كنت وفي مقال سابق نشرته في هذه الزاوية، استهجنت واستنكرت ونددت بمقولات المتخصيين والخبراء والأكاديميين التي تماثل آراء العامة إن لم تكن تتقاصر عنها، وأشرت في ذلك إلى طلب أحد (البروفات) بإغلاق كلية الآداب بحجة أنها تدرس تخصصات تخرج عاطلين ما يرتفع بنسبة البطالة المتفشية أصلاً.
وها أنذا أعود مجدداً، ليس لأن العود أحمد في هذه الحالة خاصة ولكن لأن آراء وإفادات معظم الأكاديميين والخبراء (المفترضين) أضحت وبالاً على الصحافة وعلى مستوى الوعي العام بين الجماهير؛ ففي الوقت الذي يتوقع فيه القارئ أو المشاهد أو المستمع أن يستأنس برأي علمي دقيق ومحكم وعلمي، إذا به يُفاجأ به فطيراً ومثيراً وغير مفيد.
والناظر إلى آراء جُل الخُبراء السودانيين، وعند مقاربتها بآراء الأكاديميين الأجانب (عرباً وغير عرب) تبدو وكأنها (نكات)، إذ كيف يمكن لضمير أكاديمي يقظ ومتقد أن يلفظ قولاً لا تعضده دراسة ولا حتى فرضية (محكمة) قابلة للأخذ والرد والتداول، وهذا ما بدا لي وأنا أطالع إفادة للدكتور (علي صديق) باحث اجتماعي من جامعة النيلين، وردت ضمن تحقيق صحفي تحت عنوان (غسيل الأموال) أجرته الزميلة (وفاء مأمور) بعدد أمس من يومية (حكايات)، قال فيها: إن (تجار غسيل الأموال) يستخدمون (تلك الأموال) في ما يعرف بزيجات المتعة!
حسناً، ما قاله الباحث في إفادته كلها، كان كلاماً عاماً مثل (غسيل الأموال يؤثر على التركيبة السكانية، والتحولات الاجتماعية و….الخ)، ولربما يكون ذلك صحيحاً لكنه لم يدعمه ببراهين علمية تعتمد على بحوث أو دراسات أو إحصائيات، لذلك فإنني لم أجد فرقاً بينه وبين كلام العامة، لكن ما أدهشني أكثر هي تلك العلاقة التي قال بها (بين غسيل الأموال وزواج المتعة)، فبدت لي صيغة مضحكة ومثيرة للسخرية، فزواج المتعة هو نوع من الزيجات المعروفة في (الإسلام الشيعي)، يمارسه معتنقو هذا المذهب منذ نحو قرن ونيف، حيث لم يسك حينها مصطلح (غسيل الأموال)، وهو مصطلح اقتصادي حديث جداً، فما الرابط بين هذا وذاك؟، وإلاّ يكون الدكتور الباحث لا يعرف معنى المُصطلحين فيزج بهما في إفادته حتى تبدو (مُستنيرة).
حسناً، ليست هنالك علاقة بين زواج المتعة وغسيل الأموال لا راهنة ولا تاريخية، وكلاهما موضوعان مُختلفان في معناهما وسيرورتهما، لذلك رجاءً أيها الأكاديميون والخبراء قولوا لنا ما لا نستطيع قوله، ما لا نعرفه، أفيدونا بمعلومات جديدة وآراء علمية دقيقة أو فاصمتوا.
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي