قضيت ساعات اليوم في صف (الخبز) ؛ الشمس التي حجزت مقامها فوق رؤوسنا اكملت (مكياج) الوجوه بالعرق والانفاس الحارة فرفع اغلبنا (اكياس الرغيف) التي ترجو الإمتلاء عمائم ! صف للرجال ومن بلغ الحلم من الصبيان واخر للآنسات والسيدات ؛ زاحمت وجهي المحترق طيف إبتسامة وصغيرة مكنها حظها من الشراء مدت عشر جنيهات وطلبت (عيشتين) وتمسكت بالباقي نقدا ؛ خرجت تدس رغيفتيها في حجرها مثل رضيع ؛ اسبلت عليه جانب طرحتها ! الصف يمضي بتمهل قاتل ؛
كلما أبطاء تمدد في اخره ؛ احاديث غاضبة تلعن الحكومة و(اشعريون) وثرثرات عن قصة قط سمين تطوع احد الواقفين بإحصاء منازله وشركاته ؛ غالب الاحاديث اقتصادية المحتوى ؛ انتقد شيخ غياب رجال (المحلية) الذين قال انهم خفاف في جمع الاتاوات وغرامات الحملات لكنهم لا يعرفون واجبات الرقابة والمتابعة لازمة الخبز ؛
عامل المخبز كان في سوانح المسافة بين إعداد العجين وادخاله للفرن يخرج الينا ؛ يطلب بعض الانفاس من الهواء كما يقول لكني اظنه يتفقد (طابور) الإنتظار ؛ يعود بعدها ليجر صفنا الى منفذ التسليم ؛ كلما عبرت دفعة واقترب احدنا من النافذة سمعت الادعية الحارة ان تكتمل المهمة ولو بخمس رغيفات ! وحينما لاح لي القرب ارتفعت معنوياتي ؛
الشمس وسخونة الجو حولت جسدي لاطار عربة في انتظار (بنشرجي) فصلعة راسي تحدر منها الماء على قفاي فيما (نصل) بنطالي اذ اظن ان وزني قل بفعل فقدان جسمي للماء ؛ فصرت كل ثلاث دقائق اشد عزمي وحزامي اقول لنفسي (ابقى الصمود لتحوز عيش) فما سوى هذا زيف ! الشاب الذي امامي دس يده واخرج رزمة نقد يعدها عشرة وعشرين حتى تكاملت مئة وفوقها عشر اضافية ! يا الهي هذا سينال كل الحصة الخارجة همست له وشاربي يرتفع حذو منخاري وانفاسي ملتاعة (معليش يا اخينا انت عاوز عيش بكم ) وبدا ان سؤالي صفيقا فلم يرد فيما بلعت انا ريقي الجاف حتي شعرت بطعم العرق فيه ! تقدم حينها يحدد طلبه بالمبلغ كله ؛ مد عامل المخبز راسه ينظر للصف احتججت انا بقولي (كتيرة ياخي ) انضم الي من هم خلفي في ثورة ضاجة بالاعتراض ؛ الشاب استشعر الحرج فالتفت يطيب خاطر الجمهور يقسم بان له مناسبة بمنزله وانه يطلب اكثر من هذا لكنه استحى !
حالة من الصمت طافت فوقنا نظر الي العامل يطلب اذني اذ كنت الثاني في الصف ؛ قلت بصدق (اديه ماف مشكلة) فمنح ما اراد وبقيت انا ومن هم خلفي في انتظار (قطعة) العجين التالية ! علنا نجد عند نار الفرن هدى ورحمة.
بقلم
محمد حامد جمعة