إن الذين يتولون الشأن العام هم أهل تكليف فى الأساس ، لا يتجهون إتجاهاً محبطاً ، أو ينزعون بذرة أمل من نفوس تتطلع إلى حياة أفضل ، فيسود القلق والإكتئاب ، وتعم روح الفشل ، وإنما هم صناع حياة ، وزراع مستقبل ، فهم من يتقدم ولا يتأخر ، آخر من ينام وأول من يستيقظ ، فالمسئول سيدٌ للقوم بخدمتهم ، وخادمهم ومطيعٌ لهم قبل أن يطلب الطاعة منهم ، محققاً لرغباتهم المشروعة ، ومُجداً فى توفير إحتياجاتهم بلا منِّ ولا أذى ، بل يخدمهم بقلب مفتوح ، وعقلٍ مدرك لحدود الوظيفة ، وأنها تكليف وليست تشريفاً ، وأمانة يجب أن تُؤدى بحقها .
* فالذى تُسند إليه السياسية الإقتصادية ، واجبه أن يشجع الكل على الإنتاج ، ويبذل كل علومه وفنونه وخبرته ، وفوق ذلك معارف مستشاريه من الخبراء ، لترتقى الخدمات ، ويسهل على المرء مغالبة تكاليف الحياة ، وأن لا ينزع نحو إنخفاض المعنويات ، أو التردد فى تصحيح ما نسب إليه بالتحوير والتبديل ، ذلك لأن من يصمت وهو فى مثل هذا المقام ، هو فى حكم من يغطى عورة شائهة ، ويتستر على جرم عظيم ، ويستغشى بثيابه ، فى الوقت الذى فاحت فيه رائحة ما دسه وتستر عليه ، فملأت الأجواء وعمت الآفاق .
* وبثُ الأمل فى نفوس الجماهير ، هو من قبيل التفاؤل المطلوب ، والفعل المرغوب ، المصادم لمشاعر التشاؤم التى تلبسّت بعض الذين لا يعجبهم العجب ، ولا الصيام فى رجب ، وصفة التشاؤم والتخاذل إن إتصف بها قائد القوم ورائد الجماعة ، ومتولي المسئولية ، فالمصيبة عظيمة ، لأن فساد الرأى سيصبح هو الطاغى ، فيفسد الفعل تبعاً له ، وإذا بكى القائد ، وإنتحب ، وهو فى سدة القيادة لعجزٍ أصابه ، أو وهنٍ إعتراه ، لساد العويل والصراخ ، وهُزم الجمع وتشتت ، بسبب قيادة باكية ضعيفة ما كان لها أن تكون فى موقع مسئولية ، أو موضع إتخاذ قرار ، أو أن تكون فى هذا المقام .
* ولو كنت فى مكان وزير المالية ، لبشرت ببشارات أكثر من الذى صرّح به أمام البرلمان قبل أيام مضت ، ولأمرت بتوجيه ما يتوفر بالميزانية من إيرادات لرفع إنتاج الكهرباء إلى أضعاف كثيرة ، ولدعمت أسعارها لقطاعى الصناعة والزراعة ، لقناعتى بدورها الحاسم فى إزالة المعاناة برفع الإنتاج ووفرته ، وبأن التطور والرفاهية تحسب بمعدل إستهلاك الفرد من الكهرباء ، وإذا حدث ذلك ، فإن المصانع الصغيرة ستعمل بأقل تكلفة ، وأعلى طاقة ، والعامل سينتج من وحدته الإنتاجية الصغيرة الكثير ، والمَزارعُ سوف تتوسع ، وسيتضاعف الإنتاج الحيوانى ، ويزداد المحصول الغذائى من حبوب وفاكهة وخضروات وغيرها ، وهنا فإنك أخي وزير المالية ستتفرغ لمشاريع أخرى بعد أن تحل مصاعب الإنتاج وتزال ، وتحل مشاكل توفر الطاقة وتكلفتها ، فيتحول النّاس للتوسع فى أنشطة آخرى بعد أن إكتفوا ذاتياً ، ورفع عنهم رهق الحياة ، وقل شظفها ، وبان رخاؤها .
* ولو كنت وزيراً للنفط لما ترددت لحظة إلا وبعثت الخبراء ، ومن لديهم المعلومات ، ليجوبوا العالم ، ويعرضوا ما يتمتع به السودان من موارد نفطية لم تستثمر ، أو ينال أرضها التنقيب ، ولأبلغت هذه الرسالة لكبرى الشركات العاملة فى مجال الإستكشاف والإنتاج ، وأزلت تلك الصورة الشائهة التى يعمل من أجلها الأعداء لمنع السودان من إستغلال ثرواته ، وصدهم للأخرين عن الإستثمار فيه ، بحججٍ كاذبة ، وتُهمٍ واهية ، لا أساس لها ، بل مجرد إفتراءٍ شنيع .
* والتبشير بالإنتاج الوفير من النفط والغاز ، وغيرهما من مكنونات ثمينة ليس أمنيةً ، وإنما هو الواقع بعينه ، الذى أثبتته الدراسات ، وأكدته المسوحات ، ولكن الأمر ، يتطلب همة عالية ، وحركة دائبة ، وإرادة لا يقهرها ضيق ذات يدٍ ، أو تحديات تجاوزنا ما هو مثلها أو أكبر ، إذ تحقق على أيدينا نصرٌ ، وإنجاز فيما لو قسناه بواقِع ، لوجدنا أنه لا يقل عن ما يطلق عليه الإعجاز العظيم .
* ولا أرى ما يمنع أن يضع الوزراء التنفيذيون ، والخبراء الإستراتيجيون أهدافاً عظيمة ، تستحق أن تكون قادرة على بعث الأمل ، وتسريع الخطى بتكثيف الجهود لإستخراج خيرٍ ، وحصد محصولٍ ، لا يحتاج إلا لمن يحزم أمره ، ويحسم قراره ، ويتوكل على الله الذى لا يخذل مؤمناً ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، إن الله بالغ أمره .
* أما الذين يتأبطهم الإحباط ، ولا ينظرون إلا لوجه مظلم ، ومستقبل كالح ، ونتيجة صفرية ، فهؤلاء هم الذين يأخذون النّاس إلى طريق الموت المعنوي قبل المادي ، ولا يبعثون فيهم عناصر الحياة ، لأنهم لا يعلمون أننا أصحاب منهج يدعو إلى طاعة الله ورسوله ، ومطالبون بالإستجابة لما يحيينا ، وليس إلى الذى يقود خطانا نحو قتل الهمة ، وإهلاك الزرع والضرع ، ونشر الفقر ، بكلمات وخطابات ، صدرت من أفواه أحياء أموات ، لا يجوز لها أن تؤثر فى طوفان تدفقِ مسيرة قاصدة ، لأمة عظيمة ، تتكئ على تاريخ حافل ، وتتوسد إرثاً مجيداً ، وتتوجه نحو مستقبل بهىٍ مشرق ، وتروم مجداً تليداً ، وتناطح قمماً سامقة فى عالم لا يعترف بالضعفاء ، ولا يقيم وزناً أو إحتراماً إلا للأقوياء .
د. ربـيع عبـدالـعـاطـى عـبـيـد