في الوقت الذي يجمع فيه كافة أطباء الدولة وخبراء التغذية على أن كل مقومات الوقاية من بعض الأمراض المنتشرة في الدولة، مثل الشمس الساطعة والأسماك الطازجة متوافرة كثيراً، إلا أن نقص قيتامين «د» ينتشر في الدولة كانتشار النار في الهشيم إذ تقدر نسبة الإصابة به 82%، وبات يصيب جميع الأعمار بلا استثناء مسبباً مضاعفات لكافة أعضاء الجسم من دون ملاحظة الشخص، لدرجة أن كثيراً من الأشخاص يكتشفون أن نسبة فيتامين د لديهم قد تصل إلى 3 أو 4 نانو ومنهم أقل علماً أن الحد الأدنى يجب ألا يقل عن 30 نانو، والأسباب هي عدم التعرض لأشعة الشمس، رغم أن الإمارات من الدول التي لا تغيب عنها الشمس إضافة لابتعاد الناس عن أكل الأسماك رغم أنها تزين كل أطباق الإماراتيين يومياً.
ويجمع الأطباء على أن نقص فيتامين «د» في الجسم يعد من الأمراض الصامتة التي لا يشعر بها الشخص من بداية ظهورها ولكن مع وصولها إلى مرحلة أقل من 30 نانو تبدأ تظهر بعض الأعراض مثل الخمول والكسل والآلام في العظام تتحول بعدها إلى هشاشة عظام تعرض الشخص لمجرد وقعة بسيطة إلى كسور قد تحتاج لوقت طويل كي تجبر.
وباء
الدكتور علي السيد مدير إدارة الخدمات الصيدلانية في هيئة الصحة بدبي أكد أن مشكلة نقص فيامين «د» وصلت إلى مرحلة الوباء، الذي يصيب الكبار والصغار الذكور والإناث من مختلف المراحل العمرية، لافتاً إلى أن استهلاك صحة دبي وحدها من فيتامين «د» يزيد على أكثر من 1.5 مليون حبة سنوياً، وسط توقعات أن يزيد استهلاك الدولة على 7 ملايين حبة سنوياً ناهيك عن العلاجات الأخرى مثل الإبر للأشخاص الذين تقل نسبة الفيتامين لديهم عن 10 نانو.
ويؤكد الدكتور علي أن الآباء والأجداد لم يكن لديهم مشكلة في نقص فيتامين «د»، ولم يكن معروفاً في السابق لأن حياتهم كلها كانت تقوم على الطبيعة، ولكن مع تغير أنماط الحياة واعتماد الناس على السيارات حتى في أقرب المركبات، بدأت مشكلة نقص فيتامين «د» تظهر حتى بين الشباب والمراهقين، وبات يصرف للمواليد الجدد والرضع.
جرعات
وحول كيفية أخذ الفيتامين يقول تختلف من مريض لآخر حسب نسبة فيتامين «د» في الجسم يعطى المريض في البداية أقراص أو كبسولات فيها 50 ألف وحدة دولية كل أسبوع لمدة 8 أسابيع وبعدها 5 آلاف وحدة دولية يوماً بعد يوم لمدة شهرين، ومن ثم فحص فيتامين «د» إذا كان أقل من 30 نانوغرام تكرر الجرعة لمدة 8 أسابيع، ومن ثم يعطى علاج وقائي 800-1000 وحدة دولية أو 50 ألف وحدة كل شهر، أو التعرض الكافي للشمس 30 دقيقة واليدين والأرجل مكشوفة مرتين في الأسبوع بعد الشروق بساعتين وقبل الظهيرة، وكذلك العصر قبل الغروب بساعتين.
هشاشة العظام
الدكتور تامر فاروق أخصائي أمراض العظام في مستشفى راشد أكد أن نقص فيتامين «د» لسنوات طويلة يتحول إلى هشاشة عظام، ويصبح معها الشخص عرضة للكسور مجرد تعرضه لأي ضربة أو وقعة حتى لو كانت بسيطة لأن نقص الفيتامين يعد من الأسباب الرئيسية لهشاشة العظام.
