د. علي الصلابي عالم ومفكر إسلامي ليبي، كتب عن أردوغان الذي حقّق خلال الأسبوع الماضي فوزاً كبيرًا مكّنه من الظفر بمنصب رئيس جمهورية تركيا.
ليت إخواني القراء جميعًا اطلعوا على تفاصيل الحملة التي شنها الغرب من خلال إعلامه الكاسح وفضائياته الفاجرة للحيلولة دون فوز أردوغان.
عزّ على الغرب أن تخرج تركيا من طوع استراتيجيته الاستعمارية التي أعد العدة من خلالها لتدشين الجزء الثاني من اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت الدول العربية، ومهّدت لقيام دولة إسرائيل في أرض فلسطين بوعد بلفور الذي أعلنته بريطانيا عام 1917 مانحة اليهود إذناً بقيام دولتهم المحتلة.
ما كان ممكناً للغرب الصليبي أن يمزق الدول العبرية ويحتل أرضها بعد حرب العالمية الأولى لولا انهيار الخلافة العثمانية وتنصيب عميله أتاتورك الذي مسخ هوية تركيا وشن الحرب على دينها وفعل بها الأفاعيل.
بعد مئة عام يبدأ الجزء الثاني من سايكس بيكو تحت مسمى صفقة القرن التي مهّد الغرب وبنو صهيون لها بانقلاب السيسي في مصر، ولكن خاب سعيهم بفشلهم في اقتلاع أسد الله رجب طيب أردوغان الذي يمضي بقوة نحو إعادة تركيا لهويتها ودينها وتراثها العثماني الذي لطالما جعلها سيدة على العالم والذي سيقف سداً منيعًا بإذن الله يحول بينهم وبين مخططاتهم الشريرة.
أترككم مع مقال علي الصلابي:
أردوغان الذي قضى نحبه
هو ليس حاوياً كي يجمع كل الحيات في جرابه، أو ساحراً هندياً كي ينفخ في مزماره فتتراقص بين يديه كل الأفاعي بدلاً من أن تنفث سمومها في جسده.
ربما لا سمح الله يطيح به انقلاب قادم ينجح فيما فشل فيه سابقه، ولربما تسقطه انتخابات رئاسية، أو يأتيه اليقين الذي كتبه الله على كل نفس،غيلة أو على فراشه . لكنه اليوم قد أتم آخر فصول ثورته ووضع آخر لبنة في هيكل الدولة التركية الجديدة.
ما فعله أردوغان في تركيا هو ثورة من حيث نتائجها لا من حيث آلياتها، فالثورات تبدأ بعاصفة جماهيرية وخروج إلى الشوارع، وربما مواجهات مسلحة لإسقاط النظام القائم واستبداله بنظام جديد يختلف عنه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، عبر مخاض عسير ينهك قوى البلاد ويضعف قدراتها، وربما أدى إلى انقسامها أو تراجعها كثيراً عما كانت عليه إلى أجل مسمى.
ولكن أردوغان استطاع أن يحدث هذه الثورة دون المرور بهذا المخاض، ودون إجراء هذه الجراحة الخطرة، التي من الممكن لو فشلت أن تجهز على الجسد المريض بدلاً من أن تشفيه.
لقد انتقلت تركيا من دولة مدينة منهارة اقتصادياً تقف على حافة الإفلاس إلى دولة دائنة تقف بين الدول الأكثر تقدماً.
هذه النقلة لم تتم باكتشافات حقول غاز أو بترول أو باستخراج مواد أولية من باطن الأرض، ولكن بنهضة علمية واقتصادية وتكنولوجية حقيقية.
ومن الناحية السياسية استطاع أردوغان أن يقضي على سيطرة الجيش على الحكم، فبعد أن كان رئيس أركان الجيش التركى هو الحاكم الفعلي للبلاد، استطاع أردوغان أن يعزل الجيش التركي تماماً عن ممارسة أي دور سياسي وذلك عبر مراحل متدرجة كان فيها أردوغان يسير وسط حقل ألغام، ليحول الجيش في النهاية من الحكم إلى الحماية، ومن الوصاية على النظام السياسي إلى الخضوع له تحت قيادة الرئيس المنتخب.
وتحول مقعد رئيس الأركان من جوار الرئيس إلى الصف الأمامي كغيره من الوزراء والمتنفذين، بعد أن كان يأنف أن يلقي التحية العسكرية على الرئيس، وهو تغيير ثوري بالنظر لما يملكه الجيش التركي من قوة ونفوذ طاغٍ .
لقد أسقط أردوغان الجمهورية الأتاتوركية تماماً، من غير أن يحطم تماثيل أتاتورك، أو يعلن صراحة الخروج على مبادئ جمهوريته، لكنه منع عنها الهواء والماء حتى ماتت بعد أن جردها شيئاً فشيئاً من كل مضامينها، فتحولت من نهج مستبد أحادي الرؤية حاكم للواقع ومتحكم فيه إلى مجرد حقبة تاريخية وماضٍ يتغنّى به الأتراك.
وعلى المستوى الاجتماعي استبدل أردوغان نظريته في العلمانية المحايدة بالعلمانية الأتاتوركية المعادية للدين، لتقف قوانين الدولة على مسافة واحدة من الأديان، فأردوغان لم يتبن منهج الأصولية الإسلامية في الحكم، ولكنه أوقف الكثير من أشكال الاضطهاد والإقصاء التي عانى منها الإسلام تحت وطأة العلمانية الأتاتوركية المناهضة للدين بكل تجلياته بدءًا من العقيدة وانتهاءً بالظاهر السلوكية مروراً بالشعائر التعبدية. أدرك أردوغان أن الإسلام لا يحتاج إلى حكومة تتبناه وقوانين تفرضه بقدر ما يحتاج إلى نظام عادل لا يمارس التمييز أو الإقصاء ضده، فألغى تباعاً وبحذر بالغ القوانين التي تفرض القيود على الإسلام.
لم يغلق بيوت الدعارة ولكنه سمح بإنشاء المدارس الإسلامية، لم يجرم الإلحاد ولكن سمح بتحفيظ القرآن، لم يفرض الحجاب ولكن سمح للمحجبات بدخول المدارس والجامعات.
لقد أطلق سراح الدين ولم يعتقل العلمانية تاركاً القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار تتفاعل مع المجتمع حتى عادت روح الإسلام وقيمه ومبادئه لتسري في الجسد التركي وهذا هو جوهر التغيير الثوري.
د. علي الصلابي ..
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة