-1- التقيتُ خلال الأسبوع الماضي، بدكتور مأمون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم.. كان ذلك عقب انتهاء اجتماع مجلس أمناء مستشفى جعفر بن عوف.
الحقُّ يُقال، الدكتور علي عربي يفعل الكثير المُستحقّ للإشادة والتكريم في مستشفى جعفر بن عوف، بعد أن أصبح أوَّل مستشفى مرجعي للأطفال في السودان.
-2-
المُهم، دكتور حميدة غاضبٌ وحانقٌ على الصحافة، وكلما جمعتني به الصدفة يُبادرني بالهجوم والانتقاد.. أُجادله كثيراً وأصمت أحياناً لاعتبارات.
في كُلِّ مرَّة أجده يُركِّز على نقطة واحدة: الصحافة تتعامل مع وزارته بصورة عدائية، لا تخلو من الترصُّد والتربُّص، وقال إن أكبر دليلٍ على ذلك، استغلال ما حدث في مستشفى بحري ضد كُلِّ ما أنجزه في الولاية.
ختم حديثه معي، وهو يتجه إلى عربته وفي وجهه بقايا غضب: (أنا حامشي من الوزارة دي، لكن حيجي يوم تندموا على مغادرتي).
-3-
قلتُ لدكتور مأمون: نعم أنت بذلتَ جهداً مُقدَّراً لتطوير الحقل الطبي بالولاية من خلال نقل الخدمات الصحية من المركز إلى الأطراف، وجعْل الخدمة الطبية في متناول من يحتاج إليها في أقرب مكانٍ وبأسرع وقت، بعيداً عن رهق المواصلات وزحام مراكز المدن الثلاث .
هذا لا يعني عدم وجود قصورٍ وخلل في المُستشفيات الحكومية، وواجب الصحافة عكسه وتسليط الضوء عليه، وما قام به المواطن الصحفي بمُستشفى بحري، كان يستحقُّ عليه الشُّكر والثناء، لا التهديد بفتح بلاغٍ والتشكيك في نواياه.
-4-
وزارة الصحة بالولاية، إذا كانت لا تملك من الشجاعة ما يجعلها تشكر المواطن، وتُثني عليه لمساعدتها في كشف الأوضاع المُزرية للمستشفى في ساعة التصوير فترة العيد، كان عليها أن تخرج للرأي العام الذي تفاعل مع الصور بتصريحٍ مُقتضب: (سنُحقِّقُ في الأمر، وسنُملِّكُكم نتائج التحقيق).
أما التصريحات التي أدلى بها مدير عام الوزارة، كانت تفتقد للحكمة والحصافة والأخلاق المهنية، وقبل ذلك للمنطق والصدق.
-5-
التهديد بفتح بلاغٍ في مواطن بحري، ترتَّب عليه رد فعلٍ واسعٍ في بعض مُدن السودان، عبر تصوير واقع المُستشفيات، وانتقل مؤشر القضية من مُحاكمة المُواطن لمُحاكمة المنظومة الطبية في البلاد .
بعد كُلِّ تلك الخسائر التي أنتجها أوَّل رد فعل رسمي للوزارة، والتعامل الأخرق مع الحدث، عادت الوزارة للطريق الصحيح، بإيقاف مدير المستشفى والتحقيق في الوقائع والكفِّ عن تحريك إجراءات قانونية ضد صاحب الصور، واعتراف مدير عام الوزارة في حواره مع (السوداني) بخطأ بقاء الجثة بين المرضى لساعات طوال.
-6-
قلتُ لدكتور مأمون: لا يكفي بناء المستشفيات والتوسُّع في تقديم الخدمات الصحية، فلا بدَّ من تفعيل المراقبة والمتابعة وتحكيم الجودة وتسديد فواتير الأخطاء.
لماذا لا تُفعَّل كاميرات المراقبة في كُلِّ المرافق الصحية بحيث يسهل الوقوف على الأخطاء في طورها الأوَّلي، قبل أن تتحوَّل إلى فضائح وتفوح الروائح، وحتى لا يكون هناك جدلٌ مثل الاختلاف في تحديد عددٍ ساعات بقاء جثة بين المرضى.
-7-
أتَّفق مع دكتور مأمون، على أن جزءاً مُهمَّاً من أزمة مرافقنا الصحية سلوك بعض المواطنين وتعاملهم غير الحضاري مع تلك المرافق، لكنَّ من واجب جهات الاختصاص تقديم القُدوة في الاهتمام بالمريض وبيئته العلاجية، فإذا وجد المواطن وضعاً أمثل من حيث العناية بالمرضى وبيئة المستشفى، سيُفكِّر ألف مرَّة قبل أن يُفسد ذلك بسلوك غير حضاري أو بتصرُّف طائش مثل الاعتداء على الأطباء أو على معدات المستشفى، كما فعل مريض السكري.
-أخيراً –
المباني لا تُغني عن المعاني، والعلاج لا يُغني عن الإحساس بالمرضى وحُسن التعامل معهم .
ضياء الدين بلال