وأضاف إن نقص فيتامين «د» يترك مضاعفات وأعراضاً على الكبار والصغار وحتى حديثي الولادة، لأنه مسؤول عن امتصاص الكالسيوم من الأمعاء إلى الجسم وبالتالي فإن نقص هذا الفيتامين يسبب نقص عنصر الكالسيوم في العظام ويتسبب في كثير من الأعراض والأمراض عند الأطفال منها تقوس الأرجل وتأخر التسنين كما تكون الأسنان عرضة للتسوس المبكر، كما يسبب لدى الكبار مرض لين العظام. ويكثر مرض لين العظام لدى النساء والحوامل والمرضعات.
وأوضح أن زيادة فيتامين «د» في الجسم تؤدي إلى تراكمه في الدم ويسبب زيادة مفرطة في الكالسيوم وتصلباً بل تكلس الشرايين وضعفاً في العضلات وشعوراً بالتعب، وقال إن مرض هشاشة العظام يعد من الأمراض الصامتة الأكثر شيوعاً في العالم، ويتسبب في ضعف العظام تدريجياً حتى يسهل كسرها بأبسط المسببات المعروفة مثل: السقوط وقد يصل الأمر إلى مجرد الانحناء أو السعال عند البعض، كما تكمن خطورته في أنه ليس له أعراض واضحة، يصيب مرض هشاشة العظام الرجال والنساء على حد سواء، وأضاف إن المرض يصيب النساء والرجال ولكن النساء في سن اليأس أكثر عرضة للإصابة به من الرجال، حيث إنّ نسبة النساء المصابات بهذا المرض من مجمل المصابين تصل إلى 80%.
وترجع هذه النسبة العالية لإصابات النساء به بعد انقطاع الطمث نتيجة اختلال النظام الهرموني، بحيث ينقص عندهن هرمون الاستروجين مما يمنع العظام عن بناء نفسها، وزيادة كتلتها، مما يؤدي إلى ترققها وبالتالي سهولة كسرها.
وأوضح أن الكثافة العظمية تصل عند الإنسان إلى ذروتها بين عمر 25 و30 وبعد ذلك يبدأ يخسر ما مقداره أربعة بالألف من قوة عظامه كل سنة، ولكنّ السيدة بعد انقطاع الطمث فإن فقدانها للكتلة العظمية يكون أكبر بكثير عن الرجل حيث تصل نسبة الفقدان عندها إلى ثلاثة في المئة كل سنة، ومعظم النساء لا يتمتعن في سن اليأس بحياة صحية تسمح لهن بتعويض ما فقدنه من الكثافة العظمية.
تمر العظام بمرحلة هدم ومرحلة بناء طوال حياتها، أي أن العظام التالفة أو القديمة يتم بناؤها من جديد والتخلص من القديم، حتى سن الثلاثين من عمر الشخص تكون مرحلة البناء أكثر نشاطاً من مرحلة الهدم، ما يؤدي إلى زيادة كثافة العظام وطولها، وبعد هذه السن تنعكس الآلية، فتكون مرحلة الهدم أكثر نشاطاً من مرحلة البناء، فتبدأ العظام بخسارة كثافتها بشكل تدريجي وبنسبة ثابتة في الحالة الطبيعية، ولكن في الحالة المرضية يكون فقدان الكثافة العظمية أسرع وغير ثابت، بل مضطرباً أيضاً، ما يؤدي في النهاية إلى الوصول لمرض هشاشة العظام.
برنامج غذائي
وأوضح الدكتور تامر أن الأطباء ينصحون باتباع برنامج غذائي غني بالكالسيوم وفيتامين «د» حيث يعد الكالسيوم من أكثر المعادن المكونة للكثافة العظمية ويمكن الحصول عليها من الأجبان، والحليب، والألبان، والنباتات الخضراء والبقوليات. بينما فيتامين «د» يشارك في تمعدن العظام بواسطة دوره في تنظيم مستويات الكالسيوم والفسفور في الدم وترسيبه في العظام، ومصادره بعد أشعة الشمس هي زيت السمك والحليب وصفار البيض والخضار.
المواطنون يشكلون ثلاثة أرباع حالات «النقص الخطير»
تفيد وفاء عايش مدير إدارة التغذية السريرية في هيئة الصحة بدبي أن هناك عدة أسباب لنقص فيتامين «د» منها عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس، والتقدم في العمر ما يقلل من المادة الأساسية المكونة لفيتامين «د» في الجلد، وسوء امتصاص فيتامين «د» في الأمعاء الدقيقة بسبب وجود أمراض في الأمعاء.
وتشير إلى أن أبرز المشاكل المترتبة على نقص فيتامين «د» بالنسبة للأطفال تشمل تبعات نقص الفيتامين وتأخر نمو العظام والجسم، وتقوساً وتشوهات في الأرجل، وتأخراً في الجلوس والمشي وظهور الأسنان، أما بالنسبة للبالغين فتشمل كسور مفصل الورك، وتقول: 78% وأكثر من سكان الدولة لديهم نقص فيتامين «د»، موضحة أن هذا النقص هو نتيجة لقلة التعرض لأشعة الشمس في غالب الأحيان.
إن نسبة 81 بالمئة من المرضى يعانون من نقص فيتامين «د» بينهم نسبة 63 في المئة يعانون من النقص الخطير من فيتامين «د» وثلاثة أرباع هؤلاء من الإماراتيين. حسب إحصائيات مستشفى دبي.
وقد لاحظ الأطباء منذ 50 عاماً مضت أن القليل فقط من أطفال البلاد الاستوائية النامية يعانون من تشوهات في نمو العظام والأسنان تشابه في صفاتها تلك التشوهات الناتجة عن مرض الكساح بينما كثير من الأطفال الذين يعيشون في البلاد معتدلة المناخ أو البلاد الصناعية المتقدمة يعانون من هذه التشوهات في العظام والأسنان، فلماذا هذا الفرق بين بيئة وأخرى؟ الجواب أن السبب هو في فيتامين أشعة الشمس «د» ذلك لأن الأطفال في البلاد الاستوائية يتعرضون لأشعة الشمس طوال العام، ويحتوي الجلد على مادة تعرف باسم بروفيتامين «د» الذي يتحول إلى فيتامين «د» وعلى ذلك فإن هؤلاء الأطفال لا يعانون من نقص فيتامين «د» على الإطلاق طالما أن أشعة الشمس موجودة طوال العام وجلودهم تحتوي على هذه المواد التي تتحول إلى فيتامين «د» فلا أعراض لمرض الكساح لديهم، بينما نجد الأطفال في المناطق المعتدلة لا يتعرضون لأشعة الشمس إلا قليلاً وخاصة أثناء فصل الشتاء وبالتالي لا تستطيع جلودهم تكوين قدر كاف من فيتامين «د».
استراتيجية شاملة
أوضحت خبيرة التغذية وفاء عايش أن ارتفاع معدل انتشار نقص فيتامين «د» في المجتمع المحلي، ولا سيما عند النساء والأطفال، يحتم التشخيص المبكر قدر الإمكان كما يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة من خلال عمل حملات صحية عامة، لتثقيف الجمهور ومطالبة المنظمات الصحية والدوائية والغذائية بضرورة استخدام مكملات الفيتامين.
وتدعيم الأغذية بهذه المادة الهامة لمكافحة هذا النقص، وبالتالي لا بد للجهات الصحية من وضع استراتيجيات جديدة تكفل مكافحة هذا المرض عبر إضافة فيتامين «د» في المنتجات الغذائية المختلفة التي يمكن لكل الفئات العمرية استهلاكها في الحياة اليومية.
وتشدد على أن الإمارات تحتاج برنامجاً شبيهاً لبرنامج تدعيم الحليب في ثلاثينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، الذي أدى إلى القضاء على الكساح هناك، وكذلك قبل عقدين عندما كانت المملكة المتحدة تواجه نقص فيتامين «د» والكساح ونجحت في التغلب على هذه العواقب بواسطة الانتشار الواسع لمكملات فيتامين «د»، كما أن عدة بلدان أخرى تستهلك كمية كبيرة من هذا الفيتامين في المدخول الغذائي من خلال تدعيم الأغذية، المكملات الغذائية، أو الاستهلاك الكبير للأسماك.
البيان