تعرضت الإمبراطورية الروسية منذ بداية الحرب العالمية الأولى وحتى تاريخ اندلاع ثورة شباط/فبراير سنة 1917 إلى خسائر بشرية فادحة. وكانت الخسائر الروسية الأكثر ارتفاعاً مقارنة ببقية الدول المتحاربة، حيث تجاوز عدد الجنود الروس القتلى منذ بداية النزاع 1.5 مليون جندي.
ونمى حينها لدى الشعب_الروسي شعور معاد للحرب، وانحاز الروس بعد تتالي الهزائم العسكرية وتزايد الخسائر البشرية نحو فكرة خروج بلادهم من الحرب بعقد سلام مع الإمبراطوريات الوسطى.
وفي تلك الفترة، آمن الألمان بضرورة عقد سلام منفصل مع الإمبراطورية الروسية، وبخطوة مماثلة سيتسنى للجيش الألماني نقل عدد كبير من فرقه العسكرية المتمركزة على الجبهة الشرقية (الجبهة الروسية) نحو الجبهة الغربية لمواجهة الجيوش البريطانية والفرنسية.
وعقب اندلاع ثورة شباط/فبراير سنة 1917 التي أدت إلى تنازل القيصر الروسي نيقولا الثاني (Nicholas II) عن العرش، تعرضت القيادة العسكرية الألمانية إلى صدمة حقيقية. فبدلا من أن يطلب النظام الروسي الجديد وقف إطلاق النار ويبدأ بمفاوضات السلام، اتجهت حكومة رئيس الوزراء الروسي ألكسندر كيرينسكي (Alexander Kerensky) نحو احترام اتفاقية التحالف مع كل من فرنسا وبريطانيا، وفضلت بذلك مواصلة القتال ضد #الألمان وحلفائهم.
بالتزامن مع خيبة الأمل هذه، عانت ألمانيا مع بداية شهر نيسان/أبريل سنة 1917 من مشكلة حقيقية، فخلال تلك الفترة لم تتردد الولايات المتحدة في دخول الحرب العالمية الثانية إلى جانب كل من بريطانيا، وفرنسا، وبسبب ذلك أضافت ألمانيا دولة أخرى إلى قائمة أعدائها.
وأمام هذا الوضع الصعب، اتجهت ألمانيا نحو زعزعة استقرار روسيا مرة أخرى عن طريق ثورة ثانية يقودها رجل لطالما لقّبته المخابرات العسكرية الألمانية بـ “الفوضوي”.
لم يكن هذا الرجل الفوضوي سوى فلاديمير ألييتش أوليانوف (Vladimir Ilyich Ulyanov) والملقب بلينين (Lenin).
وكان لينين في منفاه بسويسرا بسبب معارضته لنظام القيصر الروسي نيقولا الثاني سابقا، وبناء على الخطة الألمانية التي ساندها الجنرال الألماني المخضرم إريش لودندورف (Erich Ludendorff)، قررت ألمانيا المساهمة في ترحيل لينين وعدد من أبرز رفاقه البلشفيين من سويسرا، وتسهيل عودتهم نحو العاصمة الروسية سانت بطرسبرغ من أجل التحضير لثورة ثانية تغادر على إثرها روسيا الحرب.
ووقع اختيار الألمان على لينين بسبب معارضة الأخير للحرب منذ البداية ومطالبته للجنود الروس بتوجيه أسلحتهم نحو قادتهم ورفعه لشعار ” الخبز – الحرية – السلام – الأرض”.
وعقب اندلاع ثورة شباط/فبراير سنة 1917 وسقوط نظام القيصر، سعى لينين جاهدا للعودة إلى #روسيا، وبسبب الحرب المستعرة وتعطل الرحلات بين مختلف الدول المتحاربة وافق القائد المستقبلي للاتحاد السوفيتي على العرض الألماني لتسهيل تنقله عبر الأراضي الألمانية ومساعدته على بلوغ سانت بطرسبرغ لتزعّم البلشفيين هنالك.
وغادر لينين برفقة حوالي 30 فردا من أهم القادة البلشفيين بينهم ككارل راديك (Karl Radek) وغريغوري زينوفييف (Grigori Zinoviev) من مدينة زيوريخ السويسرية على متن قطار سري ليحل عقب مروره بالأراضي الألمانية بمدينة زاسنيتس (Sassnitz) الواقعة بأقصى الشمال الشرقي لألمانيا.
وسهّل الألمان إثر ذلك عبور لينين نحو مدينة تريلبورغ (Trelleborg) السويدية، والتي اتخذها الأخير نقطة عبور نحو هلسنكي (helsinki) الفنلندية ليبلغ في النهاية العاصمة الروسية سانت بطرسبرغ.
ومنذ وصوله لسانت بطرسبرغ، اتهم لينين حكومة كيرينسكي بمواصلة سياسة النظام القيصري الروسي. ولم يتردد الأخير في توجيه تهمة خيانة مصالح الشعب الروسي لليبراليين والمنشفيك (Mensheviks) داعيا للثورة.
وكسب لينين أغلبية فيما يعرف بمجلس سوفيت سانت بطرسبرغ، وهو ما سمح له بزيادة نفوذه.
وعقب أحداث شهر تموز/يوليو سنة 1917 أجبر لينين على مغادرة سانت بطرسبرغ بعد اتهامه من قبل النظام الروسي بالخيانة وتلقيبه بالجاسوس الألماني.
في تلك الأثناء، كسبت دعوة لينين لإحداث السلام، وتوفير الخبز، والأراضي، والحرية للجميع عطف الشعب الروسي الذي لم يتردد في مساندة قضيته ليعود الأخير مرة ثانية وبشكل سري إلى سانت بطرسبرغ خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1917، وينظم لما عرف بالثورة البلشفية التي أطاحت بحكومة كيرينسكي ومهدت لبداية العهد السوفيتي.
إثر هذه الثورة الناجحة، تحققت رغبة ألمانيا، ووفى لينين بوعده، ووضع حدا لمشاركة #روسيا في الحرب العالمية الأولى عن طريق معاهدة برست-ليتوفسك (Treaty of Brest-Litovsk) والتي أقصت روسيا بشكل نهائي من النزاع العالمي مقابل شروط مذلة.
العربية