على نحو مفاجئ أعلنت نقابة الإعلاميين المصريين عن توجيه دعوة رسمية لنظيرتها السودانية لبحث إعلان “ميثاق شرف” بين إعلاميي البلدين، وأوضح نقيب الإعلاميين المصريين “حمدي الكنيسي” أن نقابته وجهت الدعوة إلى نقابة اتحاد الصحفيين السودانيين لعقد اجتماعات مشتركة بالقاهرة لمناقشة مواد ميثاق الشرف الإعلامي بين البلدين، ومن المتوقع أن يوقع الميثاق خلال الأيام القادمة.
على نسق ” الحرب أولها كلام”، كانت العلاقات السودانية المصرية تدور في هذه الدائرة احتراباً إعلامياً وصف بأنه تخطى الخطوط الحمراء خاصة من الجانب المصري، ولم يكن الإعلام السوداني بعيداً عن تلك المعركة ولو من باب الدفاع الخشن، وبالطبع أن إفرازات الحرب الإعلامية جاءت من منعطفات سياسية كثيرة تكتنف علاقة البلدين وإن تجملت بجمائل الدبلوماسية المطلوبة لبلدين تربطهما روابط مصيرية كالتي بين مصر والسودان، وظلت العلاقة بين البلدين متأرجحة حتى تاريخ قريب كحال العلاقة الدائمة بين البلدين، وعلى عهد الرئيس السيسي القريب شهدت العلاقات كثيرا من الانخفاض والارتفاع في مستوى التصعيد والتهدئة على حد سواء، هذا بغير العهود السابقة منذ عهد الرئيس عبد الناصر مروراً بالسادات وحسني مبارك، والرئيس محمد مرسي.
مصطلح ثابت
ظل مصطلح (القضايا العالقة) في التعاطي بين السودان ومصر ثابتاً في حديث الخبراء والإعلام والجانب الرسمي في السودان، وهذا المصطلح كفيل بأن يثبت بأن العلاقة بين البلدين بها بعض التعقيدات التي قد تمنع ازدهارها، وبذلك تطل قضية مثلث حلايب السوداني كالقضية الأبرز لذلك الخلاف وإن أُبعدت عن طاولة المباحثات الرسمية بين الجانبين باعتبارها من القضايا الخلافية طالما كان التواصل بين البلدين ضرورة وليس رفاهاً، وظل السودان متمسكاً بحقه في حلايب بتجديد الشكوى السودانية سنوياً بمجلس الأمن، بينما ظلت مصر تتحاشى التفاوض الرسمي بشأن حلايب أو اللجوء للتحكيم الدولي لحل الخلاف العالق، ومع ذلك ظلت العلاقات بين البلدين مستمرة.
قضايا عالقة
ظلت كثير من الدوائر الرسمية وغير الرسمية تشكو من وضع ملف العلاقات السودانية في حقائب المخابرات المصرية بدلاً من وزارة الخارجية الجهة المعنية بذلك، وتعضيداً لهذا القول رسمياً ما ذكرته وزيرة الدولة بالإعلام السابقة سناء حمد التي ذكرت في لقاء تلفزيوني سابق بأن الحكومة السودانية كثيراً ما طلبت من الحكومة المصرية إخراج ملف العلاقة بين البلدين من أدراج المخابرات حتى تكون العلاقة طبيعية، وفي هذا الاتجاه رأى المحلل السياسي، رئيس تحرير صحيفة “مصادر” عبد الماجد عبد الحميد أن الجانب المصري ظل على الدوام يتعاطى مع السودان عبر جهاز مخابراته مما أضر بالعلاقة بين البلدين، وقال عبد الماجد خلال حديثه لـ(الصيحة) إن المواثيق التي تكتب لن يكون لها معنى ما لم تراعَ أصل الخلافات بين البلدين، مع ابتعاد العمل الإعلامي عن يد المخابرات فيما يخص التعامل مع السودان، وأضاف بأن الإعلام المصري تخطى الخطوط الحمراء في التعامل مع السودان بالإساءة للشعب السوداني بعد أن تعود السودانيون على مهاجمة الإعلام المصري للحكومة وللرئيس السوداني. ولم يبدِ بعد الماجد عبد الحميد تفاؤلاً كبيراً بإحداث تغيير في علاقة البلدين قبل أن تحل القضايا العالقة خاصة قضية حلايب السودانية، مشدداً على أن الإعلام السوداني ليست له مشكلة مع مصر وأنه دائماً يتعامل بخيارات الدفاع، وزاد بأن ميثاق الشرف الإعلامي يحتاجه الإعلام المصري في التعامل مع السودان وليس العكس، وطالب عبد الماجد بتغيير شكل عقلية التعامل مع السودان من قبل الجانب المصري واحترام السودان وتاريخه وحل القضايا العلاقة حتى يستوي عود العلاقة بين البلدين.
تطور إيجابي
على المدى القريب في العلاقات السودانية المصرية تظل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسودان الشهر الماضي السمة الأبرز لتحسن العلاقة بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي استدعى تحرك نقابة الإعلامين المصريين لدعوة نظيرتها السودانية لتوقيع ميثاق شرف بين البلدين بالقاهرة خلال الأيام القادمة، ورأى الكاتب الصحافي فتح الرحمن النحاس أن توقيع ميثاق الشرف الإعلامي بين مصر والسودان انعكاس لزيارة الرئيس المصري الأخيرة للسودان، وزاد النحاس خلال حديثه لـ(الصيحة) بأن الإعلام المصري تخطى الخطوط الحمراء في التعامل مع السودان ورئيس السودان، وأن مصر وصلت لقناعة بضرورة تطبيع العلاقة مع السودان، مشدداً على أن توقيع ميثاق الشرف يعتبر أمراً إيجابياً، مطالباً بإعطاء الأمر حقه بكونه أكثر من حفل توقيع على ورق، وزاد النحاس بأن الجانب السوداني مضمون بالمضي في التهدئة بسبب أنه لم يكن يوماً بادئاً بالهجوم على الجانب المصري، وعن الضامن لتنفيذ الميثاق، قال النحاس إن الضامن هو الميثاق نفسه مع رعاية رئيسي البلدين له، مضيفاً بأن الإعلام ظل السلاح الأول في الحرب بين مصر والسودان.
مصفوفة كاملة
كثر الجدل حول جدوى الدعوة المصرية لتوقيع ميثاق الشرف الإعلامي بين البلدين، وعن ذلك يقول المحلل السياسي النور أحمد النور إن ميثاق الشرف الإعلامي بين البلدين يجب أن تسبقه إجراءات ضرورية لتطبيع العلاقات بين البلدين، وقال النور خلال حديثه مع (الصيحة) إن هنالك صورة ذهنية خطأ للطرفين السوداني والمصري تحتاج إلى تغيير، وإلى تنظيف الجرح قبل خياطته، وشكك النور في مدى الالتزام بتوقيع الميثاق ما لم يُجرَ حوار شفاف يسبق التوقيع على الميثاق، مطالباً بإجراء لقاء بين الإعلاميين في البلدين بمختلف تخصصاتهم وإجراء مراجعات كاملة تستصحب معها الشعب السوداني بمختلف مكوناته خاصة الشباب، وليس النخب فقط لتغيير الصورة المرسومة في أذهان السودانيين عن مصر، وشدد النور على أن الأمر يحتاج إلى مصفوفة عمل كاملة وليس لميثاق شرف فقط، مضيفاً أن الميثاق من الممكن أن يُوقع في نهاية الأمر ويكون فعالاً لتحسين العلاقة بين البلدين.
الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة.