ويمضي محمود محمد طه في تخليطه وحياكة المرقع من نظريته المتعددة الألوان والمشارب فهو يأخذ من نظرية دارون ليخلط بينها وبين نظرية الإنسان الكامل، وتارة أخرى يضيف إليها شيئاً من العقيدة البهائية، وأخرى يضيف إليها من نظرية ماركس، وهكذا ظناً منه أن ذلك التخليط سيعطي تخريفاته مشروعية لدى معتنقي تلك العقائد والنظريات البائرة.
ثم في هذا المقال نعرض إلى تأثر محمود بابن عربي والحلاج اللذين أقحما نظرية وحدة الوجود والحلول والإنسان الكامل في تخليطهما وأثرا على كثير من الاتباع بمن فيهم محمود محمد طه الذي خلط كل هذه الآراء وأتى بضلاله الكبير الذي نصب به نفسه رسولا بل إلهاً .
أفتأ أذكر ابنته أسماء أنها ستدخل التاريخ بل وتدخل الجنة إن شاء الله إن كررت تمرد ابي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل على والده، سيما وقد رأت بعينيها ما أسقط معتقدها في نبوته حين اعترفت بخيبة أملها في ادعاءاته ورأت كذب ما ظل يهرف به حين سقط مجندلا كما حدث لمسيلمة الكذاب.
أترككم مع د.الباقر ليفند بعضا من أراجيف ذلك الكذاب الأشر في الأسطر التالية:
نظرية الإنسان الكامل بين الحلاج وابن عربي (1-2)
الحلاج هو أبو المغيث الحسين بن منصور المعروف بالحلاج الصوفي المشهور توفي 309هـ، وقد اختلف العلماء في أمره فمنهم من عده حلولياً ومنهم من اعتذر عن أقواله التي صدرت عنه، أما ابن عربي فهو أبوبكر محمد بن محمد بن علي الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بمحيي الدين توفي 638هـ، والناس بالنسبة لابن عربي ثلاث فئات: فئة مكفرة له لمخالفته للشرع وفئة غلت فيه واعتقدت في ولايته غير أنها تحرم كتبه وفئة ازدادت غلواً في أمره حيث عدته من أكابر الأولياء وأفاضل المجتهدين.
وأهل السنة والجماعة يشكلون الفئة الأولى حيث يرون أن ابن عربي انحرف عن الدين وجاءت أقواله في “وحدة الوجود” مخالفة لعقيدة المسلمين.
مصطلح “الإنسان الكامل” والذي بلغ غايته على يد ابن عربي ومن بعده تلميذه عبد الكريم الجيلي توفي 805هـ هو عند ابن عربي: “المختصر الشريف والكون الجامع لكل حقائق الوجود الحقية والخلقية”. وإذا كانت نظرية “الإنسان الكامل” قد اكتمل نموها على يد ابن عربي إلا أن صيحة “الحلاج” المشهورة “أنا الحق” والتي جمع فيها خلاصة مذهبه كانت هي المقدمة المباشرة لهذه النظرية كما سيأتي بيانه. وصيحة الحلاج “أنا الحق” والتي انطلقت منها أخطر نظرية في الحقل الإسلامي كانت بمثابة ثغرة في الوسط الإسلامي لن يسدها إلا رأس الحلاج كما قال أبو القاسم الجنيد أمام طائفة الصوفية والذي توفي 297هـ، ويقول بعض الباحثين إن الثغرة قد فتحت بالفعل غير أن رأس الحلاج لم يسدها بل أن إمكانية التعبير عن هذه الفكرة قد تفتحت أكثر بعد الحلاج لتبلغ الذروة. لدى ابن عربي الذي يقول مقرراً مذهبه في “وحدة الوجود” و”الإنسان الكامل”: “فما أنت هو، بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا” ويقول: “فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا” ويقول أيضا “فيحمدني وأحمده ويعبدني وأعبده”.
ولما كانت “أنا الحق” التي نطق بها الحلاج، قد أحدثت صدمة قوية في الوسط الإسلامي في ذلك الوقت، فإن هذه العبارة المشهورة لم تترك دون بحث وتحليل بل أقول: إن الآراء تباينت حولها.. هل كانت صيحة جذب، فني صاحبها عما سوى الله، في لحظة وجد وسكر صوفي، فلم يستشعر في الوجود سوى الله – سبحانه وتعالى – كما كان حال سلفه أبي يزيد البسطامي المتوفي سنة 261هـ والذي كان صاحب غيبة وشطحات صوفية غريبة، من مثل قوله سبحاني!! أم ان الحلاج يعبر بصيحته “أنا الحق” عن اتجاه حلولي يؤمن بحلول الخالق في المخلوق، كما تؤمن النصارى بحلول الله – سبحانه وتعالى – في المسيح عليه السلام، أقول اختلف الباحثون حول هذه المسألة ولاختلافهم ما يبرره، ذلك أن أقوال الحلاج وأحواله تضطرب بين الاتجاهين.. فمن اعتذر للحلاج وعد قوله “أنا الحق” صيحة وجد وجذب صوفي، نظر في أقواله وأحواله التي تفيد نفيه لأي شكل من اشكال الحلول، ومنها – على سبيل المثال لا الحصر – قوله الذي نقله أحمد بن فاتك: “من ظن أن الإلهية تمتزج بالبشرية او البشرية تمتزج بالإلهية فقد كفر”، ولعل هذه المقولة وغيرها هي التي دعت القاضي ابن سريج ت 306هـ إلى التوقف عن الحكم بكفره حين طلب منه الواسطي ان يفتيه في شأن الحلاج. اما الإمام الغزالي ت 505 هـ فانه يعتقد أن أمثال الحلاج قد وقعوا فيما حمل منهم على أحوال الأولياء الشاغلة عن التحفظ في المقال، فقال بعضهم “سبحاني” وقال الآخر “ما أعظم شأني” وقال الحلاج “أنا الله” و”مافي الجبة إلا الله” وقد عدهم البعض سكارى وقال “مجالس السكارى تطوى ولا تحكى”.
وإذا كان الغزالي قد اعتذر عن الحلاج وغيره بسكرهم الذي وقع دونه سلطان عقولهم، فإن الحلاج لم ينج من سخط المسلمين وثورتهم عليه واتهامهم إياه بالكفر والزندقة وذلك يعود الى أقواله التي توحي بذلك ومنها:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
وقوله:
سبحان من أظهر ناسوته
سرسنى لاهوته الثاقب
وقوله:
مزجت روحك في روحي
كما تمزج الخمر بالماء الزلال
والحلاج الذي لا يزال مادة حية لدراسة الباحثين من المحدثين فهو لا يزال ايضا موضع اختلافهم كما كان الحال بالنسبة لسلفهم. واعتقاد الحلاج هذا يتصل بنظريته في “النور المحمدي” أو بتعبير آخر “الحقيقة المحمدية”. تلك النظرية التي يرى فيها الحلاج ان شخص النبي صلى الله عليه وسلم ليس سوى المظهر لهذه “الحقيقة المحمدية” التي تجلت فيه وفي غيره من الرسل والأنبياء والأولياء. يقول الحلاج – فيما نسب اليه – عن “النور المحمدي” وعلاقته بأنوار النبوة” من نوره برزت وأنوارهم من نوره ظهرت الى ان يقول همته سبقت الهمم ووجوده سبق العدم واسمه سبق القلم لأنه كان قبل الأمم”.
ويلاحظ ان هذه النظرية تشير إلى أن أول شئ خلقه الله تعالى “الروح المحمدي” أو “النور المحمدي” الذي ظهر بصورة آدم ثم بصورة كل نبي بعده.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة