لائحة حظر دولية .. ساسة السودان .. حكايات الأراضي (المحرمة)

حين رفضت (المحروسة) فتح أبوابها لإمام الأنصار الصادق المهدي، يوم (السبت)، وتركته قرابة (10) ساعات منتظراً في مطار القاهرة الدولي، كان الأمر يبدو مدهشاً لدى كثيرين، لكون القاهرة جعلت من أراضيها مستقراً ومستودعاً للساسة السودانيين. ولكن من جديد فرضت (المصالح) كلمتها وهذه المرة في صالح الحكومة السودانية وعلى عكس ما تشتهي أشرعة المعارضة.

السعودية على الخط

منعت المملكة العربية السعودية قيادات الصف الأول من كيان الإخوان المسلمين بالسودان في عام 1978 من دخول أراضيها وذلك عقب احتلال جهيمان العتيبي للحرم المكي الشريف في ذات العام، إبان ولاية الملك خالد بن عبد العزيز. وتم منع قيادات إخوانية مثل مراقب الإخوان الأسبق صادق عبدالله عبد الماجد و د. حسن عبد الله الترابي من دخول المملكة العربية السعودية باعتبار أن العتيبي محسوب على الإخوان، ولكن في وقت لاحق سمحت السلطات للقيادات الإخوانية السودانية بالحج.

منع الترابي

منع د. حسن عبدالله الترابي أيضًا من دخول القاهرة في أغسطس من العام 2011 حين وصل إليها قادمًا من تركيا إلا أنه اصطدم بوجود اسمه ضمن قائمة الممنوعين من دخول الأراضي المصرية، ولكن لم يطل انتظاره حيث انخرط في حوار مع قادة المخابرات المصرية وقتئذ انتهى برفع اسمه من قائمة الحظر وسمح له بالدخول بعد ذلك.

تشاد تمنع

كذلك تعرض زعيم حركة العدل والمساواة د.خليل إبراهيم للإبعاد في مايو من العام 2010 وذلك عقب رفضه توقيع اتفاقية الدوحة لسلام دارفور عندما عاد لمقر إقامته بإنجمينا. غير أنه فوجيء بالأمن التشادي يصادر جوازه وأوراق سفر ويحتجزه ويأمره بمغادرة انجمينا إلى طرابلس التي وصل اليها مضطراً حيث وضعه القذافي قيد الإقامة الجبرية وبقي فيها حتى سقوط نظام الأخير.

عنف دبلوماسي

قال الصحفي والمحلل السياسي، عبد الله آدم خاطر، في حديثه لـ (الصيحة) إن إبعاد السياسيين من دخول الأراضي التي يريدونها يدخل من باب العنف الدبلوماسي الذي مورس على سياسيين سودانيين مضيفا بأن هذا الأمر ليس بمدهش على الإطلاق في دنيا السياسة مضيفاً بأن هناك كثيرًا من الحالات السياسية حدثت في الماضي وآخرها إبعاد الإمام الصادق المهدي من القاهرة مضيفاً بأن إبعاد المهدي الأخير لن يؤثر كثيرًا على الرغم من أن إمام الأنصار لا يمثل نفسه فقط بل يمثل شعب السودان ويمثل رأيه جزءًا من الحداثة السودانية كما يمثل رأيه جزءًا من العالم الإسلامي.

مسائل وقتية

ووصف خاطر الإبعاد بالشيء الوقتي لأن السياسي يمكنه أن يتحول من خانة المعارضة إلى الحكومة عن طريق التفاوض وبالتالي الإبعاد من المطارات يعتبر مسألة وقتية لتأكيد شيء متغير في اللعبة السياسية. ونفى خاطر أن يكون إبعاد السياسيين قائمًا على المصلحة الوقتية التي تجنيها الحكومات المبعدة للسياسيين. مضيفاً بإن الإبعاد يمكن أن يكون من الدلائل على العلاقة الخاصة بين المبعد والدولة المبعدة وهو ما حدث للإمام الصادق الأول من أمس في مصر مذكراً بقصة سيدنا يوسف عندما وضع صواع الملك في رحل أخيه ولم يكن يقصد من الفعل إيذاء أخيه بقدر ما كان يريد أن يلفت نظر إخوته ويذكرهم بحادثة بعينها فكانت لحظة لتجاوز أزمة وهو ما يحدث بين الساسة والدولة المبعدين عنها حيث يتجاوزون تلك اللحظات.

رسائل خاصة

وعما إذا كان الإبعاد من المطارات للسياسيين قصد منه توصيل رسالة لحكومات هؤلاء السياسيين، أجاب خاطر بأنه يمكن أن يفهم منه ذلك حتى توصل لهؤلاء السياسيين بأنها قد كونت علاقات مع حكوماتهم وعليهم أن يستفيدوا من هذه العلاقة التي بنيت مع هذه الدول بالشكل الذي يرونه مناسباً.

تكتيكات سياسية

عن تعامل السياسي مع الدول المبعدة حال وصوله للسلطة قال خاطر بأن هذا يتوقف على شخصية السياسي نفسها مدللًا بشارل ديجول الذي لم يستطع أن ينسي لبريطانيا تعاملها السييء بحقه في الحرب العالمية الثانية وعندما أصبح رئيسًا لفرنسا منع بريطانيا أن تكون جزءًا من السوق الأوربية المشتركة.

ولكن بالنسبة للصادق المهدي فأنه لن يتأثر كثيرًا بالحادثة فهو يعرف العلاقة التي تربط بين شطري وادي النيل مضيفًا بأن الإمام الصادق بشخصيته المتسامحة يعرف أن ما حدث بمطار القاهرة ما هو إلا سحابة صيف. مضيفًا بأن الإبعاد من المطارات للسياسيين هو من التكتيكات السياسية وهو ليس من إستراتيجيات السياسة.

تبادل منافع

وأشار المحلل السياسي آدم محمد أحمد في حديثه لـ (الصيحة) بأن إبعاد الحكام من دخول مطارات دول أخرى يمثل مصالح الحكام مضيفًا بأن دول العالم الثالث درجت على التضييق على المعارضين خاصة أن معظم هذه الحكومات دكتاتورية.

ويرى أحمد أن بين رؤساء هذه الدول تفاهمات وتبادل مصالح بما يخدم أجندتهم موضحاً بأن السياسيين المبعدين غالبًا ما يكونون دعاة للديمقراطية لذلك فأنهم لا يحملون ضغينة على الدول التي أبعدتهم إذا وصلوا للسلطة يوما خاصة أنهم يأتون محمولين على أكف نظام ديمقراطي يكون الرأي فيه للشعب وليس للحكام.

مختتماً حديثه بأن إبعاد السياسيين من دخول البلاد التي يريدونها يأتي في إطار تبادل المنافع بين الحكومات بحيث ترفض معارضيي لأرفض معارضيك.

الخرطوم : نجاة إدريس
صحيفة الصيحة.

Exit mobile version