قد تشعر وأنت تتابع نظراتهم التائهة التي مزجت بين البراءة والحيرة، أن المرض قد سلبهم أهم عنصر في طفولتهم (اللعب والشقاوة) أنهم أطفال السكري، وكما هو معلوم فأن السكري من الأمراض التي تجعل الاسر في حالة استنفار لما يتطلبه المرض من متابعة لصيقة ونظام غذائي دقيق، جلست اليهم في الاحتفالية التى نظمتها الجمعية السودانية لسكري الاطفال بغرض الترفيه وتثقيفهم وأسرهم بالمرض، تلمست معهم تجربتهم مع المرض عن قرب وقلبنا معاً دفتر معاناة فلذات أكبادهم وهم يحرمون من قطعة حلوى تعلق قلبه بها، ليجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مصابين بمرض يجهلون أبعاده ومضاعفاته الخطيرة, وتتوقف حدود معرفتهم به أنهم سيتوقفون عن تناول الحلويات واللعب بحرية.
تجارب ومعاناة
إقبال عمر والتي تجاوز عمرها السابعة عشر عاما كانت تجربتها مع المرض أكثر مرارة, فقد جمعت بين كونها كفيفة وإصابتها بالسكري، حدثتني والدتها ولسانها يلهج بالحمد أن ابنتها ليست الوحيدة المصابة بالسكر فابنها الكبير الذي يدرس بالجامعة مصاب منذ سنوات وبسبب ارتفاع السكر المستمر لم ينه دراسته حتى اليوم، شاكية من تعنتها وتقلب مزاجها بصورة دائمة، وقالت إنها كثيراً ما يصعب عليها التعامل معها، فيما لم تفلح (أم محمد) في أن تخفي قلقها وخوفها على طفلها (محمد) صاحب الأربعة أعوام والذي أصيب بالمرض قبل عام لتقول إن الأمر كان بمثابة صدمة حقيقية لها خاصة وانه طفلها الأول، وكانت تجربة حقن الانسولين من اقسى وأمر التجارب في حياتها، كذلك خوفها عليه قادها لحرمانه من المداومة بالروضة. مؤكدة انها كثيراً ما تجد نفسها ترافقه للروضة تخوفا من إصابته بجروح أو خدش، و كانت والدة الطفلة مرام أكثر صلابة لدى تلقيها نبأ إصابة ابنتها، فقالت حرصت على معرفة كل صغيرة وكبيرة عن المرض ومضاعفاته حتى لا أزرع الخوف في قلب صغيرتي باعتباره مرضا صديقا ويجب التأقلم معه، وهي اليوم بصحة جيدة بدون أي مضاعفات.
تقليل الصدمة
نوال أحمد مسئولة المكتب الاجتماعي بالجمعية السودانية لسكري الاطفال قالت من أهم أهداف الجمعية دعم الخدمات الطبية المتكاملة إضافة لفتح العيادات بالولايات والتي وصل عددها لـ(16) عيادة تهتم بتقديم العلاج والدعم للأسر بجانب توفير جهاز الفحص المنزلي خاصة للأسر التي بها أكثر من مريض كما يقع على عاتق الجمعية نشر ثقافة كيفية معاملة الطفل المصاب في المدارس والمنزل وجمع الاسر في احتفالات بهدف تبادل الخبرات وتقليل آثار الصدمة الأولى بجانب العمل على تعريف الطفل بما يجري داخل جسمه والتعرف على هبوط وارتفاع السكر في جسده لافتة الى (60%) من الإصابة تنتشر بين الفئة العمرية (9-12) في مرحلة الأساس وقالت لـ(الإنتباهة) ان عدد المصابين وصل (2.700) طفل مسجلين بالجمعية من عمر سنة حتى الثامنة عشرة, مؤكدة أن وزارة الصحة تعمل على توفير الانسولين مجاناً للاطفال, مشيرة للتزايد الملحوظ في معدل الإصابة مؤخراً حسب الدراسات التي أعدتها الجمعية.
أنواع السكر
محاسن محمد علي اختصاصية التغذية قالت في حديثها لـ(الإنتباهة): السكر ينقسم لنوعين وراثي وهو الذي ينتقل للطفل بحكم الوراثة من أحد الوالدين، أما النوع الثاني فهو الذي ينتقل عبر النظام الغذائي، ولذلك ننصح الأمهات بعدم إطعام الطفل بوجبات تحتوي سكريات على الجوع، كما أن الوجبات غير المنتظمة والحلويات على الجوع تتسبب في تثبيت السكر في الدم لافتة الى أن أعراض الارتفاع تظهر بالصداع وآلام البطن والعطش والتبول اللا إرادي والقئ، أما الانخفاض فأعراضه تتمثل في زغللة العيون وتسارع ضربات القلب والجوع وبرودة الأطراف وسرعة التنفس، مشيرة الى أن الانخفاض يعد الأخطر لأنه قد يؤدي للوفاة غالباً وهناك تخوف منه ولذلك ننصح الأمهات في حالة تعرض الطفل لانخفاض السكر إطعامه ملعقتين مربى أو عسل أو تذويب سكر في مياه لان الانخفاض قد يسبب للطفل تشنجات دائماً، لافتة الى أن الانخفاض غالباً ما يحدث في أثناء الليل لذلك يفضل تناول جرعة الانسولين مبكراً وتفقد الطفل ليلا من الأشياء الضرورية التي يجب أن تهتم بها كل أم وإعطائه قطعة فاكهة أو حليب وتؤكد محاسن أن السلطة الخضراء لها فوائد عديدة كما يجب عدم حرمان الطفل من السكريات والحرص على تناوله ملعقتين سكر في اليوم مع العصير أو الحليب يومياً.
مشاكل معقدة
د. فاطمة محمد أحمد مدير عام مستشفى احمد قاسم للأطفال واختصاصي اطفال أكدت أن السكر عند الأطفال من المشاكل المعقدة وقالت حوالي (34) عاماً كان من النادر إصابة طفل بالمرض ولكن اليوم تلاحظ أن معدل الإصابة في تزايد ولا تزال الأسباب مجهولة حتى الآن، مشيرة الى أنهم من اوائل المستشفيات التى بها عيادة للسكر وتحولت اليوم لعيادة متكاملة في عهد البروف محمد أحمد عبد الله تضم كبار الاطباء والباحثين النفسيين والاجتماعيين واختصاصي التغذية بجانب توفيرها لجرعات الانسولين مجاناً محاولة منا لمعالجة مشكلة العلاج والتي تفاقمت مؤخرا بواسطة وزارة الصحة. وقالت د. فاطمة هناك مشكلة أساسية تواجه أطفال السكري وهي اتباع الطريقة السليمة لتغذية مريض السكر, مضيفة أن معظم الأسر فقيرة ولا تملك الامكانيات المادية لتوفير التغذية السليمة لهؤلاء الأطفال حسب نوع المرض وخصوصيته, مضيفة بانه من الاشياء الصعبة في علاج سكر الأطفال عدم المقدرة في السيطرة على الطفل وحركته. مشيرة الى ضرورة العمل على دعم الاسر في المرحلة الأولى عند معرفتها بالإصابة بالمرض ومد الطفل بحاجته من العلاج, وقالت في الفترة الأخيرة تمكنا من توفير أجهزة الفحص المنزلي لمعظمهم ولكن مازلنا نطالب الدولة بالالتفات لمشكلة التغذية لدعم الأسر وتحسين أوضاعهم. وأرجعت أسباب الإصابة بالسكر الى عوامل وراثية نتيجة إصابة الوالدين أو أحدهما بمرض السكر او انخفاض نسبة الانسولين والذي يسبب تراكم نسبة الجلوكوز في الدم مما يؤدي لمضاعفات صحية قد تهدد حياة الطفل، مؤكدة وجود لغط يدور حول تناول الأطفال لحليب البقر فى سن مبكر وانه قد يؤدي لزيادة خطر الإصابة بمرض السكر من النوع الأول فى حين أن الرضاعة الطبيعية قد تقلل من خطر الإصابة بهذا المرض، وتروي د. فاطمة حالة طفل عالقة بذهنها مصاب بسوء التغذية وعلمت أنه يعيش مع اخوته السبعة في (عشة) فقررت التوقف عن الطعام تضامناً معه لحين تحسين أوضاعه . وتؤكد د. فاطمة أنه حسب آخر الاحصائيات فإن المترددين على المستشفى كمركز تجاوزعددهم الـ( 200) طفل معظمهم من الخرطوم والجزيرة وهناك تزايد ملحوظ خاصة من الولايات ولخصت د. فاطمة معاناة الأطفال في ارتفاع أسعار شريط الفحص وصعوبة توفير التغذية السليمة لهم برغم توفير المركز العلاج المجاني وبعض الفحوصات .
ارتفاع ملحوظ
وبحسب دراسات وتقارير في 1992م فإن سكر الأطفال ينتشر بنسبة كبيرة في البلاد وتشير الإحصاءات أن الإصابة تتراوح بنسبة طفل بين ألف طفل بينما الدراسات الحالية التي تجري تشير إلى أن النسبة ارتفعت بكمية كبيرة، وعزا الباحثون الأسباب إلى الاكتظاظ السكاني الهائل والسكر الوراثي الذي ينتقل بين الآباء والأبناء، كما أن للبيئة دورا كبيرا في انتشار مرض سكر الأطفال. وكشفت التقارير أن ولاية الخرطوم سجلت أعلى نسبة سكر أطفال، فيما اشارت الى أن معظم الحالات تأتي من ولايات الشرق وشمال كردفان.
تحقيق: منى النور
صحيفة الإنتباهة