يتم بالخرطوم اليوم، التوقيع على اتفاق قسمة السلطة والترتيبات الأمنية وشؤون الحكم، بين الأطراف المتصارعة والمتقاتلة في دولة جنوب السودان، وأنجز السودان ما تم تكليفه به في قمة (الإيقاد) الأخيرة في يونيو الماضي بأديس أبابا، وقد أُحيل للخرطوم أعقد ملفات التفاوض وأكثرها إثارة للخلاف، وهي القضايا الرئيسة التي تمثل عقدة السلام في جنوب السودان، ولم يذق هذا البلد بسببها نعيم السلام والاستقرار، وقد تم التوصل إلى الاتفاق في وقت وجيز للغاية لم يكن متصوراً نظراً للمواقف التي كانت متباعدة بين الفرقاء الجنوبيين، فقد تم خلال شهر ونصف الشهر تقريباً حسم كل ملفات الخلاف في قضايا الحكم وكيفية إدارة دولة الجنوب، وتم التوقيع من كل الأطراف على بروتكول الترتيبات الأمنية والعسكرية والوقف الفوري لإطلاق النار، ووقعت 85% من الفصائل الجنوبية على اتفاق قسمة السلطة والمشاركة السياسية، حيث تم اعتماد خمسة نواب للرئيس و (35) وزيراً في الحكومة الاتحادية عدا وزراء الدولة، وتمت إضافة (150) عضواً جديداً في البرلمان، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة الأخرى التي يتم فيها استيعاب عدد كبير من القيادات السياسية والتنفيذية وكوادر المعارضة.
> وبالتوقيع اليوم على الاتفاق يكون 90% من أزمة دولة جنوب السودان قد حلت، فما تبقى من ملفات في جولة نيروبي المقبلة تتعلق بقضايا العدالة الانتقالية والخدمة المدنية والقضاء وموضوعات الثروة والموارد وغيرها، وستكون لحظات التوقيع اليوم بالخرطوم علامة فارقة في تاريخ جنوب السودان وتوحيد إرادته السياسية وجمع شعبه وأهله وبناء السلام من جديد.
> لا تحتاج الخرطوم إلى إشادات أو ثناء، فما قامت به كان منطلقه عمق العلاقة الأخوية وخصوصيتها، وطبيعة الروابط التي تجمع السودانيين في بلد واحد لولا انفصال الجنوب عن الشمال، فواجب السودان أن يسهم بكل ما يملك في إطفاء نار الحرب في دولة الجنوب وتعويض أهله وشعبه سنوات القحط والدمار والموت والخراب، فهناك مسؤولية ملقاة على عاتق السودان جعلته يعمل ويجتهد بدأب وحرص كبيرين من أجل أن تتوج بالنجاح جهوده وجهود (الإيقاد) وكل الأطراف الأخرى التي وضعت ثقتها في الرئيس البشير لإحلال السلام وتحقيق الاستقرار بتعجل ما تيسر في هذه الدولة الوليدة.
> هذا الاتفاق الذي سيعقب التوقيع عليه البدء في تنفيذ ما اتفق عليه خلال أشهر معدودات ومعلومات، يجرى خلالها تدريب الجيش القومي الموحد للدولة وتطبيق عملية قسمة السلطة وتعيين نواب الرئيس والحكومة وحكام الولايات، وتنفيذ بقية الالتزامات الخاصة بالحكم الولائي والاتحادي.
حضور القادة من دول (الإيقاد) وممثلي الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، يؤكد أهمية الاتفاق ودور السودان في إبرام الاتفاقية والتوصل إليها بعد مخاض عسير، فالحكمة السودانية والمعرفة بجنوب السودان والتواصل معه حكومة ومعارضة والصبر على العنت وتباعد الخطى وتقريبها، كل ذلك كان هو المفتاح الذي قاد إلى خاتمة الأشواط حتى تمت ولادة الاتفاق، وهو اتفاق محل التزام كل الأطراف الجنوبية ويُحظى بدعم كامل من دول الإقليم والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ودول الترويكا وبقية الشركاء الدوليين.
> بعد توقيع اليوم، ستكون الكرة في ملعب الجنوبيين أنفسهم حكومةً ومعارضةً، وعليهم أن يثبتوا لشعبهم أنهم على قدر المسؤولية الوطنية في حجم التحدي الماثل أمامهم، فهم جميعاً أمام اختبار وامتحان حقيقي، ليس هناك اتفاق آخر أفضل، يمكن أن ينتشل دولة الجنوب من مستنقع الحرب سوى هذا الاتفاق الذي وجد ترحيباً ودعماً دولياً كبيراً لم يشهده أَي اتفاق سابق منذ عام 2013م، وعلى هؤلاء القادة أن يتحلوا بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية ويقودوا جميعاً بلدهم المنهك الممزق إلى ضفاف السلام والاستقرار، أو يواجهون محكمة الشعب والتاريخ، وهي محكمة لا ترحم أبداً.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة