م يكن المتهم الشهير بـ(قدورة) على علم بأن الشرطة السودانية قادرة على التوصل الى مخبأه والقبض عليه في غضون ساعات، وكان يعتقد أنه بمجرد تغيير رقم هاتفه قد ارتاح من مطاردة الشرطة له، إلا أن الشرطة كانت تتابعه عن كثب وتترصده وتترصد الأماكن التي يرتادها.
ففي السودان كل شيء لدينا متاح والمعلومات غالباً ما يتبرع بها المواطن بحسن نية، ولكن الشرطة تستفيد منها بذكاء بالغ لتصل الى مبتغاها .
زعيم المنظومة المدعو (قدورة) ألقت شرطة محلية الخرطوم بالتنسيق مع مباحث بورتسودان القبض عليه بأطراف مدينة بورتسودان ويجري ترحيله الى الخرطوم لإكمال التحريات وتنتظر الشرطة منه إرشادها على الموقع الذي أخفى فيه بقية المجوهرات المسروقة، كما سيتم إجراء تحقيقات واسعة معه للإدلاء حول جميع الجرائم التي خطط لها وتم ارتكابها بالخرطوم، وحسب المعلومات، فإن قدورة شاباً فتياً عمل نظامياً بإحدى القوات النظامية قبل أن يترجل عن ركبها، ويتجه لتشكيل منظومته الإجرامية .
تفاصيل الكمين ..
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة والنصف مساءً حينما كانت قوة مشتركة من مباحث شرطة محلية بورتسودان بقيادة ضابط برتبة النقيب وقوة من شرطة محلية الخرطوم بقيادة ضابط برتبة الملازم أول، ترابط عن كثب وهي تترقب منزلاً بمنطقة ام القرى حي القادسية مربع (9) بولاية البحر الأحمر، وكانت الشرطة قبل أن تنفذ كمينها قد تأكدت من أن المتهم متواجد بالمنزل وذلك حينما تعقبته نهاراً ووقتها كان قد تسلم تحويلة قادمة من الخرطوم بمبلغ (37) ألف جنيه، فرح (قدورة) بتحويلته وتسلمها بنشوة انتصار ووقتها لم يكن يدري أن الشرطة ترصد تحركاته خطوة بخطوة .
سار الرجل بعربته الفارهة الى أن وصل الى المنزل الذي اتخذ منه مخبأ ، وفي المساء رصدت الشرطة الكمين وجمعت القوات ونشرتها بالمنطقة لمنع وقوع أية احتكاكات وهو إجراء احترازي عادي، وحينما كانت عقارب الساعة تتجاوز السابعة وبضع دقائق أشار قائد القوة للقوة بالتقدم والمداهمة، وفي تلك الأثناء طوقت القوة المنزل وداهمته لتعثر بداخله على المتهم الذي كان مسترخياً وتفاجأ بالشرطة تحيط به من كل جانب فأصيب بالدهشة نسبة لأنه لم يكن يظن مجرد ظن أن الشرطة ستصل الى مخبأه ولكنها وصلته، فلم يحاول إبداء أية مقاومة نسبة لحالة الدهشة التي انتابته، وتم وضع (الكلبشات) على يديه واقتياده الى القسم الأوسط .
فنانة شهيرة ..
قدورة عقب إنفاذه لجريمة نهب محل المجوهرات بالرياض والذي يتبع لأسرة شهيرة متخصصة في مجال الذهب، غادر الى ولاية النيل الأبيض حيث سلم
هاتفه لأحد أقاربه وتخلص منه ومن هناك غادر الى أطراف ولاية الجزيرة وانقطعت أخباره، إلا أن الشرطة لم ينقطع أملها وكانت تتابع عن كثب لحظة بلحظة وترصد تحركاته ، ولكنه حينما نفد ما لديه من نقود قرر الذهب الى ولاية البحر الأحمر وبنحت ذاكرته وجد نفسه على صلة معرفة وطيدة بفنانة شهيرة بولاية البحر الأحمر فقرر الذهاب إليها وبالفعل حينما استنجد بها نجدته وأمنت له الإقامة فبمجرد وصوله أقام بأحد أحياء بورتسودان وبعدها بسويعات انتقل الى حي المطار ومنه انتقل الى منطقة ام القرى حي القادسية وهي من المناطق والأحياء الشعبية النائية التي تقع بأطراف المدينة، واشتهرت تلك الأحياء بوجود بعض أوكار الرزيلة الخفية وتصنيع الخمور، لذلك كان الحي مناسباً للإقامة والاختفاء عن الأنظار.
إفادات المتهمين ..
(قدورة) هو الرأس المدبر والمخطط لكل جرائم النهب المسلح الذي ارتكبته مجموعته المكونة من (6) متهمين بينهم فتاتين تارة تستغلا في عمليات الابتزاز وتارة أخرى يتم استغلالهما في عمليات النهب التي تتطلب وجوداً نسائياً، طبقاً لإفادات المتهمين فإن (قدورة) هو من كان يضع الخطط ويرسم أساليب التنفيذ وهم ماعليهم سوى تنفيذ الجريمة على أرض الواقع حتى الأماكن التي تستهدف في عمليات النهب هو من كان يقوم باختيارها وإخضاعها للبحث والتمحيص ودراسة نقاط الضعف فيها والتي يمكن استغلالها لصالحهم وإمكانية الدخول وطريقة التنفيذ والهروب، وأقرت مجموعته بتنفيذ نحو (3) عمليات نهب مسلح يستغل فيها سلاح يخص نظامياً تم ضبطه ووضعه معروضات في البلاغ بعد أن اتضح أن النظامي هو أحد عناصر عصابة النهب التي شكلها الرأس
المدبر (قدورة) او كما يحلو تسميته بـ( البوص).
طبقاً لإفادات المتهمين فإن البوص هو من اختار محل الذهب وانتقاه بعناية وقام بزيارته عدة مرات قبل أن يحدده هدفاً وما حفزه على ارتكاب الجريمة أكثر هو أن كاميرات المحل متعطلة، فرسم الخطة وأمر جماعته بالتنفيذ، بل وشاركهم في العملية حينما استغل عربته في إنفاذ الجريمة وحضر بها الى موقع الجريمة وعقب ارتكاب العملية نقلهم بعربته التي انطلقت مبتعدة عن الموقع، وعندما كانت الشرطة تحقق رصدت المتهم بالخرطوم قبل أن يغادرها وشرعت في القبض عليه بأحد الاستوبات إلا أنه فر من أمام الشرطة في لمح البصر بسيارته (التوسان)، ولكن شرطة محلية الخرطوم تمكنت من القبض على مجموعته إثر كمين ناجح نفذته استهدف شقة كانت مجموعته تنام بداخلها .
تفاصيل الكمين ..
في اليوم الموعود لارتكاب الجريمة كان أحد المتهمين ويدعى (م- س) قد تحصل على زي رسمي يخص جهاز الأمن تحصل عليه من أحد أصدقائه القادمين من إحدى الولايات الغربية، حيث بات يستغل الزي الرسمي في ارتكاب جرائمه، وبموجب الخطة الموضوعة تمكنت الشبكة المضبوطة من تنفيذ مخططها الإجرامي الذي أسفر عن الاستيلاء على مجوهرات بقيمة (700) ألف جنيه، بعد الاعتداء على صاحب المحل بالضرب والحبس داخل مكتب بالمحل، وحسب المعلومات فإن صاحب متجر المجوهرات بشارع 17 الرياض وبينما كان بمتجره وفي حوالي الثانية والنصف ظهراً، دلفت الى محله فتاتان ترتديان نقاباً، وجلستا وابدتا رغبتهما في شراء مجوهرات، وبعد برهة من الزمن دلف الى المحل ضابط برتبة النقيب أمن وهو المتهم المقبوض وكان يرتدي الزي الرسمي وثلاثة أشخاص آخرون يرتدون الزي الملكي، وادعى المتهمون انهم ينتمون لقوات نظامية، وقالوا لصاحب المحل إن الفتاتين متهمتان على ذمة جرائم سرقة مجوهرات، وعنفوه على تعامله مع الفتاتين، وفي تلك الأثناء اعتدوا عليه بالضرب وقاموا بإدخاله في مكتب بالمتجر وأغلقوا عليه الأبواب، وبعدها تمكنوا من سرقة المجوهرات بفترينة العرض، وهي عبارة عن سلاسل وختم وأطقم أذن ولاذوا بالفرار .
بلاغ جنائي ..
عقب البلاغ الذي تقدم به صاحب المحل انقسمت الشرطة لقسمين في تحرياتها قسم وهو مباحث ولاية الخرطوم والقسم الآخر شرطة محلية الخرطوم ولكن شرطة المحلية هي التي ظفرت بالمتهمين وألقت القبض عليهم بعد أن داهمت شقة كانوا بداخلها بأم درمان وحينما قاوموا الشرطة وامتنعوا عن فتح أبواب الشقة حاصرتهم الشرطة لنحو أربع ساعات وحاول ضابط برتبة الملازم فتح باب الشقة عنوة إلا أنهم أصابوه بضربة سيف على يده ولكنه تمكن من إحداث ثغرة بالباب وألقى من خلالها قنبلة غاز مسيل للدموع وتركوهم وبعدها شعروا بالاختناق فاستسلموا وقرروا الخروج من الشقة ليتم القبض عليهم، أما الفتاتين فألقي القبض على إحداهما من منزل أسرتها بينما الثانية حاولت الهروب واستغلت عربة أجرة وصلت بها الى قرية (ألتي) بطريق الجزيرة وهنالك تمت استضافتها بأحد المنازل بغرض تناول إفطار رمضان وكانت برفقة إحدى صديقاتها وقصدت السفر الى (رفاعة) إلا أنه في اللحظة التي تناولن فيها الإفطار وصلت الشرطة الى القرية وألقت القبض عليهما وأحضرت المتهمة الى الخرطوم وأطلق سراح صديقتها التي لاعلاقة لها بالجريمة .
عقوبة الجريمة ..
