قضينا يوم أمس في مدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية. فبرغم من أن الرحلة التي أخذتنا نحن ثلة من الصحافيين وقيادات إلى المدينة العريقة كانت تدشين لخط ملاحي جوي وتسيير رحلات مرتين في الأسبوع من شركتي تاركو والدندر للطيران ما بين الخرطوم ومطارات الولاية الشمالية بدءاً بمطار دنقلا، إلا أننا وجدنا سوانح للجلوس مع الوالي الشاب وزميلنا الصحافي الأستاذ ياسر يوسف إبراهيم وهو يبادر بتجربة سياسية مهمة وباهظة الكلفة له كوالٍ بعد سنوات قضاها في ملف الإعلام وزيراً للدولة، ومسؤولاً لسنوات عن هذا الملف الخطير، كما تعرفنا وعرفنا عن قرب ما يجري في الولاية الشمالية وتحسسنا همومها وقضاياها وتطلعات أهلها وبرنامج حكومتها وخطتها للنهوض وبلوغ الغايات الكبار ..
> وجدنا الوالي ياسر في غمرة نشاط دؤوب وعمل متصل مضنٍ، في ولاية ظلت تعاني من صورة مشوشة لدى كثير من الناس، وتشقى بالتحديات التي تواجهها، وبقدر ما كنّا كزملاء مشفقين على الأخ ياسر وكأنه قد ألقيَ به في وادٍ غير ذي زرع، إلا أن ما وجدنا من التفاف سياسي حوله وتفاهم كبير بين ومكونات الولاية السياسية والاجتماعية، وامتلاكه رؤية واضحة في كيفية الخروج بولايته الى بر آمن وأفق جديد، هو ما يطمئن القلب بقدرته وبقيادات الولاية وحكومتها لتحقيق قدر كبير من البرامج والأهداف التي تحدث عنها وعرضها في لقاء مع الصحافيين وفِي اللقاء الجماهيري احتفالاً بتدشين الخط الجوي .
> تواجه الولاية تحدياً كبيراً في كيفية استثمار الفرص المتاحة أمامها والاستفادة من معطياتها وميزاتها في مجال الزراعة، فهناك 12 مليون فدان صالحة للزراعة بينما المستغل منها فقط 350 ألف فدان وهي نسبة مئوية ضئيلة للغاية وجالبة للاستغراب، خاصة بعد تطور أساليب الري من ري تقليدي إلى ري حديث بعد كهربة المشاريع الزراعية عقب قيام سد مروي، كذلك لم تستفد الولاية من قدراتها ومواردها التعدينية خاصة الذهب والحديد والكوبالت ومعادن أخرى. فالتعدين التقليدي أو عمل شركات التعدين ظلت عائداته على الولاية منقوصة بالإضافة إلى انحسار التعدين نتيجة للآثار البيئية واستخدام المواد الكيمائية الضارة بالإنسان والحيوان والزرع والتربة ومصادر المياه، وهذا بالطبع يقتضي أن تتوجه الولاية إلى مضمار آمن في قطاع التعدين مع تطوير الإنتاج وفتح المجال أمام الاستثمارات .
> من أولويات الولاية، الاهتمام بالزراعة وترقية الإنتاج ليس على مستوى زيادة المساحة فقط، ونوعية الإنتاج كما تم مع شركة زادنا التي وقعت اتفاقاً باستصلاح ما يقارب نصف مليون فدان في إطار خطة الولاية بزراعة مليون فدان بحلول العام2020م، إنما بتطوير صادر الإنتاج الزراعي وفتح أسواق خارجية له ونقله عبر مطارات الولاية خاصة مطاري مروي ودنقلا وهناك خطة متكاملة وضعتها حكومة الولاية وبشرت بها ستنقل الشمالية نقلة اقتصادية واستثمارية كبيرة قد تكون واحدة من أهم الولايات بالبلاد في مجال الإنتاج الزراعي ..
> الروافع الأخرى للولاية إلى مراقي التطور هو ضرورة تقدمها في توفير الخدمات الضرورية والاحتياجات الرئيسة للمواطن خاصة في مجالات الصحة والتعليم والمياه النظيفة والتنمية الاجتماعية، خاصة أن الشمالية لا تعاني من مشكلات سياسية او تناحرات قبلية او حساسيات بين القيادات او تراخٍ في أوساط المجتمع .
> هناك صعوبات حقيقية لابد من تجاوزها مثل تعديل وسن الكثير التشريعات الولائية والاتحادية، وإزالة العوائق أمام انسياب التجارة البينية وعبر الحدود مع دولتي الجوار مصر وليبيا وجعل الميزان التجاري لصالح السودان، وبما أن مشكلة الكوادر المؤهلة في الخدمة المدنية هي مشكلة في كل السودان، فإيجاد كادر قادر هو مهمة لابد من استنجازها بسرعة مترافقة مع بقية البرامج والخطوات الأخرى .
> وجدنا دنقلا كما هي، آمنة مطمئنة، تستقبل ضيوفها في ود عميق وترحاب، فهي مدينة ناهضة بسرعة عمرانياً وخدمياً، تنتشر فيها بسرعة ملامح الحداثة، ففي كل ركن تجري عمليات النظافة والتجميل في إطار مشروع تجميل مدن الولاية التي بدأت تعم كل المدن، وهو مشروع انتظمت فيه كل شرائح المجتمع.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة