> بمغيب شمس هذا اليوم الثلاثين من يونيو، تكمل الإنقاذ عامها التاسع والعشرين، عندما تسلمت (مقاليد السلطة) بعد إزاحتها لنظام الأحزاب في ١٩٨٩م.
تسع وعشرون عاماً في عمر الشعوب تعني الكثير، وخلال هذه السنوات لم تكن الإنقاذ هي (إنقاذ الشرعية الثورية) التي جاءت بها، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وبدلت الثورة ثيابها مرة بعد مرة، لكن ما تعرضت له بعد عشر سنوات من عمرها، وهو ما عُرف بمفاصلة رمضان بين الإسلاميين في العام ١٩٩٩م، هو أكبر اختبار تمر به، وقد تسبب في فصل جسدها وخرج وقتئذ شيخ الإسلاميين الراحل حسن الترابي ليكوِّن حزبه منفرداً.
> لسنا بصدد تقييم حكم الإنقاذ في هذه المساحة، فكل أحد من السودانيين تجاوز عمره الثلاثين عاماً، هو قادر على تقييم فترة حكم الإنقاذ. بمعنى أن كل من كان ميلاده في ذات العام الذي جاءت فيه، هو اليوم (رجل رشيد) يستطيع أن يقيّم تجربة الحكم التي استمرت طيلة حياته. أما أولئك الذين حضروا وعايشوا أنواع الحكم المختلفة بالسودان منذ الديمقراطية الثانية في ستينيات القرن الماضي مروراً بالحكم الانتقالي الذي أعقب انتفاضة أبريل التي أطاحت بفترة الحكم المايوي، ومن ثم الديمقراطية الثالثة، فهؤلاء أقدر من غيرهم في تقييم فترة حكم الإنقاذ، ومن ثم مقارنتها بالحكومات الوطنية المختلفة منذ فجر الاستقلال.
> التغيير الذي طرأ على ثوب الإنقاذ وهيئتها كما أسلفنا كان أشدّه أثراً ما أعقب المفاصلة التي عرفت بمفاصلة الإسلاميين، وربما كانت الإنقاذ هي الحكومة الوطنية الوحيدة التي نالت صفة واسم (الحكومة الإسلامية) عن جدارة، وذلك للدعم اللامحدود الذي قدمته الحركة الإسلامية لها، والتي وصلت في بعض الأحيان لتبنيها بالكامل خاصة بعد أن بلغت الثورة خمسة أعوام وشبّت عن الطوق، وهو ما يتضح حتى اليوم باستفادة الثورة من الكادر المدني المؤهل للإسلاميين الذين برزوا في أكثر من صعيد.
> أكثر ما واجه الثورة من تحديات يمكن تحديده في الحروب المختلفة في أكثر من جبهة في عمرها المديد، وتلك الحروب تفجرت لأسباب مختلفة ومتباينة، كان أشرسها وأطولها الحرب مع الجنوب، التي لم يتوقع أحد أن تنتهي باتفاقية السلام ومن ثم انفصال الوطن الواحد الى دولتين.
> وكان التحدي الآخر الذي جابهته الثورة وهي في سنواتها الغضة، ثم واجهها بعض أن بلغ عمرها تسع وعشرين عاماً هو تحدي الاقتصاد، الذي تدهورت جراءه (العملة الوطنية) الى مستويات دنيا أمام العملات الأجنبية، ويبدو أن التحدي الاقتصادي الماثل يمثل قمة التحدي للحكومة التي شارفت على الثلاثين من السنوات.
> فريق(الإنتباهة) أعدّ ملفاً متكاملاً عن ذكرى الإنقاذ التاسعة والعشرين، يجده القارئ على صفحات هذه الصحيفة، وربما يجد القارئ كذلك تحليلات رصينة وآراء تقيمية متميزة أطلقها عدد من الخبراء في عدد من المجالات، ولم يغفل الفريق استصحاب رأي المواطن نفسه في حكم الإنقاذ.
صحيفة الانتباهه.