يرى الخبير القانوني المستشار مجاهد عثمان عمر إن جرائم النهب هي من الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع والمواطنين وخاصة أصحاب
الأموال والتجار، وجرائم النهب التي تحدث من الأشخاص الذين يدعون انتمائهم للقوات النظامية تصبح هنا الجريمة مركبة حيث أن المتهم ارتكب جريمتين إحداها انتحال الشخصية والأخرى النهب واستغلال السلاح الناري يعتبر جريمة في حد ذاته خاصة اذا كان غير مرخص او يخص جهة نظامية وفي هذه الحالة تزداد العقوبة ، فعقوبة انتحال الشخصية تصل الى السجن عامين أما استخدام السلاح فعقوبته تصل للسجن عشر سنوات، بالإضافة الى الجريمة الأساسية وهي جريمة النهب فعقوبتها قد تصل الى تسع سنوات، وممثل هذه الجرائم من الصعب الكشف عنها لأن المتهم يدعي تبعيته لجهة نظامية مما يشعر المواطن بالخوف ولا يستطيع التمييز وقتها إلا عقب انتهاء الجريمة .
وشدد المستشار مجاهد على ضرورة تركيب كاميرات المراقبة للمحلات التجارية خاصة التي تضم أموالاً طائلة او بضائع ثمينة كمحلات المجوهرات والبقالات الكبيرة مع ضرورة التعاقد مع الشركات الأمنية لتوفير الحراسات الدائمة لتلك الأماكن، ودعا مجاهد الى ضرورة التشدد في العقوبات في مثل هذه الجرائم نسبة لخطورتها على المجتمع بجانب ضرورة نشر الوعي بين أفراد المجتمع، فضلاً عن ضرورة تقييد حركة تداول الزي النظامي ومحاسبة أي نظامي يثبت تورطه في منح زي نظامي لشخص لاعلاقة له بالقوات النظامية وأن تكون العقوبة رادعة بمكان حتى تتمكن القوات النظامية من محاربة مثل هذه الظواهر لاسيما وأنها ليست الحادثة الأولى من نوعها فقد تكررت مثل هذه الحوادث التي ينفذها أشخاص يستغلون أزياء نظامية.
حوادث مماثلة ..
لم تكن حادثة نهب محل مجوهرات الرياض هي الأولى من نوعها فقد سبقتها حوادث نهب استهدفت صيدليات الخرطوم العام الماضي وكان مرتكبوها بينهم نظاميون ألقي القبض عليهم جميعاً وتقديمهم للمحاكمة وأصدرت المحكمة أحكاماً في مواجهتهم والبالغ عددهم (6) متهمين بينهم نظامي قضت بالسجن أربع سنوات وذلك عقب إدانتهم في عمليات نهب استهدفت (4) صيدليات مختلفة بالخرطوم .
وفي العام الماضي أيضاً رصدت ﻣﺒﺎﺣﺚ ﺷﺮﻃﺔ ﻭﻻﻳﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ( 25 ) ﺑﻼﻏﺎً ﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﻧﻬﺐ ﻣﺴﻠﺢ ﻭﺳﺮﻗﺔ ﺍﺭﺗﻜﺒﺘﻬﺎ ( 4 ) ﺷﺒﻜﺎﺕ اجرامية ﻗﻮﺍﻣﻬﺎ ( 18 ) متهمﺍً ﺑﺎﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ، وﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﻲ ﻣﻄﺎﺭﺩﺓ ﻣﺜﻴﺮﺓ ﺑﻤﺤﻠﻴﺔ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﻨﻴﻞ، ﺃﻓﻀﺖ ﻟﺴﻘﻮﻁ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﺸﺒﻜﺎﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺠﺮﻯ ﻣﺎﺋﻲ، ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺯﻋﻴﻤﻬﻢ ﺍﻟﻬﺎﺭﺏ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻭﺿﺒﻂت ﺑﺤﻮﺯﺗﻬﻢ (8) ﺳﻴﺎﺭﺍﺕ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻹﺟﺮﺍﻣﻴﺔ، ﻭﺃﺩﻭﺍﺕ ﻛﺴﺮ ﻭﺗﺰﻳﻴﻒ ﻛﻤﺎ ﺃﻗﺮﻭﺍ ﺑﺘﻘﻴﻴﺪ ﺧﻔﻴﺮ ﺩﺍﺧﻞ ﺷﻘﺔ ﺑﺎﻟﺴﺠﺎﻧﺔ ﻭﺳﺮﻗﺔ ﺧﺰﻧﺔ ﻭﺗﻘﻴﻴﺪ ﻣﻮﺍﻃﻦ ﺑﺎﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﻭﻧﻬﺒﻪ ﻭﻛﺴﺮ ﻣﺤﺎﻝ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﺑﺒﺤﺮﻱ ﻭﺳﻌﺪ ﻗﺸﺮﺓ ﻭﻛﺴﺮ ﺻﺮﺍﻑ ﺁﻟﻲ ﺑﻌﻄﺒﺮﺓ .
صحيفة الانتباهه.