بين حادث شارع النيل وتجَّار الحركة الشعبية

سعدتُ لقيام النائب العام مولانا عمر أحمد محمد بإصدار توجيه للنيابة المختصة بالإسراع بالتحقيق في وفاة الشاب سامر عبد الرحمن، كذلك فقد أحسنت وزارة الداخلية صُنعاً باعتقالها دورية الشرطة التي تسبّبت في الحادث وليتها فعلت ذلك قبل أن تضج الأسافير بذلك التصريح الصادم الصادر من ناطق الشرطة الذي قال إن (المشتبه فيه معروف لدى دوائر الشرطة ورفض الانصياع لتوجيهاتها بالتوقّف وهو يقود عربة مظللة وبرفقته امرأة)، ثم أضاف أن الشرطة (اضطرت) إلى إطلاق الرصاص على المشتبه فيه (لتعطيله إلا أنه توفي أثناء إسعافه للمستشفى)!

أقول متحسِّراً: (بالله ده كلام ده)؟!

هل يُعقل أن يُدلي قائد شرطي في رتبة لواء بهذا التصريح بدون أن يطرف له جفن، رغم أنه يعلم يقيناً أن المجموعة الشرطية التي قتلت ذلك الشاب ارتكبت جريمة شنعاء بالمخالفة للقانون، وأنه لا يوجد أدنى سبب (يضطرها) لقتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحق.. نفس عظَّم خالقها حرمتها حين حكم بأن من يقتلها ظلماً فكأنما قتل الناس جميعاً؟!

لطالما وقفنا مع الشرطة، وأشدنا بأدوارها المشرفة، وهي تحفظ الأمن في بلد مبتلى بالتمرّدات والحروب، وتكشف عن أخطر الجرائم في أوقات قياسية، ولكن ما حدث ينبغي أن يجعلنا نطلب تحقيقاً واسعاً يتجاوز الواقعة إلى قضية استخدام السلاح بل وضبط التصريحات الصادرة عن الناطقين باسم الشرطة.

ما الذي يجعل الناطق باسم الشرطة يتعامل بهذه الدرجة من الاستخفاف بحياة إنسان من لحم ودم ويتقمّص سلطة القاضي ليُصدر حُكماً (قضائياً) يدين به الشاب القتيل ويُبرّر مصرعه قبل التبيُّن والتحري؟!

هل ما ذكره ناطق الشرطة يوقع على الشاب حكم الإعدام بالرصاص الحي، ثم ألا يكفي ما حدث له من ظلم فادح أودى بحياته لكي يُضاف إلى ذلك تشويه لسمعته واستعداء لأسرته بعبارة: (المشتبه فيه معروف لدى الدوائر الشرطية) بما يُلمّح إلى أنه (صاحب سوابق)؟!

أقول مرة أخرى إن اعتقال دورية الشرطة المتسبّبة في الحادث أمر محمود ذلك أنها ارتُكبت جُرماً شنيعاً بإطلاقها النار بصورة عشوائية يحرمها القانون، ولا يفوتني

أن أعزِّي أسرة الشاب سامر، داعيًا الله أن يتغمّده برحمته ويُلهمها الصبر على مصابها الجلل.

رغم ذلك لا يفوتني أن أُعبِّر عن دهشتي للبيانات المُلتهبة التي أصدرها المتمرّدون الذين لا يتورّعون عن الاصطياد في الماء العكر، وأقول للحركة الشعبية التي أصدرت بياناً يُدين الحادث أن فاقد الشيء لا يًعطيه فليستحوا وليصمتوا، ذلك أن من ولغ في الدماء حتى شبع وروّع شعبه وأنهك وطنه بالحروب والصراع والقتل عبر مسيرة مُترعة بالدماء والدموع لا يًحق له أن يحشر أنفه في ما لا يعنيه.

انظروا بالله عليكم إلى درجة (الاستهبال) والمتاجرة السياسية بالأزمات، إذ يقول ناطقهم الرسمي المدعو مبارك أردول صاحب فضيحة التسجيل الصوتي المسرّب الذي كشف خداعهم للسيد الصادق المهدي وقوى نداء السودان وتحالفهم الاستراتيجي مع المتمرد عبد الواحد محمد نور، يقول أردول (إن الحركة الشعبية ستعمل مع الأسرة وكافة المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية العاملة في مجال حقوق الإنسان لضمان معاقبة الجناة ومنع تكرار هذه الجريمة حتى ينعم الشعب السوداني بالأمن والأمان)!

هل رأيتم تطاولاً وقلّة حياء مثل هذه أيها الناس؟!

جريمة ارتكبها بعض رجال الشرطة وتم اعتقالهم لإخضاعهم للمساءلة القانونية كما يحدًث مع غيرها من الجرائم .. ما الذي يجعل الحركة تلطُم الخدود وتشُق الجيوب وتتبنى الواقعة وتُهدد بإحالتها إلى (المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية)، كما لو كان الشاب القتيل ولد مصاص الدماء مالك عقار ؟!

هل نسيتُم أيها الرفاق عمليات التقتيل والتخريب والتدمير التي مارستمُوها ضد شعبكم وبلادكم على امتداد سنوات تمرّدكم اللعين منذ التحاقكم بالهالك قرنق في منتصف ثمانينيات القرن الماضي؟!

هل أذكّر بما فعله مالك عقار الذي انضم إليها بعد أن طُرد من وظيفته في بداية ثمانينيات القرن الماضي كأمين مخزن في شركة ملينيوم الإنجليزية بالدمازين بعد أن سرق المخازن التي أؤتمن عليها، أم أذكّر بجرائمه الكثيرة بما في ذلك قتله للعميد الهندي أحمد خليفة لا لسبب إلا لأنه احتج على سرقته لمليون دولار تبرع بها القس الأمريكي فرانك غراهام لأغراض الإغاثة؟! يضيق المجال الآن عن الاستطراد في تفاصيل الواقعة، وفي غيرها وفي جرائم عرمان التي سارت بها الركبان.

الاختشوا ماتوا أيها الرفاق، فذاكرتنا لم تنس جرائمكم، ولن نسمح لكم بمخادعة شعبنا ما بقي فينا عرق ينبض.

ثم بأية صفة يتحدّث هؤلاء الأشرار بعد أن طُردوا من قطاع الشمال وجُرّدوا من قوتهم المتمثلة في الجيش الشعبي جراء الانقلاب الذي قام به عبد العزيز الحلو عبر مجلس تحرير جبال النوبة؟!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version