في طريق عودتي أمس من (السنغال) بالخطوط الإثيوبية، لفت نظري أنّنا احتجنا لساعات طويلة لنعبر السودان من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وليس المساحة الشاسعة وحدها ما أثارني، بل الخُضرة المُمتدة في كل مكان، كنا تقريباً نمر فوق جنوب كردفان، بساط أخضر تشقه الينابيع والمَجاري المائية العذبة.. كُل هذا النّعيم هو الآن وحتى أجل غير مُسمّى، بدلاً من أن يكون منبع رفاهية تحوّل إلى ميدان حربٍ، وبدلاً من حقول زرع تحوّل إلى حقول ألغام، نزرع الموت بدل الحياة والرفاهية.. صدِّقوني نحن في حاجةٍ ماسةٍ وعاجلةٍ لمُراجعة ثوابتنا المُتخلِّفة.
دعوة صادقة لكم جميعاً، )رغم الجو الماطر والإعصار( كما يقول الشاعر نزار قباني إلا أنّ الأمل أقوى من اليأس.. ليس بحساب التفاؤل العاطفي، بل بالأرقام والحقائق المُجرّدة من الهوى.
صَحيحٌ نحن وطنٌ مأزومٌ من أخمص قدميه إلى قمة شعره.. وصحيحٌ أنّ كُل دُول العالم تَخَطّتنا بمراحل، وأننا نُعاني من حالة كوننا )الطيش مُشترك( مع إخوتنا في جنوب السودان.. رغم أنّ بلدينا من أوسع بلاد العالم ثراءً في الموارد الطبيعية.. لكن مع ذلك فالحقيقة أنّنا لا نحتاج إلا لإرادة – شعبية بل الرسمية – صادقةٍ لنُحوِّل الهزيمة من ستة/ صفر إلى مائة لصالحنا.. فقط ينقصنا الأمل، والحُلم، والعزيمة المُوجبة لتحقيق الحُلم.
نستطيع أن نصنع التّغيير بأسهل ما تيسّر، لا تقنطوا، رغم الحمل الثقيل والدمار الشامل لمُؤسّسات الوطن، إلا أنّ البذرة والنواة الخيِّرة مُتوفِّرة تماماً، لدينا أنبل إنسان وأفضل شَعبٍ مُسْتنيرٍ، وهما أغلى أصولنا وأول ما نحتاجه لتغيير الحال إلى الأفضل.
بالحساب – والحساب ولد – لا نحتاج لأكثر من عامٍ واحدٍ لنخرج من حيِّز دولةٍ مُتخلِّفةٍ فقيرةٍ مُتسوِّلةٍ إلى دولةٍ ناهضةٍ قادرةٍ محترمة إقليمياً ودولياً.. وأكرِّرها عام واحد فقط يزيح كل الخراب ويبني فوقه أساس النهضة المُترفة.
ومع ذلك، ورغم إيماني بسُهُولة تحقيق )الحُلُم السُّوداني( إلا أنّ العقبة الكؤود هي في الذين يؤمنون أنّ مصالحهم هي في بقاء الحال على مَا هُو عليه.. فالبعض يَرَى )الحُلُم السُّوداني( كابوسه الشخصي.. لا يقدر على إفساح الطريق نحو المُستقبل لأنّ مَصالحه الشخصية في الحاضر الأسيف لا في المُستقبل الوريف.!
أطردوا اليأس.. فالقُيُود التي تُكبِّلكم وهمية.. مَزروعة في القلوب الواجفة ولا وجود لها في الواقع والحقيقة..
ثقوا في أنفسكم.. أنتم أقوى!!
عثمان ميرغني – حديث المدينة