(ما فضل لينا شئ)
(بعد ده لو عملوا الكوبري أو ما عملوهو ما فضل لينا شئ….)!
بهذه الكلمات المُرّة خَتَمَ عمر سليمان والد التلميذات ريهام وريم وتوسل وفاطمة وجواهر اللائي غرقن في النيل بعد انقلاب مركبهن… ختم عمر حديثه للزميل بدوي بشير مراسل قناة الجزيرة.
هكذا قالها الرجل ما فضّل لينا شَئ، حقاً لم يَتبقَ له شئٌ.. كل بناته في قاع النيل حتى فرصة أن يرى جثامينهن شبه معدومة .
الرجل وكل أهالي المناصير يتحلّقون حول النيل يومياً منذ وقوع الكارثة وكل أحلامهم أصبحت في أن تطفو جثامين أطفالهم .
صرخ أحدهم هنا جثة هنا جثة… اخرجوها للضفة.. كانت ابنة أحدهم أسرع ليدفنها ويعود على أمل أن تطفو جثة شقيقها الأصغر .
صرخت إحدى النساء تلك جثة هرعوا إليها فوجدوها (جركانة) فارغة.. وصرخ آخر تلك جثة ولكن كانت دوماً إما طرحة أو كراساً!! لسه الأستاذ ما صحّح واجب الرياضيات فيهو أو كتاب جُغرافيا فيه خريطة السودان وأهم المعالم سد مروي من أجل إنارة السودان وتصدير الكهرباء.
ولكن سد مروي لم ينِر للمناصير شارعاً ولا مَهّدَ لهم طريقاً ولا عبّد لهم درباً، جاء وبالاً عليهم منذ إنشائه والموت يلازمهم بدءاً من شهداء السّد وليس انتهاءً بشهداء المركب الـ (24) صغيراً .
المنطقة التي أُغرقت من أجل الكهرباء تنعدم بها خدمات المياه والكهرباء تنقلب مراكبها بالأطفال ومن ينجون تلدغهم العقارب، أكثر من سبعين طفلاً حصيلة الموتى من الأطفال بالمنطقة نتيجة لدغات العقارب ولا كهرباء حتى لحفظ الأمصال حسب حديث الأخ الزميل بكري المدني.
شَكا أهالي المنطقة لطوب الأرض من أجل حُلم الكوبري ليعبر عليه الأطفال إلى مدرستهم التي ينظرون إليها من الضفة الأخرى!! ولكن أحلام المسؤولين لم تجاور ولم تُزاور ولم تختلط بأحلام المناصير!! فالمسؤول يُفكِّر في العَمارة الثالثة والمزرعة الخامسة والزوجة الرابعة!! أما مصل العقارب ونقل الأطفال بصُورةٍ آمنةٍ فتلك أحلام البسطاء ولا مكان لها في اهتمامات المسؤولين!!!
ريهام الابنة الكُبرى لعمر سليمان عامت في المياه حتى خرجت سالمةً، ولكن مع صياح شقيقاتها عادت إليهن لإنقاذهن، أبت عليها نفسها أن تترك من تقاسمت معهن شاي الصباح واللحاف والمُصلاية والابتسامة!! من كانت تنتظر معهن دورها في تمشيط شعرها واقتسام الخُبز وحل الواجب، ذهبت حيث صراخ شقيقاتها لتختفي داخل البحيرة وتختفي معها خمس ضفائر من بيت عم عمر وتختفي خمسة أيادي عن صينية الغداء وخمس ضحكات من البيت وخمس أسرّة من الحوش!!!
سائق المركب نفسه فَقَدَ ابنه أمام عينيه، ولم يستطع إنقاذه، والشجرة التي حاول الجميع الاحتماء بها من قوة الأمواج، كانت معروفة لديهم، يلعب أسفلها الأطفال الحجلة والغمّيضة والفات الفات، قبل أن يأتي السد وتصبح شجرتهم جُزءاً من التيار!!!
*خارج السور:*
عَم عمر والد الخمس شهيدات سيأتي إليك المسؤولون يرتدون الجلابيب البيضاء النظيفة، ويعتمرون العمم السويسرية وينتعلون مراكيب جلد النمر، ستعفر أرضكم غبار فارهاتهم وعباب لاندكروزراتهم، سيلقون عليك عبارات مُواساة بالية ووعود بتطوير المنطقة وتسمية شارع باسم أبنائكم…!
صدِّقني لقد أحرجتهم رسالات التعزية من ملوك ورؤساء العالم وحين كانت “البي بي سي” تبث تقريراً عن الحادثة كانت إذاعة أمدرمان تتحدث عن التجديد للرئيس.. صدقني إنهم المُنافقون حقاً قاتلهم الله أنى يؤفكون.
سهير عبد الرحيم