على أعتاب تخطي المرحلة الأولى السودان.. الطريق النووي

تختتم اليوم الخميس بالخرطوم المباحثات بين السودان والوكالة الدولية للطاقة الذرية للوقوف على ترتيبات إنشاء أول محطة نووية في السودان عبر مناقشة تقرير المراجعة المتكاملة للبنية التحتية للبرنامج النووي السوداني وفق 19 معيار للوكالة الدولية، ومن المتوقع أن يصدر التقرير النهائي للوكالة بعد 45 يوماً، ليتم بعدها الدخول للمرحلة الثانية عبر بحث مسألة التعاقدات في العام 2019، وصولاً لتنفيذ المحطة المحطة النووية الرئيسية ودخولها للإنتاج بحلول 2029.

رحلة النووي

السودان كشف في العام 2012م للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن عزمه استخدام تقنية الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، ضمن خطة طويلة الأمد أعدتها هيئة الكهرباء حتى 2030 وتهدف لتوفير 23 ألف ميقاواط من مصادر الطاقة المتاحة (المياه والغاز والفحم)، والطاقة النظيفة، بالإضافة لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، لتغطية الطلب المتزايد على الكهرباء، ويبلغ معدل الزيادة على طلب الكهرباء في السودان 14% سنوياً، ويصل الإنتاج السنوي إلى 3 آلاف ميغاواط.
يقول مدير الإدارة العامة للتوليد النووي ناصر أحمد المصطفى “نخطط في العام 2031 لإنتاج 8500 ميغاواط، ونتوقع أن تكون مساهمة النووي في حدود 1200 ميغاواط عبر محطتين نوويتين إحداهما ثابتة وأخرى عائمة.
ويخطط السودان في مجال التوليد النووي عبر مسارين أولهما محطة عائمة في البحر الأحمر تنتج من 70-80 ميغاواط، ويمكن للمحطة العائمة أن تدخل الإنتاج بعد حوالي خمس سنوات.

المسار الآخر يتعلق بتنفيذ محطة كبيرة بمفاعلين نووين تنتج 1200 ميغاواط – 600 ميغاواط على التوالي- وهذا هو الحد الأدنى للمحطة ويتم تنفيذه على مرحلتين فبعد الانتهاء من المفاعل الأول يدخل إنتاج المفاعل الثاني بعد عام، ويستغرق العمل في هذه المحطة نحو 10 سنوات.

روسيا والصين

بدأ السودان منذ 6 أعوام العمل على الاستفادة من الطاقة النووية في الاستخدامات السلمية، واتفق بداية العام الماضي مع شركة «روس أتوم»، وهي مؤسسة تابعة للحكومة الروسية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، على التعاون في هذا المجال، قبل أن يقوم السودان بتعزيز تعاونه مع روسيا عبر اتفاق آخر وقع في زيارة الرئيس عمر البشير الأخيرة لسوتشي.

في ذات السياق وفي العام 2016 أعلنت الصين نيتها الاستثمار في مجال الطاقة في السودان خاصة الطاقة المتجددة، مؤكدة استمرار التعاون مع السودان في مجال الطاقة وتطويرها مستقبلاً لمجابهة التحديات التي يواجهها عبر إمكانية التعاون مع السودان في تطوير كافة المشاريع المتعلقة بالطاقة، ومن بينها السدود والطاقة الشمسية.
يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية بجامعة يوب-كاي هيان في شنغهاي شي يان: “يمكن للصين أن تقدم كل الدعم التكنولوجي والمالي لتطوير مشاريع الطاقة النووية للدول الصديقة”. ويضيف “يان” أن السودان تقدم في العام 2016 بعرض للوكالة الدولية للطاقة الذرية الصينية لبناء أول مفاعل نووي بحلول العام 2021 على أن يبدأ التشغيل وإنتاج الطاقة بحلول عام 2027م، وستساعده الطاقة النووية على تلبية الاحتياجات المتنامية للطاقة المتوقع أن تصل إلى 8500 ميقاواط بحلول العام 2031م.
لم تكشف الحكومة السودانية أو الشركة الصينية عن قيمة العقد أو نوع من التكنولوجيا النووية لاستخدامها في المفاعل، ولكن خبراء يرجحون أن يكون الاتفاق متعلق بتصميم مفاعل (هو الونغ 1)، وهو نوع من تكنولوجيا الجيل الثالث للمفاعل.

وتوقع كبير المهندسين في مركز حماية البيئة والسلامة من الإشعاعات تشاي هوهان أن يكون المفاعل الذي سيتم بناؤه في السودان من طراز “هوالونغ 1″، وأضاف تشاي: “إن الصين تتطلع إلى تعميم هذه التكنولوجيا النووية في الداخل والخارج”.
ويبدو التمويل أبرز التحديات، إلا أن هناك عدة صيغ للتمويل، يمكن أن تكون بنظام (البوت) لتنتقل الملكية بعد 20 عاماً، وقد يكون الأمر مجرد بيع للإنتاج الكهربائي، ولكل نظام مزاياه، ففي نظام (البوت) سيكون هناك نقل للخبرة العملية عبر المشاركة في التشغيل، أما في البيع فسيتولى الروس التشغيل بصورة رئيسية بإسناد سوداني.
السودان قطع شوطا بعيدا في مرحلة التعاقدات ودراسات الجدوى التي تستغرق نحو أربع سنوات لإعداد التعاقدات عبر توقيع اتفاقات الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع روسيا والصين المرشحين الأبرز حتى الآن لتنفيذ المشروع.

تحديات ومخاوف

ولا تتوقف التحديات عند التمويل فقط بل يحذر مراقبون من اللجوء لخيار الطاقة النووية، ويدعون في ذات الوقت للاتجاه للمائية والرياح والشمسية بدلاً عن المخاطر والتكلفة التي سيواجهها في حال شروعه في بناء المفاعل، لا سيما أن دول العالم الأول باتت تتجه لإلغاء الطاقة النووية بعد التسريبات الإشعاعية التي حدثت في اليابان في الأعوام الأخيرة.
ويقول الباحث في المعهد الدولي للسياسات في نيويورك يوسف يحيى إن إنشاء محطة نووية في السودان يواجه العديد من التحديات بالنظر للاقتصاد العالمي كما أن اعتماد برنامج للطاقة النووية للأغراض السلمية قد لا يجد ترحيباً من المجتمع الدولي، ويضيف: “بات استخدام الطاقة النووية غير مرحب به عالمياً واتجه العالم نحو الطاقة النظيفة كالشمس والرياح”.
غير أن مدير الإدارة العامة للتوليد النووي ناصر أحمد المصطفى يرى أن حوادث المفاعلات النووية قليلة جداً، مضيفاً: “في وسط 500 محطة نووية هناك أربعة حوادث وهذا رقم لا يذكر”.
ويشير المصطفى إلى أن العالم يتوسع في استخدامات الطاقة النووية حيث هناك نحو 500 محطة نووية قيد الإنشاء حول العالم.

عجز الطاقة

في مقابل ذلك يبدو أن السودان لا يمتلك الكثير من الخيارات لسد العجز المتنامي في مجال الطاقة سوى باللجوء لاستخدام الطاقة النووية، حيث أن التوليد عبر بناء السدود لن يكون كافياً كما أن انفصال الجنوب جعل النفط غير متوفر بالنسبة للسودان كما كان في السابق، وهنا تجب الإشارة إلى أن السودان وقع منذ العام 2014م على اتفاقية الاستخدام السلمي للطاقة النووية الأمر الذي جعل الطريق نظرياً سالكاً لبناء المفاعل النووي.

وتزود الطاقة النووية حالياً دول العالم بأكثر من (16%) من الطاقة الكهربائية وتمد (35%) من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي من الطاقة الكهربائية. وحسب خبراء فإن كمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة في الطاقة الكهربائية أقل من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية فـ(طن واحد) من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من حجم ملايين البراميل في البترول أو ملايين الأطنان من الفحم.. كما أن العملية لا يتم فيها إطلاق أي غازات ضارة في الهواء كثاني أكسيد الكربون أو أكسيد النتروجين، وبالإضافة إلى أن مصدر الوقود النووي اليورانيوم متوفر وسهل الحصول عليه ونقله، كما تشير التقديرات إلى أن السودان يتمتع باحتياطيات كبيرة منه مما جعل الحكومة تفتح مؤخراً باب الاستثمار فيه.

تقرير: محمد عبد العزيز
صحيفة السوداني.

Exit mobile version