يعاني العالم كله من أزمات مستفحلة في المياه ، والسودان بعض من هذا الكون ، يشح فيه الماء كل شهور الصيف والشتاء في مناطق واسعة من أرجائه .. شمالاً وغرباً .. وبالتأكيد شرقاً .. حيث العطش مقيم ومستقر في كل مدن وفرقان البحر الأحمر وفي نواحي كسلا والقضارف .
ورغم ذلك ، عجزنا – دولة ومجتمعاً – عن الإفادة من (عشرات ملايين) الأمتار المكعبة من المياه ، التي تهبط على بلادنا في غالب ولاياتها كل موسم خريف وفيضان !!
اليوم .. كل المدن والقرى الراقدة على النيل مهددة بفيضان النيل بسبب سقوط كميات هائلة من الأمطار على سفح الهضبة الإثيوبية، وامتداداً إلى ولايتي النيل الأزرق وسنار .
وحذرت وزارة الموارد المائية والكهرباء المواطنين والجهات المختصة في الدولة من مخاطر زيادة مناسيب النيل خلال اليومين الماضيين بمستويات تجاوزت منسوب الفيضان خلال السنوات الماضية .
وقبل الفيضان .. غرقت الخرطوم وولايات عديدة في مياه الأمطار التي ظلت راكدة في الميادين والشوارع وباحات المدارس ، والجامعات والمستشفيات ، وظلت المياه حتى يومنا هذا تحاصر الكثير من الأحياء السكنية بدون تصريف .
ينتهي فصل الخريف وموسم الفيضان، وتتحول المياه إلى برك آسنة ومتقطعة ، وتصبح تجمعات لتوالد الذباب والبعوض والحشرات الضارة ، وتتبخر ملايين الأمتار المكعبة من النيل والمجاري دون أن تفلح الدولة في تخزينها وتنقيتها لتصبح صالحة للشرب ، أو تحويل مساراتها من النيل ومجاري السيول إلى أودية تخضر .. ومشاريع زراعية تنتج محاصيل متنوعة ذات عائد اقتصادي كبير .
تغادرنا مياه الفيضان خلال أيام ، بعد أن تهدم بيوتاً وتغرق مزارعَ وتزهق أرواحاً ، ويمضي الخريف تاركاً لنا آثاراً بيئية وصحية نشقى في معالجتها بقية العام ، بينما المستفيدون من هذا الخير العميم قلة من المزارعين لا تتناسب مساحاتهم المزروعة مع كم المياه الهائل .. المهدر كل عام .
رأيت قبل يومين الأراضي الممتدة على طول طريق الخرطوم – مدني ، إما مغمورة بالمطر أو خضراء يانعة .. خضار بلا ثمر .. بلا محاصيل .. فلا ذرة مزروعة .. ولا طماطم ولا بطيخ !! ومثلها أراضي بملايين الأفدنة في شمال كردفان ، جنوب دارفور ، القضارف ، سنار ، النيل الأزرق والنيل الأبيض .
أين السيد وزير الزراعة ووزير الدولة، وأين السادة الولاة المبجلون المحترمون ، ليحيلوا كل هذه المساحات الشاسعة إلى مشاريع منتجة .. تماماً كما رأينا كيف يفعل (الإنجليز) و(الاسكتلنديون) و(الهولنديون) بمياه المطر .. وعداً و قمحاً وتمن !!
متى نفلح في تحويل مياه الخريف والفيضان إلى ترع تشق الصحارى ، وخزانات ضخمة تروي ظمأ العطشى بقية شهور العام ؟
ولأنهم لن يفعلوا شيئاً لا العام القادم ولا الذي يليه ، فالأفضل أن تدعو الدولة شركات (بريطانية) و(هولندية) وتطرح عليها عطاءات لمشروعات استثمار مياه الأمطار .
صحيفة المجهر السياسي