منذ تعيينه في قيادة جهاز الأمن والمخابرات، لم يدلِ الفريق أول صلاح قوش بتصريحات مثل التي قالها أمس أمام الصحافيين في مقر هيئة الأمن الاقتصادي بالخرطوم التي قام فريق يتبع لها بتحقيق إنجاز كبير تستحق التهنئة عليه، بضبط كمية من الذهب كانت في طريقها للتهريب بلغت (245) كيلوجراماً تم تجميعها في الخرطوم ووضعها المهربون بدربة وتدبير وإخفاء فائق داخل هيكل سيارة (بوكس)، وبطريقة محكمة جداً ما كان لها أن تكتشف لولا يقظة الفريق الأمني الذي تابع لمدة شهرين تفاصيل هذه العملية المعقدة حتى تمكن من إحباطها وضبطها في منطقة الجيلي شمال الخرطوم في طريقها للخارج.
> مدير عام جهاز الأمن تناول قضايا الفساد والضرب بيد من حديد على المفسدين، وركز بشكل واضح جداً على قوة الإرادة السياسية للدولة وقيادتها في استرداد الأموال المنهوبة وتحقيق العدالة وتقديم كل المتورطين في قضايا الفساد إلى المحاكمة، وقال إنه لا رجعة أبداً للوراء ولا خشية في ذلك من شيء ولا من لومة لائم، وشدد بعبارات محددة ونبرة قوية أن كل من شملته الاتهامات وأجرم في حق الشعب السوداني ونهب المال العام أو استخدم نفوذاً أو تحايل على القوانين سينال جزاءه، وقطع بقوله: (لا وساطة ولا محسوبية ولا كبير على القانون، ولن نخشى أحداً، وكل من يتجاوز ستطوله أيدي العدالة، وسنجتهد في إعادة كل موارد الدولة التي أخذت بغير حق).
> وأشار قوش إلى الشبكات المنظمة التي تعمل على شراء الذهب وتهريبه وهو ما تسبب في شح السيولة النقدية، ولا بد من السيطرة على كل موارد الدولة ومنع التلاعب، وأن الجهاز يعمل على تنفيذ التوجيهات الرئاسية في ضبط الموارد الخاصة بالدولة وتوظيفها في القنوات الرسمية. ووردت إشارة في حديثه إلى ما يدور هذه الأيام من جدل حول رفع البرلمان الحصانة عن أحد أعضائه الموقفين، قائلاً: (نحن لسنا طرفاً في ما يدور بين النيابة والبرلمان، لقد قمنا بتمليك المعلومات للنيابة وهي تباشر مهامها) .
> لكن الأهم أن صلاح قوش تحدث لأول مرة حديثاً مفصلاً عن وحدة مكافحة الفساد التي كونها الجهاز (اُختير لها مقر بوسط الخرطوم شارع الجامعة في موقع شركة الجزيرة للتجارة والخدمات سابقاً)، ويناط بهذه الوحدة التحري والتحقيق والتقصي وجمع المعلومات حول كل شبهات الفساد، وجمع الأدلة والمستندات والبيانات وتقديمها للجهات العدلية لمحاكمة المتهمين، وتضم الوحدة كما قال قوش ممثلين من (ديوان المراجعة العامة، السلطة القضائية، الشرطة، ديوان النائب العام، الضرائب، الجمارك وبنك السودان)، وكل الجهات ذات الاختصاص، ولهذه الوحدة صلاحيات كبيرة، وينفذ الجهاز توجيهات رئيس الجمهورية بمحاربة الفساد دون إبطاء، وأشار قوش إلى قضية ذات أبعاد متعددة تحتاج بالفعل إلى تسليط الضوء عليها، وهي ضرورة تغيير وتعديل بعض القوانين الضعيفة غير الرادعة التي لا تحقق كامل العدالة ولا تبسط كامل سلطة الدولة ومؤسساتها في ملاحقة الجرائم الاقتصادية والتهريب وتخريب الاقتصاد.
> وهذه القضية مهمة للغاية، فهناك تعقيدات إجرائية وقصور في القوانين والتشريعات تغل يد الجهات التنفيذية وتتسبب في تأخير الحسم، أو يتم من خلالها الإفلات عن العقاب، فمثلاً حتى اللحظة هناك بطء شديد في محاكمة المتهمين أو المقبوض عليهم في ملفات فساد، سواء كان ذلك التأخير والتباطؤ من تحقيقات النيابة أو غيرها، فهو لا يتناسب مع ما تقوم به أجهزة الدولة وما تصرح به قيادة البلاد في تعرية أركان الفساد وملاحقة القطط السمان، وينبغي أن تكون القوانين كما قال الرجل رادعة وزاجرة حتى تتم مواجهة جرائم الفساد وقطع دابرها، فلو لم يتحقق ذلك ستكون كل خطوات الدولة مجرد أقوال لا تتبعها أفعال ناجزة وحازمة وحاسمة.
> وما كشفه مدير عام جهاز الأمن عن عمليات التهريب لموارد البلاد مثل الذهب والمحاصيل الزراعية النقدية وقوله إن 60% من إنتاجنا يهرب للخارج ويصدر من بعض البلدان في الجوار، هو أمر يستحق أن تنشط فيه الدولة بكل مكوناتها وأجهزتها ومؤسساتها للقضاء عليه، فمشكلة الاقتصاد الرئيسة اليوم هي التهريب، بجانب تهريب الإنتاج من المعادن والزراعة، فهناك جرائم منظمة وشبكات منظمة لتهريب السلع الضرورية المدعومة مثل الوقود ومشتقاته المختلفة والسكر والدقيق، فكثير من دول الجوار تصلها عبر التهريب هذه السلع التي نستوردها بشق الأنفس في توفير العملات الصعبة، ولا يمكن للدولة أن تقضي على التهريب إلا إذا نشط معها المجتمع كله، وتحركت وسائل الإعلام وتضافرت كل الجهود وتعاون الجميع، ولملمة أطراف الدولة لإنهاء هذه الظاهرة المدمرة للاقتصاد.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة