* كان هذا هو عنوان غلاف مجلة (النيوزويك) فى فبراير 1953، وبالتحديد فى عدد يوم الإثنين 23 فبراير، 1953، ومع العنوان صورة لجندى سودانى بالزى القديم (القميص والشورت ) وهو ينفخ فى البروجى ــ الطرمبة ( تجدونها على موقعى بالفيس بوك)، وبداخل العدد صور أخرى منها صورة طالبات سودانيات فى غاية الأناقة والجمال بدون مساحيق (وفسخ) وهن يرتدين الثوب الأبيض الجميل (تجدونها أيضا على موقعى نقلا عن موقع الزميل الدكتور عزالدين ميرغنى الطبيب السودانى بالسعودية، فله الشكر والاعتذار لعدم أخذ الإذن بالنقل واعادة النشر، ولا أظنه يمانع)، أرجو من الإخوة بالصحيفة إعادة نشرها مع هذا المقال حتى تسهل المقارنة بين حالنا أيام الاستعمار، وحالنا الآن !!
* لم أعثر، للأسف، فى أرشيف المجلة على كل التحقيق المصور الذى أجرته عن السودان تحت عنوان (السودان: نقطة مضيئة فى قارة مظلمة) ــ (Bright Spot in a Dark Continent ) ــ ما عدا بضعة نقاط منه تتلخص فى الرقى والتحضر والثقافة العالية للشعب السودانى، والحالة المعيشية المرتفعة للسكان رغم بساطة الحياة، والمعدلات العالية للنمو لدولة تسير بخطوات كبيرة فى طريق التطور .. وتبز غيرها من الدول الأفريقية وتبرز كنقطة مضيئة وسط محيط مظلم .. كان ذلك هو السودان، ومن المؤسف أنه لم يعد لدينا ما نفعله غير إجترار الذكريات الجميلة، أو البكاء وسكب الدموع من الوضع المظلم الذى نعيشه الآن !!
* استمعت قبل يومين لفيديو قديم متداول هذه الأيام لـ( الزبير أحمد حسن) الأمين العام للحركة الإسلامية ووزير المالية السابق يتحدث عن الحالة المعيشية للمواطن السودانى وينفى عنه صفة الفقر بإعتبار أنه يملك التلفزيون والتلاجة وموقد الغاز، واستغربت أن يقيس وزير مالية وخريج اقتصاد الفقر بالتلاجة وانبوبة الغاز والتلفزيون، مع أن أى طالب اقتصاد يعرف أن الفقر يقاس بدخل الفرد وقدرته على مواجهة التحديات الحياتية، أو “الحال التى يُعاني فيها الإنسان من الحرمان وانعدام الكفاية، ويقصر عن إشباع حاجاته وتلبية رغباته وتحقيق ذاته، ويخفق جزئياً أو كلياً في مواجهة التحدّيات أو دفع المخاطر والتهديدات إزاء متطلبات نفسه واسرته”، وهو ما يعانى منه إنسان السودان حاليا إلا قلة قليلة، بينما كان حاله فى السابق عكس ذلك تماما، رغم عدم وجود التلاجة والتلفزيون والغاز والعربة!!
* لقد ظللنا منذ ولادتنا ــ ولادة السودان المستقل، وولادة كل واحد منا بشكل شخصى، فى حالة صراع مع الحكومات الدكتاتورية، لم نهدأ لحظة واحدة ولم نتفرغ حتى للتفكير فى تنمية أنفسنا ومجتمعاتنا والوطن العزيز الذى إستلمناه من الاستعمار (نقطة مضيئة فى قارة مظلمة)، لديه أكبر مشروع زراعى فى العالم يعمل به مليونا عامل ما بين مستديم وموسمى، واطول خطوط السكك الحديدية فى أفريقيا، وهما عاملان كانا يكفيان وحدهما للصعود الى قمة الجبل لو تفرغنا بعض الشئ للتنمية والتطور .. ولكن ماذا نفعل مع هواة الانقلابات ومن يقف وراءهم، الذين شغلونا وآذونا وضيعونا وضيعوا بلادنا وسرقوها.. !!
* إثنان وخمسون عاما كاملة من ستة وخمسين عاما بعد خروج الإنجليز ( ولا أقول الاستقلال) ظللنا فيها مستعمرين من أبناء جلدتنا، شغلونا فيها بالصراع من أجل أبسط مبادئ الحياة الكريمة .. الحرية والكرامة ولقمة الخبز، ومنعونا من الانشغال بتنمية النفس والوطن، وحولونا الى بقعة مظلمة حالكة الظلام، بينما كنا قبل سنوات طويلة بقعة الضوء التى ينجذب إليها الآخرون ويتحدثون عنها بإعجاب شديد !!
* تخيلوا أن (النيوزويك) أجرت تحقيقا مصورا عن السودان هذه الأيام، فماذا سيكون عنوان الغلاف؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة