بين تحفظات للجماعة الصحفية بشأن الحد من حريات وحقوق المهنة، وبين أحاديث تأييد تشير إلى إيجابيات عدة حال إقراره بينها إنقاذ المؤسسات الصحفية التي تعاني أزمات مالية
يشهد مشروع قانون حكومي بمصر بشأن “تنظيم الصحافة والإعلام”، جدلا متسارعا بين تحفظات للجماعة الصحفية بشأن الحد من حريات وحقوق المهنة، وبين أحاديث تأييد تشير إلى إيجابيات عدة حال إقراره بينها إنقاذ المؤسسات الصحفية التي تعاني أزمات مالية.
وينظم مشروع القانون الذي وصفه مسؤول حكومي بأنه بـ”3 أرواح (أي 3 نصوص) كافة أوجه العمل الصحفي والإعلامي بالبلاد، ممثلا في 3 نصوص معنية بتنظيم شؤون “الهيئة الوطنية للصحافة” و”المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ” وكذلك تنظيم عمل الصحافة والإعلام بالبلاد.
وحاز المشروع بنسخه الثلاثة موافقة برلمانية مبدئية يومي 10 و11 يونيو/ حزيران الماضي، وأحيل لمجلس الدولة المعني بدراسة مدى دستوريته، وتحدث آنذاك رئيس المجلس على عبد العال ونواب عن إيجابيات كثيرة لهذا القانون.
في المقابل، تحركت الجماعة الصحفية بمصر معبرة عن مخاوفها من مواد محددة متعلقة بحريات وحقوق المهنة، في مقدمتها اعادة عقوبة الحبس للصحفيين.
وتصادفت الموافقة المبدئية على مشروع القانون مع ذكرى احتجاجات لنقابة الصحفيين عام 1995، في العاشر من يونيو/ حزيران آنذاك، على قانون صدر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كان يعزز من حبس الصحفيين، قبل أن تسهم الاحتجاجات النقابية في إلغائه.
وإذا تم إقرار مشروع القانون نهائيًا، سيتم إعادة تشكيل المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام ومجالس الصحف المملوكة للدولة، وفق تقارير صحفية.
ويختص المجلس الأعلى للإعلام وفقا لمشروع القانون بالترخيص والتصريح لجميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية، والمواقع الإلكترونية، فيما تختص الهيئة الوطنية للصحافة بالرقابة على أعمال كافة الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية، والمواقع الإلكترونية الصحفية المملوكة للدولة.
أما الهيئة الوطنية للإعلام فتختص بالرقابة على كافة الكيانات والمؤسسات والوسائل الإعلامية العامة، والمواقع الإلكترونية الاعلامية المملوكة للدولة.
** التحفظات
صدرت التحفظات والرفض ضد مشروع القانون، وفق بيانات صدرت من صحفيين بارزين في الفترة من 18 يونيو/ حزيران الماضي، وإلى 5 يوليو/تموز الجاري.
ومن أبرز المتحفظين، أعضاء مجلس النقابة الحالي جمال عبد الرحيم، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمود كامل، بخلاف أعضاء سابقين بالمجلس بينهم النقيب يحيي قلاش، ووكيلا النقابة السابقان محمد عبد القدوس، وخالد البلشي، بخلاف السياسي حمدين صباحي، وأحمد السيد النجار الرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام.
وتبلور هذا الرفض في تحفظ رسمي من قبل مجلس نقابة الصحفيين بمصر، في 20 يونيو/ حزيران الماضي، على عدد من مواد المشروع لم تكشف عنها، وإعلانه تقديم مقترحات بديلة.
والخميس الماضي، أعلن أبو السعود محمد، عضو مجلس نقابة للصحفيين استقالته احتجاجا على مشروع القانون، فيما دعا أعضاء آخرون بالمجلس لاجتماع طارئ ملوحين بالاستقالة.
ووصفت أغلب البيانات، القانون المحتمل بأنه “تغول على الحريات الصحفية”، و”سيطرة على صفحات منصات التواصل الاجتماعي”، و”اعتداء علي الدستور وردة واضحة عن الحريات الصحفية”، و”فتح لباب الهيمنة على العمل الصحفي”، مطالبة بإسقاط تلك المواد أو تعديلها.
ومن أبرز التحفظات على مواد بمشروع القانون:
– السيطرة على مجالس الإدارات والجمعيات العمومية للصحف المملوكة للدولة، بتقليل عدد المنتخبين ورفع عدد المعينين من خارجها، وعدم اتخاذ الأخيرة قرارات إلا بموافقة من هيئة الصحافة.
– تجاهل “المد الوجوبي” لسن المعاش للصحفيين إلى 65 عاما واستثناء من تراهم المؤسسات “خبرات نادرة”.
– يتحدث القانون الجديد عن إتاحة الفرصة أمام الصحفيين للحصول على المعلومات، لكنه لا يفرض أية عقوبات على من يمنع المعلومات عنهم.
– يتعامل القانون الجديد في معظم نصوصه مع المؤسسات القومية باعتبارها شركات هادفة للربح وهو الطريق الأمثل للاتجاه لخصخصة هذه المؤسسات.
– قانون نقابة الصحفيين يقصر عملية تأديب الصحفيين على النقابة فقط، إلا أن القانون الجديد منح المجلس الأعلى للإعلام حق توقيع عقوبات على الصحفيين، والحق في مراقبة وحجب ووقف الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها عن خمسة آلاف شخص.
– استخدام كلمات فضفاضة من نوعية بث الكراهية والتحريض وتهديد الديمقراطية والمواد الإباحية وغيرها مما قد تستخدم ضد الصحفيين.
– إعادة الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، بعدما تم إلغاؤه عام 2012.
– عدم عرض القانون على نقابة الصحفيين، ما يخالف الدستور الذي نص على “يؤخذ رأي النقابات المهنية في مشروعات القوانين المتعلقة بها”.
– فتح الباب أمام النيل من الصحافة القومية، بإعطاء حق إلغاء ودمج المؤسسات والإصدارات الصحفية.
** التأييد
انطلق التأييد من لحظة مناقشة البرلمان لمشاريع القوانين، لاسيما في صفوف البرلمانيين، وفق تقارير وتصريحات صحفية.
وآنذاك قال عمر مروان وزير مجلس النواب المصري، إن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام “يستهدف التنظيم المهني والمؤسسي (…) ويلبي استحقاقات دستورية”.
وأوضح في تصريحاتها أوردتها صحيفة الأهرام المملوكة للدولة أن القانون بـ “3 أرواح”، لافتا إلى أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون واحد، إلا أن لجنة الإعلام بمجلس النواب، قامت بتقسيم القانون لـ3 مشروعات قوانين، لتنظيم عمل كل تنظيم مؤسسي ومهني.
بدوره، قال صلاح حسب الله، المتحدث باسم البرلمان، إن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام “ترجمة حقيقية للإرادة السياسية لتعظيم حرية الرأي وتداول المعلومات، وباعتباره استحقاق دستوري واجب”.
كما أكد على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، أن “مشروع القانون تمت مناقشته بشكل موسع مع جميع الأطراف المعنيين، وليس به أي مواد سالبة للحرية”.
وأوضح كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة أن “مشرع القانون جاء مطابقًا لنصوص الدستور، وليس مخالفًا له”، نافيا وجود نصوص تؤدي إلى حبس الصحفيين.
وكشف أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، عن أن “مشروع القانون سيصدر خلال دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب بعد أن انتهى مجلس الدولة من مراجعته”، دون تحديد موعد.
وأشار إلى أن “نقابة الصحفيين قدمت إلى مجلس النواب ملاحظات بشأن مشروعات القوانين (لم يحددها)”، ووصفها بأنها “موضوعية”.
ورغم أن صحفيين بمصر يشكون خلال السنوات الأخيرة، من توقيفات طالت عشرات منهم، وحجبت عددا من المواقع الإلكترونية، إلا أن السلطات المصرية دائما ما تتحدث عن دعمها للحريات وسيادة القانون.
ولم تستجب الرئاسة المصرية، لمطلب بارز رفعته نقابة الصحفيين بإقالة وزير الداخلية في أعقاب تدخل الشرطة للقبض على صحفيين من مقر النقابة (وسط القاهرة) عام 2016، من داخل المقر في سابقة تاريخية اعتبرتها النقابة وقتها “اقتحاما” وسط نفي أمني متكرر.
الاناضول