ضياء الدين بلال: قوش حرق الأصابع!

-1- أخيراً خَرَجَ الفريق أوَّل صلاح قوش إلى أجهزة الإعلام، بعد إنجازٍ مُستحقٍّ وفعلٍ كبيرٍ يُغني عن كُلِّ الأقوال.
245 كيلوغراماً من الذهب، كانت في طريقها للهروب إلى الجيوب الكبيرة، بعيداً عن القنوات الرسمية.
بلادٌ تُنتج ما يفوق الـ 100 طنِّ ذهب، ولا يدخل من كُلِّ ذلك إلى خزانة الدولة -اليابسة العجفاء- إلا القليل الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع.

الحدود مفتوحةٌ، والرَّقابة ضعيفة، وبعض الضمائر الخربة لا تُراعي للوطن إلَّا ولا ذمَّة، تُرَاكِمُ الثروات من أوجاع الفقراء والمساكين، وغمار الناس وملح الأرض.
في ساعات قليلة، استطاعت السلطات الأمنية بعملية نوعية، أن تُؤكِّد الكفاءة والاقتدار، بأن تُجهِضَ عملية تهريب 245 كيلوغراماً من الذهب، تُقارب ما يدخل حسابات بنك السودان خلال شهر، وهي الأكبر في سجلِّ الضَّبطيات.

-2-
إنها البداية الصحيحة لإصلاح الوضع الاقتصادي، وتعديل المائل وتحسين معاش الناس، وإيقاف النزف قبل الشروع في العلاج، وحرق أصابع المُخرِّبين والفاسدين.
البلد تمتلك موارد تكفيها وتفيض، ومع ذلك تُعاني الفقر والعوز وضيق الحال لأن ثرواتها منهوبة، وخير أرضها مُستباح ومواردها مهدرة.
لم أجدْ مُختصراً مُناسباً لوصف السياسة، أفضل من مقولة: (السياسة فنُّ تجنيب الشعوب المأساة).

لا تُوجد مأساةٌ أكبر من الفقر والحرمان من ضروريات الحياة: المأكل والمشرب والتعليم والعلاج، والضحك المُعافى.

المأساة أكبر، والفاجعة أعظم، إذا كان الفقرُ والحرمانُ مُرتبطَيْن بوجود إمكانيات وثروات زاخرة غير مُستغلَّة، أو مُهدرة في تجارب العبث ومشاريع الخراب وصفقات الفساد.

-3-

(النيل راقد مُمدَّد والذهب يبتسم تحت أقدام الفقراء).

لا تزال حسرةُ شاعرنا الراحل صلاح أحمد إبراهيم عالقةً على بوابة التاريخ:

النيل وخيرات الأرض هنالك.. ومع ذلك.. ومع ذلك!
قالها قوش بعبارات واضحة بلا غباش أو لجلجة: (لا محسوبية، وكُلُّ من يتجاوز القانون ستطاله أيدي العدالة، وسنجتهد في إعادة كُلِّ موارد الدولة التي أُخِذَتْ بغير حق، سنستمرُّ في مُحاربة الفساد الآخر الذي يستحوذ على موارد البلاد).

-4-
بنظرةٍ على قائمة المُحتجَزين قيد التحرِّي والتحقيق في قضايا فساد، سنكتشف جديَّة هذه الحرب التي لم يسلمْ منها حتى بعض القيادات في الدولة والحزب وأقاربهم.
قلناها سابقاً وسنُكرِّرها الآن:
حتى تُسهم الحكومة في ترسيخ ثقافة مُكافحة الفساد، وتنفي عنها شُبهة تصفية الحسابات السياسية، عبر سكِّين مُحاربة الفساد، ويجب أن يكون هذا التوجُّه توجُّهاً عاماً وشاملاً، لا حملات مُؤقَّتة بزمن، ومُحدَّدة بأشخاصٍ مُنتقين.
الفساد تمكَّنَ وقويَ وتحوَّلَ من تجاوزات أفرادٍ إلى عمل جماعي مُنظَّم، وذلك لضعف منظومة النزاهة في الدولة، لعدم وجود المُحاسبة الدقيقة والعقاب الرَّادع.

-5-

استمرار ضعف منظومة النزاهة وانخفاض مستوى الشفافية، هو ما يجعل بيئة الدولة السودانية حاضنةً جيِّدةً للقطط السمان وفئران الخراب.
الأهم من اصطياد القطط السمان، إغلاقُ منافذ الإمداد، التي تسمح بتسمين قططٍ أُخرى، ومحاربة الظاهرة في طورها الأوَّلي، قبل الوصول لمرحلة السُّمْنة والتمكين، وقبل أكل اللحم وشُرب اللبن وانكسار الإناء.
– مكرر –

أهل الصِّحة يقولون: الوقاية خير من العلاج، وأهل الإدارة يُقرِّرون: الحماية أجدى من العقاب، ولأهل المحروسة نصيحة راسخة: (حرِّص وما تخوِّن)، ولأهلنا حكمة ناجعة: (المال السايب بِعلِّم السرقة).

ضياء الدين بلال

Exit mobile version