئيس.
{ هذا الرجل لا يستحي
من أشهر المقالات التي كتبها الصحافي “أحمد علي بقادي” في ستينيات القرن الماضي بصحيفة (الميدان) الناطقة باسم الحزب الشيوعي، وكان “بقادي” حينها ناشطاً في الحزب والصحيفة، مقالة تحت عنوان (هذه حكومة لا تستحي) في نقد تجربة “عبد الله خليل”، وقد رفع من حدة التصعيد مع مصر بشأن حلايب.. حتى أعلن الرئيس “عبد الناصر” موقفه الجهير بأن السودان له الحق في أي أرض دعك من حلايب السودانية.. ونستعير من الصحافي الأستاذ “أحمد علي بقادي” ذلك العنوان لنسقطه على واقع الاقتصاد اليوم، وقد تحدث محافظ البنك المركزي بالإنابة “مساعد محمد أحمد” حديثاً مثيراً لصحيفة (الرأي العام) الأسبوع الماضي.. و”مساعد محمد أحمد” المرشح الأول لمنصب محافظ البنك المركزي، وهو منصب كبير ومهم وخطير وله أثره البالغ في تطبيق السياسات الاقتصادية.. والرجل الآن في مرحلة ما بين التكليف بالمنصب الكبير أو الإبقاء عليه كنائب.. وقد تحدث حديث المنكرين لمشاكل السيولة التي تعيشها البلاد الآن ومنذ مدة ليست بالقصيرة.. وقدم الرجل دفوعات بائسة لتجميل واقع يعيشه المواطنون يومياً.. يقول “مساعد محمد أحمد” إن المصارف في أفضل حالاتها، ولم يفقد المواطنون ثقتهم فيها مطلقاً، وتحدث طويلاً عن واقع لا يمكن إنكاره إلا من قبل بعض المسؤولين الذين لا يشعرون بوطأة أزمة السيولة الحالية.. وحتى لا نذهب بعيداً في ضرب الأمثلة لمحافظ البنك المركزي، نضع بين يديه مثالاً واحداً لظلم الدولة للفئات الضعيفة والشرائح الفقيرة وتدخلها الضار بهذه الفئات.. منذ سنوات ظل رجل الأعمال الخيري والإنساني مدير عام شركة (كوفتي) للشاي يتكفل بنفقات تعليم أطفال أيتام وأمهات أرامل عبر كفالة شخصية يقوم بتوزيعها في شهر رمضان وفي عيد الأضحى المبارك.. السلطات الحكومية تدخلت في شأن خاص وطلبت منه تحويل المبالغ التي يقدمها للفقراء لتصرف من خلال حسابات خاصة بهؤلاء الفقراء تساهم الحكومة في تسهيل إجراءات فتح الحسابات واستخراج بطاقات صرافات آلية، وأوفت الشركة بإيداع الأموال في حسابات الفقراء والمساكين.. ولكن منذ ما قبل العيد ظلت مئات الأسر الفقيرة، نساء بائسات ورجال قهرهم الفقر ينتظرون صرافة بنك النيلين الرئاسة لتجود لهم بأموالهم التي تصدق بها رجل البر والإحسان.. هؤلاء يلعنون الحكومة كل عشية وضحاها.. ودعوات المساكين والفقراء المظلومين لن تسقط، وكل العثرات التي تعاني منها الحكومة ونزع البركة من أموالها وتكالب الظالمين عليها، بسبب ظلمها للرعية وحرمان أرباب المعاشات من حقوقهم.. والآن يذهب المواطنون إلى المصارف وتصدهم عن حقوقهم بحجة عدم وجود سيولة.. وبعض المصارف حددت سقفاً (2) ألف جنيه فقط في اليوم.. فكيف سيدي “المساعد” تجمّل واقعاً بائساً.. وتمارس الإنكار في وضح النهار وتقول إن الإيداع مستمر بل تضاعف؟؟ إذا كان الإيداع فعلاً تضاعف، فلماذا تقترون على الرعية.. وتمارس المصارف كل هذا (التعنت) وخرق القانون.. والإخلال بالعلاقة التعاقدية بين الزبون والمصرف؟؟
إن الأوضاع الاقتصادية الحالية هي تراكم لأخطاء سنوات مضت، من الظلم تحميلها للطاقم الذي يدير الاقتصاد حالياً، فالديون تكبل حركة الحكومة.. وقد بلغت الديون الواجبة السداد لاعتمادات لم تدفع للقمح وحده (718) مليون دولار أمريكي (أكلها) الشعب السوداني ودفع البنك المركزي دعومات كبيرة لمزارعي القمح في كندا وفي أستراليا، وبلغت جملة الديون المتعثر دفعها نحو (10) مليارات دولار أمريكي.. نسأل السيد محافظ البنك: هل البنوك العالمية توقفت عن التعامل مع البنوك السودانية إلا مع مصرفين فقط هما بنك الخرطوم وبنك فيصل الإسلامي بسبب الحصار؟؟ أم بسبب تعثر سداد الديون لالتزاماتها؟؟ وهل صحيح أن المطلوب من بنك السودان الآن سداد (900) مليون دولار لبنك صادرات الصين كضمانات قدمها البنك المركزي لمشروعات صغيرة؟؟ بل نسأل السيد المحافظ أين ذهبت أموال بنك التجارة الـ(كوميسا) البالغة مليار دولار أمريكي وبنك السودان هو ضامن التجار والشركات التي تلاعبت في الأموال؟
واقع الاقتصاد اليوم يحتاج إلى معالجات جريئة، وليس فقط إنكار حقائق الواقع كما ذهب إلى ذلك السيد “مساعد” في حديثه لصحيفة (الرأي العام).
{ تعيين “كرار” وغسل الأحزان
أدى الشاب “أحمد محمد عثمان حامد كرار” القسم (الأربعاء) الماضي وزيراً للرعاية الاجتماعية في حكومة الوفاق الوطني ممثلاً للحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة مولانا “محمد عثمان الميرغني”، وأثار أداء قسم الشاب الاتحادي جدلاً في الساحة السياسية، وتعرض الوزير الشاب لقصف مدفعي كثيف من قبل المعارضة ومن أشياعها وحتى من بعض المنسوبين للحكومة، باعتبار أن الشاب الخلوق قد عفا وصفح وتجاوز جراحاته الشخصية بمقتل والده اللواء “محمد عثمان حامد كرار” ضمن ثمانية وعشرين ضابطاً قادوا محاولة انقلابية بتدبير من حزب البعث العربي الاشتراكي، وتم إحباط المحاولة التي كادت أن تبلغ مقاصدها في الاستيلاء على السلطة، ودفع الضباط الثمانية والعشرون ثمن مغامرتهم بإعدامهم جميعاً في ظروف تاريخية وتقديرات في ذلك الوقت، ووجد الضباط المعدومون تعاطفاً من قطاعات عريضة من الشعب واختلف حول إعدامهم حتى الإسلاميون الحاكمون حينذاك وحتى اليوم.. وبعد أكثر من ربع قرن جرت مياه تحت جسور القوى السياسية وتصافح أعداء الأمس وجلس “جون قرنق” و”سلفاكير” في القصر.. وصفح الرئيس “عمر البشير” عن الذين قتلوا حتى شقيقه دع عنك دفعته وأصدقاءه وجنوده.. ورفاق دربه.. ولكن “أحمد كرار” الذي انتمى للحزب الاتحادي الديمقراطي أثبت أصالة معدنه وأنه كبير في رؤيته.. متسامح في منهجه.. صافح الرئيس “البشير” بشجاعة ووطنية.. وأقبل على تحمل المسؤولية كوزير في الحكومة التي قاتلها والده ومات في سبيل مبادئه.. ولكن الحياة مضت به وبدونه ودار الزمان دورته.. وتبدلت أشياء وجفّت الدموع وغسل الحوار ما في القلوب من أحزان، وصدق قول الشاعر:
إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها
تذكّرت القربى وفاضت دموعها
الوزير “أحمد كرار” يكتب اليوم تاريخاً لشخصه ولوالده ولأهله البشاريين في شرق السودان وللحزب الاتحادي الديمقراطي حزب الوسطية سلوكاً ومنهجاً.. وحزب التجار والسودانيين الذين تفيض مشاعرهم تسامحاً وتغسل دواخلهم من الأحزان.. وقد أثبت الحزب الاتحادي عمق نظرته.. وأثبت الرئيس “البشير” حلمه وتساميه فوق الصغائر.. واستعداده الفطري للتصافي والتسامح، وأنه في سبيل نجاح الحوار وجمع كلمة أهل السودان مستعد لأي شيء.. ودفع أي ثمن.. وقد عبر الشاب “أحمد كرار” أحزانه.. وكفكف دموعه.. وكتب تاريخاً جديداً للسودانيين.
حديث السبت -يوسف عبد المنان
صحيفة المجهر السياسي.