لا صوت معارض داخل الشورى.. تفاصيل رفع القيود التنظيمية لترشيح “البشير” لدورة جديدة

غياب “أمين حسن عمر” و”أيلا ” عن المشهد

لم يواجه إعادة ترشيح “البشير” لدورة رئاسية جديدة داخل حزب المؤتمر الوطني مصاعب ومشاقاً، وانحسرت الأصوات التي رددت بعض المواقف المعلنة رفضاً للترشيح لصوتين فقط أو ثلاثة.. وخلافاً لما أثير على نطاق واسع في الأسافير ومجموعات (ونسة الواتساب) من وجود معارضة داخل أجهزة المؤتمر الوطني لإعادة ترشيح “البشير” لدورة تنفيذية جديدة.. كشفت مواقف أعضاء الشورى ليلة الخميس عن إجماع لم يحظ به الرئيس “البشير” من قبل داخل أجهزة الحزب.. وأقبل أقطاب وقيادات المؤتمر الوطني ممن يسمون بـ(الشيوخ) على أمسية الخميس على تعديل لائحة الحزب دون معارضة أو حتى إبداء مواقف متحفظة وذلك للأسباب التالية:

أولاً: نجاح نائب رئيس المؤتمر الوطني د.”فيصل حسن” في صياغة مواقف معتدلة ووسطية بين تيارات الحزب، التي تفكر بمناهج وطرق تعبير متباينة.. والتواصل السياسي والاجتماعي والحركة الدءوبة التي أقبل عليها نائب رئيس الحزب قد أثمرت عن توافق على تعديل النظام الأساسي، وهي (العقدة) الجوهرية في مسألة الترشيح ومبعث الاختلاف بين تيارات الحزب في الفترة الماضية حول النظام الأساسي، وليس مبدأ ترشيح “البشير” الذي لا خلاف حوله داخل المؤتمر الوطني، بل المجموعات التي يعتقد البعض وجودها.. والحديث هنا عن القطبين “علي عثمان محمد طه” ود.”نافع علي نافع” ، فإن القاسم المشترك بين الرجلين هو الرئيس “البشير” وكلاهما على قناعة بأهمية وجوده في المرحلة الراهنة والقادمة.. ولكن تباين وجهات النظر التي عبر عنها د.”أمين حسن عمر” حول الأولويات ، هل يجسر الحزب طريق الترشيح لرئيسه بتعديل المادة (36) من النظام الأساسي، وجاءت صيغة التعديل بإضافة

بند جديد للمادة لتقرأ كالآتي:
(1) لا يجوز إعادة انتخاب أو اختيار شاغلي المهام التنظيمية للمؤتمر الوطني في كافة المستويات لأكثر من دورتين تنظيميتين.
(2) على الرغم من أحكام البند (1) أعلاه يجوز للمكتب القيادي القومي وفي الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة استثناء من يرى من شاغلي المهام التنظيمية من أحكام المادة (36 – (1).

ويكشف هذا التعديل ذكاء ودهاء نائب رئيس المؤتمر الوطني وأمين الاتصال التنظيمي في الاحتفاظ بأصل المادة، التي تتيح للحزب تجديد دمائه وتصعيد القيادات إلى أعلى دون احتكار ضار يخنق التنظيم ويقتل فيه روح المبادرة ويضفي عليه تكلساً في شرايينه، وفي ذات الوقت يمنح التعديل القيادة العليا للحزب استثناء بعض القيادات من أحكام المادة (36) (1) وذلك بتقدير المصلحة العامة التي هي تعلو على ماعدا ذلك من اعتبارات.
ثانياً: وجد المؤتمر الوطني نفسه أمام خيار واحد.. بعد أن قالت أجهزة الدولة الأخرى كلمتها، فالقوات المسلحة بتشكيلاتها قوات مسلحة وشرطة وجهاز أمن وقوات دعم سريع أعلنت موقفها مسبقاً ولاعتبارات تراها ضرورية وملحة تزكية ودعم ترشيح المشير “عمر البشير” وحده دون أي خيار آخر.. وفي ظل نظام يمزج ويتشكل من تحالف مدني عسكري فإن رؤية وموقف المؤسسة العسكرية من الضرورة بمكان النظر إليه بعين الاعتبار والأخذ به حفاظاً على استقرار النظام الديمقراطي القادم وضماناً لسد ثغرة يتسلل منها الانقلابيون على أنظمة الحكم، التي لا تحظى بسند ودعم المؤسسة العسكرية وبالتالي هي الضامن الأول لاستقرار البلاد.

ثالثاً: لم تقدم أي من التيارات الصوتية داخل المؤتمر الوطني مرشحاً بديلاً للرئيس “البشير” أو تصوب بصرها نحو أي من القيادات الوسيطة أو العليا كبديل للرئيس حتى يجد الدعم والمساندة، وبالتالي وجدت الأغلبية من قواعد وقيادات الحزب الطرق سالكة لاتخاذ قرار إعادة الترشيح.

{ وقائع ما حدث:

في الاجتماعات التي سبقت الشورى كان التيار الرئيسي في الحزب بالولايات والقطاعات قد اتخذ موقفه بالاتفاق على أن “البشير” وحده هو المرشح القادم خلافاً لما كانت عليه الأوضاع قبل أربع سنوات مضت ، وحينها رشحت أسماء مثل د.”نافع علي نافع” و”علي عثمان محمد طه” من قبل الشورى، وفي المؤتمر العام تم التوافق على “البشير” وحده.. في الأسبوع الماضي نجحت إدارة التنظيم في حشد القيادات ورموز الحزب في ولايات السودان ممثلين في الولاة كرؤساء للحزب ونوابهم ورؤساء المجالس التشريعية في الملتقى التنظيمي الذي عقد لمدة يوم واحد.. وتم التداول حول مستقبل الحزب، واتفاق القواعد والقيادات على إعادة ترشيح الرئيس “عمر البشير”.. وفي اجتماعات المكتب القيادي والمجلس القيادي جرت مناقشات صريحة أفضت لاتفاق حول التعديلات التي تم إقرارها عشية الأربعاء.. وحينما ابتدر “حامد ممتاز” أمين الاتصال التنظيمي، وهو أهم موقع في قيادة الحزب، إعلان التعديلات أمام الشورى.. ارتفعت الأصوات المساندة لها.. عطفاً على الخطاب السياسي الذي قدمه مولانا “أحمد هارون” أمام الشورى، وهو خطاب قريب من الخطاب الذي قدمه “علي عثمان محمد طه” في المكتب القيادي، وكلاهما دفعا بحيثيات سياسية ظرفية تضع قيادات الحزب أمام الحقيقة بأن “البشير” هو المرشح لقيادة الدولة.. في المرحلة القادمة.. وأشار مولانا “أحمد هارون” لأهمية دور حلفاء وشركاء الوطني من القوى السياسية الأخرى، ولكنه أكد أن الوطني يتحمل مسؤوليته كاملة في حسن إدارة البلاد.. ومنح البروفيسور “كبشور كوكو” رئيس الشورى، الذي يثبت كل يوم جدارته بالمنصب الرفيع ، حنكته في إدارة جلسات الشورى وتناغم قيادة الشورى وتجانسها ما بين حكمة “كبشور” ودهاء “عثمان كبر”.. وصمت البروفيسور “محمد بشير عبد الهادي” ونشاط وحيوية “محمد طاهر أوشام”، قدم “كبشور” ، “محمد طاهر سليمان بيتاي” برمزيته الجهوية ممثلاً لكسلا وعباءته الصوفية باعتباره واحداً من رموز التصوف.. وانتمائه القبلي ممثلاً لقومية البجة في السودان.. وساند “بيتاي” ترشيح الرئيس وتعديل النظام الأساسي بما يرفع القيود عن الترشيح،وتبعه بالحديث “إدريس هيكل” من ولاية البحر الأحمر، ونائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية شرق دارفور، وتحدث “طارق حمزة سر الختم” من الكلية القومية عن الحركة الإسلامية، وقال: إن الإنقاذ كانت ثمرة لخيارات وقرارات الحركة الإسلامية، وإن “البشير” هو من انتدبته الحركة الإسلامية لقيادة التغيير ولا يزال الرئيس “البشير” هو رائد الدولة وقائدها.. ورمزيتها وإن ترشيحه لدورة قادمة يمثل استجابة لرغبات القواعد والقيادات.

هل يفتح التعديل في النظام الأساسي المادة (36) الأبواب واسعة لعودة القدامى مرة أخرى؟؟ وهل الخطوة تعتبر تراجعاً عن منهج وخطة التجديد والتطوير؟؟ بالطبع المؤتمر الوطني في السنوات الماضية خسر الكثير بغياب بعض الرموز التاريخية من واجهة الحزب القيادية بسبب القيود التي وردت في النظام الأساسي، وتعديل المادة (36) يفتح عملياً أبواب عودة القيادات التي انزوت في الفترة الأخيرة، بقدر يقدره المكتب القيادي وفي ذات الوقت احتفظ الوطني بمنهج التغيير والتجديد.. وأهم النصوص التي جرى تعديلها تمثل في زيادة نصيب المرأة إلى (30%) بدلاً عن (25%) ، ويعتبر تعديل هذه النسبة انتصاراً كبيراً لتيار الحداثة داخل الحزب، وقد أثبتت التجربة أن المرأة أكثر انضباطاً وولاءً من الرجال.. والتزاماً بتوجيهات وسياسات الحزب.. وفي شأن العضوية وجه الحزب صفعة موجعة لوالي الجزيرة “محمد طاهر أيلا” الذي خسر معركته مع قيادات الجزيرة الذين تم فصلهم من الحزب دون وجه حق.. وإبعادهم من مفاصل الحزب لخلافهم مع “أيلا” ، وأثبت د.”فيصل حسن إبراهيم” قدرته على التعامل مع مراكز القوى في الدولة والحزب بالحسم دون تعسف، ولم يأبه د.”فيصل” لنفوذ “أيلا” في الدولة.. وأنصف المظلومين وأعادهم للحزب.. في ذات الوقت تم رفض ترشيح “أيلا” لأحد القيادات غير المتفق عليها لتولي منصب نائب رئيس الحزب.. وربما آثر الرجل مغادرة البلاد متمتعاً بإجازته السنوية في القاهرة، بينما الحزب الذي ينتمي إليه يسعى لترشيح رئيسه لدورة تنظيمية جديدة، وشكل غياب “أيلا” في هذه الظروف علامة استفهام كبيرة.. بينما غاب د.”أمين حسن عمر” عن جلسات يوم الخميس.. وجلس “علي عثمان محمد طه” في الصفوف الخلفية.. ولأول مرة يغيب الشيخ “أحمد عبد الرحمن محمد” عن مثل هذه المؤتمرات الحزبية الهامة.. وبعد إجازة التعديلات وترشيح الرئيس لدورة جديدة.. انقشعت سحابة خيمت على أجواء الحزب لفترة ليست بالقصيرة.. وانتهت مرحلة لتبدأ معركة التعديلات الدستورية.. ومن ثم الانتخابات التي ينتظر أن يجد الرئيس “البشير” منافسة من قبل قيادات حزبية قررت خوض السباق هذه المرة.

{ الوضع الاقتصادي وسوء التدبير:

منذ رحيل محافظ بنك السودان السابق “حازم عبد القادر” عن الدنيا الفانية وهو بعيد عن أرض الوطن.. لم تتخذ الحكومة قراراً بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي.. وظل المقعد خالياً ينتظر التعيين رغم أهمية المنصب وتأثيره على السياسات النقدية، ولكن الحكومة تجاهلت اختيار محافظ للبنك المركزي، إما لشعورها بأن (أمورها ماشة) وبالتالي لا حاجة لها بمدير جديد.. أو قناعتها بأن إدارة الاقتصاد في القصر الرئاسي وبالتالي مدير المصرف المركزي وحتى وزير المالية ما هما إلا منفذان لتوجيهات القيادة العليا التي تمسك بملف الاقتصاد منذ أن حلت ببلادنا المحنة الحالية وشح الدواء والوقود، وأحجمت المصارف عن الوفاء بالقانون ورفضت الإفراج عن أموال المودعين.. وتمتعهم بحقوقهم.. وكانت العملة السودانية في أزمنة مضت يكتب عليها عهد من بنك السودان بصيغة (أتعهد بتقديم الطلب عن هذا السند مبلغ).. وقصة تعيين محافظ البنك المركزي تعيد طرفة الأستاذ “حسين خوجلي” الذي يملك قدرة فائقة ومهارات استثنائية في زرع الابتسامة في الوجوه العابسة.. ويقول أبو “ملاذ” : إن رجلاً عصامياً واقتصادياً ذكياً لم يدرس في الجامعات الكبيرة.. ولكنه تخرج من جامعة الحياة.. وأصبح أنجح رجل أعمال في الزمان القديم، إنه “الشيخ مصطفى الأمين”.. زار يوماً مصنعاً له ووجد الإنتاج مضاعفاً.. والعمال في همة ونشاط والأرباح مضاعفة.. وسأل عن مدير المصنع، فقيل له المدير في القاهرة منذ شهرين..؟؟ وهنا سأل الشيخ مصطفى الأمين” منذ شهرين والإنتاج لم يتأثر.. قال الموظفون والعمال: نعم؟؟ هنا قال: لا حاجة لنا بهذا المدير فليذهب ويبقى المصنع بحاله الراهنة.. وربما شعرت الحكومة بأن غياب محافظ البنك المركزي مثل غياب مدير مصنع الشيخ مصطفى الأمين”.. في الوقت الذي تأخذ الأزمة المالية بخناقها وتلقي بوطأتها على كاهل الشعب الذي صبر على نقص الجازولين.. وصبر على نقص الدواء.. وصبر على شح الغاز.. وصبر على حرمانه من أمواله قهراً وظلماً.. وصبر على انعدام (الخبز الحاف) كما يقول الروائي المغربي “محمد شكري”.. ولا يزال الشعب صابراً.. على أمل أن تجود السماء برحمتها في القريب العاجل وتنقشع أزمة السيولة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. ولا تبنى الأوطان بالأماني ولن يتعافى الجسد الاقتصادي المعلول بالقرارات الإدارية ولا الإجراءات البوليسية، ولو كانت إجراءات القبض والمصادرة هي الوسيلة الناجعة لتحسين الاقتصاد وصب أكسجين العافية في جسد الجنيه المنهار لأصبح بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة في مواجهة تجار العملة الجنيه يعادل دولاراً.. وحتى الإجراءات التي طالت (القطط السمان) و(القطط الضبلانة) والصّيرة وأبونكوى كما يقول “الفاضل الجبوري” لم تحقق رخاءً.. ولا تعافى الاقتصاد من أمراضه.. صحيح أن محاربة الفساد لها مردود اقتصادي غير مباشر ومردود سياسي في تحسين صورة النظام.. وبث الأمل في النفوس، ولكن ما حدث عجز المؤتمر الوطني عن توظيفه لصالح مشروعه السياسي.. بل ترتبت عليه نتائج سالبة.. يدمغ المؤتمر الوطني بالفساد من أعلى إلى أسفل.. وبعد أن تكاثرت المطالبات بالإصلاحات الاقتصادية وإعفاء الفريق الاقتصادي الذي ينفذ ولا يخطط وليس إعفاء الفريق “الركابي” وحده.. رفضت الحكومة الاستجابة لنداء الرأي العام.. ورأت في “الركابي” ومجموعته ما لا يراه الشعب في هؤلاء!! ولو كانت الحكومة تحترم الرأي العام وتأبه لمشاعر الناس لما ترددت لحظة في إعفاء الفريق الاقتصادي من الوزير وحتى وزراء الدولة في كل القطاع الاقتصادي.. والحكومة لا ترى حتى في سد ثغرة منصب محافظ البنك المركزي مشكلة أو أولوية في الوقت الراهن.. وأحد المحيطين بمعرفة ما يدور في دهاليز السلطة يقول: إن السبب وراء عدم تعيين محافظ للبنك المركزي يعود لإتاحة الفرصة لنائب مدير البنك المركزي “مساعد محمد أحمد” إن هو حقق النجاح في فترة الاختبار الحالية تم ترفيعه إلى محافظ كامل الدسم، وإن هو فشل جرى البحث عن شخصية أخرى.. قلت للقيادي النافذ وأمين الأمانة الكبيرة: كيف وبحكومة عمرها (30) سنة (تجرب) القيادات في مناصب لا تتحمل التجريب، وكيف لا تتعلم الحكومة من تجربة الولاة الذين يتم تجربتهم الآن على رؤوس الشعب السوداني كقادة للمستقبل وهم يفتقرون لأبسط المطلوبات ومقومات الوالي، بعضهم يعتبر الرياضة ترفاً وسفاهة لا تليق به وبعضهم لا يشجع الفنون ولا الآداب ويعتبرها (قلة أدب)، وكثير منهم لم يسبق له أن عمل موظفاً في الخدمة المدنية.. وبعضهم شخصيات محلية في ولايات قصية قذفت بهم الموازنات إلى مواقع أكبر منهم.. والاقتصاد لا يتحمل التجريب ولا التأهيل.. والمؤتمر الوطني يذخر بالكفاءات ذات القدرات والخيال والابتكار والحلول غير التقليدية.. حزب يضم في أحشائه قيادات مثل د.” المتعافي”ود” محمد الحسن” ود.”الفاتح علي صديق”.. ومئات البروفيسورات وأساتذة الجامعات.. وأهل الخبرة من “عبد الرحيم حمدي” وحتى “بدر الدين محمود”، كيف (يجرب) رئيس اتحاد المصارف.. ورئيس قطاعه الاقتصادي السابق.. قبل أن يرفعه إلى منصب محافظ البنك المركزي.. وإذا كانت البلاد تعيش في مأزق شح العملات.. وتردي الخدمات فإن تدابير تحسين العلاقة مع الجنوب تمثل واحدة من (الدروب) الآمنة المفضية لمخرج من الأزمة الراهنة.. إذا أحسنا التعامل معها.. ولم نتعجل نتائجها.. أو نتربص بها وبالقادة المخلصين الذين بثوا شيئاً من الأمل في النفوس اليائسة.

Exit mobile version