الكتاب المدرسي غياب بالمدارس .. حضور في الأسواق !!

حاج أحمد عبد القادر الحسن، عامل يوميات يقطن بالريف الشمالي محلية بحري، لديه أربعة أبناء يدرسون بمراحل مختلفة، ذهب برفقة أبنائه إلى السوق لا ليشتري لهم الزي المدرسي فذلك أمرٌ مفروغٌ منه، بل (دخل) سوق (أكبر الله) لكي يشتري الكتاب المدرسي الذي قالت وزارة التربية والتعليم أن توزيعه اكتمل تماماً.. حاج أحمد تفاجأ بأسعار خرافية للكتب، على سبيل المثال كتاب الكيمياء لابنه الذي يدرس بالصف الثالث الثانوي وجده بـ(90) جنيهاً، ومن هنا لك أن تتخيَّل الميزانية التي سيدفع هذا العامل البسيط لكُتُب أبنائه الأربعة، ناهيك عن الزي المدرسي ورسوم التسجيل ومصاريف الدراسة..!!

بين التصريحات وواقع الحال..!!

حاج أحمد عبد القادر الحسن ليس وحده ممن (يشيلون) همْ بداية العام الدراسي، بل إن أمثاله بمئات الآلاف من أولياء أمور كتبت عليهم المقادير أن يدفعوا كل شيء بدءاً بالكتاب المدرسي وختماً بـ(طباشير) المُعلِّم في سبيل تعليم أبنائهم بمدارس الحكومة وليس التعليم الخاص، فذلك أمره عجب..
وتقول المواطنة ” مفيدة أحمد” – ربة منزل أم لسبعة طلاب في مراحل مختلفة، – لـ(السوداني) إنَّ الكتاب المدرسي أصبح يباع في السوق مثل أي سلعة وعلى عينك يا تاجر، مؤكدة أن نقص الكتب بالمدارس الحكومية سبب لهم كأولياء أمور صداعاً مزمناً مع بداية كل عام دراسي مما يضطر ولي الأمر للجوء إلى السوق مجبراً حتى لا يحرم ابنه من حقه في الدراسة والتعليم لأن المدرسة توزِّع له الكتاب المدرسي وحتى لو تم ذلك فهنالك كتب يشترك خمسة تلاميذ في كتاب واحد، بل هنالك بعض المواد لا يتم توزيع كتب لها أصلاً، مع العلم أنه وفي كل عام تأتي تصريحات المسؤولين مُبشِّرة بتوفير الكتاب المدرسي، ولكن عندما تأتي على أرض الواقع تجد أن كل الأسر تضطر للشراء من الأسواق، والكارثة الحقيقية هي أنه ليس هنالك رقابة على الأسواق بمعنى أن كل تاجر يضع السعر بمزاجه والأسعار عبارة عن (نار منقد). وأضافت مفيدة قائله: إن هنالك بعض الأسر غير قادرة على شراء أزياء وأقلام لأبنائها، فكيف تستطيع شراء الكتب من الاسواق وهذا العبء يقع على عاتق الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم خصوصاً وأننا نتحدث عن تلاميذ يدرسون بالمدارس الحكومية بسبب الوضع الاقتصادي المُزري لأولياء أمور هؤلاء التلاميذ، واختتمت حديثها بعبارة: (لا نقول غير حسبي الله ونعم الوكيل).

تسريب الكتاب

وخلال جولة لـ(السوداني) بسوق الكتب المدرسية بالخرطوم لاحظت ارتفاع أسعار كل الكتب المدرسية مقارنة بالأعوام الماضية حيث لا يزيد سعر الكتاب عن ( 10) جنيهات حسبما قال لنا العاملون في هذا المجال، أما في هذا العام فأقل كتاب سعره ( 40) جنيهاً.
ومن خلال جولتنا بوسط الخرطوم التقينا بصاحب مكتبة الدلنج الحبر عبد الرحيم والذي يعمل بسوق الكتب منذ ثلاثة عشر عاماً، حيث قال إنهم في السابق كانوا يشترون الكتاب المدرسي الأساس والثانوي بمبالغ رمزية جداً لا تتعدى الثلاثة جنيهات للنسخة الواحدة، من أصحاب المطابع ويتم بيعها بما يتراوح بين (5 – 10) جنيهات، لكن الآن أقل كتاب بمبلغ (40) جنيهاً، معللاً سبب زيادة الأسعار للتكلفة العالية في الورق والطباعة، وكنا وقتها نضطر إلى الوقوف لمسافة من الزمن في صف المطابع، ولكن الآن الكتب المدرسية أصبحت تردُ إلى السوق بكميات كبيرة ولا حاجة لنا للانتظار في صف المطابع لأن الكتاب المدرسي يُعرض علينا في محلنا.

أسعار خُرافية

وبسؤالنا له عن أسعار الكتب لمرحلتي الأساس والثانوي قال الحبر إنَّ الكتاب المدرسي عموماً شهدت أسعاره زيادة تراوحت بين (100 إلى 300%)، واستدل بكتاب الأحياء للصف الثالث الثانوي حيث ارتفع سعره من (30) جنيهاً للعام الماضي إلى (90) جنيهاً هذا العام، أما كتاب العربي الصف الثالث اساس فبلغ سعره (40) جنيهاً بدلاً عن (15)جنيهاً، وكتاب الإنسان والكون الصف الخامس(45) جنيهاً، أيضاً كتاب الرياضيات بسعر(35) جنيهاً. أضاف الحبر أن هنالك زيادة كبيرة في أسعار المذكرات، حيث وصل سعر مذكرة الرائد إلى (100) جنيه بدلا عن (50) جنيهاً.

سؤال منطقي..

من ناحيته وصف موسى أحمد – صاحب مكتبة – زيادة اسعار الكتاب المدرسي هذا العام بغير المعقولة والتي هي فوق طاقة المواطن المطحون بغلاء المعيشة في كل شيء، موضحاً أن تكلفة كتب الطالب الواحد الذي يدرس بالمرحلة الثانوية تصل إلى قرابة الـ(400) جنيه، هذا خلاف الدفاتر والأقلام وكل مستلزمات المدارس.ز وتساءل الرجل ماهي مهمة الحكومة إذاً طالما أنها لا تساعد المواطن حتى في توفير الكتاب المدرسي بمدارس الحكومة؟؟ مشيراً إلى أن كتاب القرآن الكريم كان بمبلغ (3) جنيهات قبل أعوام بسيطة والآن صار بـ(30) جنيهاً.
وأضاف أن الدولة تريد القضاء على الأمية ولكن في ظل هذا الوضع الراهن سوف تنتشر الأمية وأغلب الطلاب سوف يضطرون للخروج من المدارس لأن التكلفة أصبحت غير معقولة ولا سيما أن هنالك أسراً متعففة وليس لديها القدرة على كل هذه التكاليف.
واشار موسى إلى أن صديقه لديه خمسة أبناء في مراحل مختلفة وعندما علم بتكلفة كل مستلزمات المدارس قام بإخراج اثنين منهم من المدرسة لأنه لا قدر على التكلفة العالية وخصوصاً أنه يعمل باليوميات. وقال : هنالك بعض الكتب في السوق ليس لديها علاقة بوزارة التربية والتعليم بمعنى أنها تطبع بدون رقابة، مشيراً إلى أن بها كمية من الأخطاء اللغوية. كما يجب على وزارة التربية والتعليم عمل تفتيش للكتب بالأسواق وخصوصاً الفريشة.

خبير تربوي

من جانبه تحدث لـ(السوداني) الخبير التربوي أستاذ محمد عبد الحفيظ ، وقال هنالك كمية كبيرة من الكتب المدرسية بمحلية جبل أولياء كما يقوم (الدفار) بتوزيعها على كل المدارس الحكومية، حيث قاموا بعمل اجتماع وكان من ضمن الحضور مسؤول توزيع الكتاب المدرسي، موضحاً ليس هنالك أزمة في الكتاب المدرسي ولا سيما أن العام الدراسي في بداياته وفي مقبل الأيام القادمة سوف يتم توزيع الكتب لكل المدارس سواء بمحلية الخرطوم أو بالمحليات الأخرى، زيادة أسعار الكتاب ليس لديه علاقة بزيادة الدولار ولكن اعتبره استغلال للوضع الراهن وخصوصاً كل الأسعار في زيادة، السوق حر وليس به رقابة والمشكلة أن الأسعار يومياً متغيرة، وأضاف محمد قائلاً إن المدارس الخاصة تشتري الكتب من السوق وليس لديها مطابع خاصة ومعظم الكتب تطبع داخل السودان.

المركز القومي للمناهج

من ناحيته قال مدير المركز القومي للمناهج أستاذ معاوية قشي لـ(السوداني) نحن كمركز قومي ليس لدينا علاقة بطباعة الكتاب المدرسي بل هذه
مسؤولية وزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم وهي من المفترض تطبع حسب الطلاب وتوفر الكتب بكل المدارس الحكومية. وقال إن دورهنا ينتهي بتوفير فصول الكتاب القابلة للطباعة كما تأتي إلينا وزارة التربية وتأخذ الفصول (بي دي أف) وتتعاقد مع المطابع، وزيادة أسعار الكتاب المدرسي ترجع لزيادة أسعار مدخلات الطباعة وارتفاع مرتبات الفنيين، وأيضاً متعلقة بالوضع الاقتصادي العام.أكد معاوية أنه ليس هنالك جهات تدعم الكتاب المدرسي مقارنة بالأمس.

إدارة تعليم الأساس

أخيراً تحدثنا إلى مدير تعليم الأساس بوزارة التربية بالخرطوم أستاذ محمد عبد القادر، فقال إنه لا يوجد نقص في الكتاب المدرسي. وزاد في حديثه لـ(السوداني) : لقد تم توزيع الكتاب المدرسي لمرحلتي الأساس والثانوي لكل المدارس قبل أسبوع من فتح المدارس، وتم تسليم الكتب لمطبعة ” آفاق” كل الإحصائيات التي تم جمعها نفذت، لكن قد تكون هنالك مشكلة إدارية أو في التوزيع وقد يكون في المخازن ولم توزع بعد، أضاف د. محمد بأنه تم توفير الكتاب المدرسي بنسبة (100%)، أما بالنسبة لأسعار الكتاب في السوق هذا ليس من اختصاصنا ولكن دورنا يكتمل في توفير الكتاب فقط.

تحقيق : ساجدة دفع الله
صحيفة السوداني.

Exit mobile version