بعد أن كان البروفيسور إبراهيم أحمد غندور ملء السمع والبصر توارى عن الأنظار بشكل مفاجئ عقب إزاحته من قيادة وزارة الخارجية تاركاً عدة استفهامات حول غيابه عن المشهدين السياسي والإعلامي أبرزها أن الرجل أما أنه أصبح غاضباً أم مغاضباً أم مغضوباً عليه إلا أن غياب غندور عن الحدث الحزبي الأبرز خلال الأيام الماضية المتمثل في مؤتمر شورى المؤتمر الوطني الذي قرر انتخاب المشير عمر البشير لدورة رئاسية جديدة جدد التساؤلات عن حقيقة غياب طبيب الأسنان.
إطلالة شحيحة
إبان توليه منصب وزير الخاريجة كان يشكل البروفسير إبراهيم غندور حضوراً باهراً عبر وسائل الإعلام المختلفة المقرؤة والمسموعة والمرئية من خلال تصريحاته في الشؤون الخارجية التي تخص البلاد، بل يعتبر غندور وبشهادة عدد من المراقبين في أكثر من مناسبة أنه يعد واحداً من أبرز السياسيين الذين تربطهم علاقة مميزة مع الوسط الإعلامي بمختلف ألوان طيفه، ورغم أن تلك العلاقات تعتبر أقدم قبل تسلمه حقيبة الخارجية، إلا أن تلك العلائق ضربتها الجفوة بعد مغادرته للوزارة، حيث انقطع الرجل عن الإعلام تماماً واكتفى بإطلالة إعلامية واحدة كانت عبر قناة النيل الأرزق في الأيام الأولى من عيد الفطر المبارك الماضي، أما غير ذلك لم يسجل له أي حضور في وسائل الإعلام.
أين هو الآن؟
بدورها نقّبت (الصيحة) عن اختفائه، وماذا يعمل في الوقت الحالي، وبحسب مصادر مقربة منه فإن الرجل عاد مزاولاً مهنة التدريس بجامعة الخرطوم التي عمل بها أستاذاً في أوقات سابقة، ثم مديرا لذات الجامعة في التسعينات، وبحسب ما توفر من معلومات فإن غندور يعمل حالياً بجامعة الخرطوم مسؤولاً عن البحوث العلمية لطلاب كلية طب الأسنان خاصة الباحثين عن نيل الماجستير والدكتوراه، بالإضافة لعمله مشرفاً على ذات البحوث في كلية الرازي الجامعية وعدد من الكليات الأخرى.
غياب عن العيادة
ويعرف عن غندور أنه طبيب أسنان ناحج تمكن بصورة فاعلة من معالجة جذور أضراس وزارة الخارجية لدرجة التقارب مع أمريكا التي ناصبت السودان العداء لسنوات طويلة، ولكن في فترة غندور تمكن الرجل من العمل على رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فرضت على السودان منذ سنوات الإنقاذ الأولى، المهم توقع كثيرون أن يعود غندور للعمل كطبيب أسنان بعد إقالته من وزارة الخارجية، بيد أن الرجل رفض العودة للعيادة الخاصة والاكتفاء بالعمل الإكاديمي، وقال مصدر مقرب من الرجل إنه منشغل بالعمل الإكاديمي، ولم يعد لعيادته الخاصة وهو غير راغب في العودة لممارسة طب الأسنان .
غير غاضب
محاولة سبر أغوار اختفاء غندور عن المشهدين الإعلامي والسياسي تبدو عسيرة على الباحث عن ذلك، خاصة وأن بعض همس المجالس حول (مغاضبة) الرجل بدأ يعلو ليصير جهراً، فالإبعاد عن وزارة الخارجية جاء في أوج توهجه وحراكه الدبلوماسي الملحوظ إقيلمياً ودولياً، بيد أن المصدر المقرب من غندور نفى بشدة أن يكون الرجل غاضباً أو مغاضباص، مبرراً ابتعاد غندور عن الساحة السياسية لانشغاله بالعمل في جامعة الخرطوم وعدد من الجامعات الأخرى بجانب إشرافه على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وأنه يستهلك كل وقته في متابعة طلابه بالجامعات التي يعمل بها، وأضاف المصدر أن آخر طالب نال درجة الدكتوراه من جامعة الخرطوم أشرف عليه بروفسير غندور كان يوم السبت الماضي.
اعتزال السياسة!!
ومع ذلك التبرير، إلا هناك من يقول إن بروفسير إبراهيم غندور قد ترك العمل السياسي بصورة قاطعة، خاصة أنه تقلد عددا من الوظائف الدستورية والنقابية في أوقات سابقة أبرزها منصب رئيس اتحاد عام نقابات العمال ومساعد رئيس الجمهورية، ثم كانت آخر محطاته وزيراً للخارجية، غير أن المصدر المقرب منه قال لـ(الصيحة) إن أمر اعتزال غندور العمل السياسي متروك لتقديراته، وإن غندور يرفض مناقشة هذا الأمر حتى مع مقربين منه.
في الصعيد ذاته يتوقع مراقبون أن يعود الرجل بعد انتخابات 2020م في منصب قيادي مرموق على مستوى الدولة.
الغياب عن الشورى
الملاحظة الأبرز عن اختفاء غندور كانت غيابه عن اجتماعات شورى المؤتمر الوطني التي أوصت بترشيح الرئيس البشير في انتخابات 2020م، وهنا قد يتساءل البعض عن دواعي غياب الرجل عن مسرح الشورى الساخن. وهنا يعود المصدر المقرب من غندور ليؤكد إن إشراف البروف على مناقشة رسالة الدكتوراه لأحد طلابه بجامعة الخرطوم ساهمت بشكل كبير في غيابه عن المسرح، وأضاف أن هنالك أسباباً أخرى كثيرة بعضها أسرية أدت لغيابه عن اجتماع شورى الوطني .
وهنا يقول الكاتب الصحافي والمحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد إن غندور أكثر سوداني يجيد توزيع وقته وكان يمكن أن يشارك في اجتماع الشورى رغم مشاركته في مناقشة رسالة الدكتوراه، ولكنه غاب لأنه يمارس الاحتجاج الصامت على موسسات حزبه التي أبعدته عن كل المواقع بأسباب غير مبررة.
غياب عن الحزب
شكل غندور أيضاً غياباً مفاجئاً عن دار المؤتمر الوطني، وتشير الأنباء الواردة أن غندور لم يدخل دار الوطني منذ مغادرته وزارة الخارجية، والشاهد في الأمر أن كل قيادات الوطني السابقة امثال علي كرتي ومحمد بشارة دوسة وعثمان يوسف كبر ظلوا متواجدين من خلال تفاعلهم في قطاعات وأمانات الحزب المختلفة، ولكن عبد الماجد يرجح أسباب غياب غندور عن المشهد العام للطريقة التي أزيح بها من المواقع التي كان يتقلدها، كما أن الطريقة التي أبعد بها غندور تجعله من الضروري أن يبتعد عن المشهد السياسي بصورة كلية، وأضاف: غندور كان نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني وتم إعفاؤه من غير أسباب موضوعية، وبعد تكليفه بمنصب وزير الخارجية تعرض لمضايقات منظمة من أفراد داخل المؤتمر الوطني، وأضاف عبد الماجد لـ(الصيحة): بعدها أبعد من وزارة الخارجية، وهو في قمة عطائه رغم أن ما قاله في البرلمان كرره آخرون ولم تتم إقالتهم، وأردف بالقول: المشاكل التي تحدث عنها غندور في أوقات سابقة مازالت قائمة وتم الإقرار بها من قبل الحكومة، وبالتالي يعتبر إبعاده وعدم مساءلة الآخرين الذين أدلوا بنفس تصريحاته بها تمييز (خيار وفقوس).
وختم بالقول: الآن غندور يمارس الاحتجاج الصامت بعد إحساسه بأن المؤسسات التي يتبع لها لم تعد راغبة بوجوده.
الخرطوم: عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة.