تدني إنتاج النفط .. مبررات حكومية وأفق الحلول

حصر وزير النفط والغاز أزهري أحمد تدني إنتاج النفط بالسودان – الي «72» ألف برميل في اليوم – في ثلاثة مبررات اولها انفصال الجنوب في العام 2011 الذي لا شك انه شكل صدمة اقتصادية قاسية بسبب ذهاب معظم الاحتياطيات النفطية الي الدولة الجديدة ، فالقناعة التي كانت سائدة ان فورة السودان النفطية استغرقت عقدا من الزمان فقط، وأن المناطق الشمالية لا توجد فيها احتياطيات تذكر، لذا كان تركيز العمل في الجنوب والمناطق الحدودية ولكن يبقي السؤال الم تكن فترة السبع سنين كافية لان توفق الدولة اوضاعها ، واذا اخذنا المبرر الثاني للوزير وهو الحصار الامريكي المفروض علي السودان فنجد ان فترة رفعه ايضا كانت كافية بدليل ان هنالك شركات اقدمت علي الاستثمار وحدثت تدفقات للاستثمارات الأجنبية بمختلف المجالات، إذ تصدر الاستثمار النفطي قائمة الطلبات خاصة من قبل واشنطن التي بدأت بخطوات فعلية خلال الفترة السابقة بادخال معدات وأجهزة نفطية لاستخدامها في حقل الراوات النفطي القومي، ولعل السودان لديه تجربة في العمل مع امريكا في اكتشاف النفط منذ العام 1979م كبداية أولي عبر شركة شيفرون والتي خرجت مع عدد من الشركات الاجنبية من الإنتاج بسبب الحظر. وكانت موارد النقد الاجنبي ترد بسلاسة للبلاد .

اما السبب الثالث الذي جعل النفط متدنيا – حسب ما ذكر الوزير – اسعار النفط عالميا وبنظرة عامة فان الإنخفاض يأتي نتيجة لإنتاج كميات كبيرة من البترول الصخري الذي تصر أمريكا إلي إدخاله دائرة الإنتاج حيث يشهد صراعا كبيرا بينها وبين روسيا من جانب ومع إيران في جانب آخر يتعلق بالضغط عليها من أجل توقيف برنامجها النووي وبإنتاج البترول.

وزير النفط قال ان الإنتاج تدني الي «72» ألف برميل فقط في اليوم، وكانت الحكومة قد اعلنت في وقت سابق ان خطتها للعام 2018 هي زيادة الإنتاج إلي 102 ألف برميل يوميا في الوقت الذي كانت تنتج 125 الف برميل في اليوم بعد الانفصال، و500 الف برميل قبل الانفصال بحسب ما اكدته الحكومة العام الماضي حول تدني الإنتاج وتقدر قيمة استهلاك الوقود العام الحالي 2,7 مليار دولار مقارنة ب»2,2 « مليار دولار 2017 .

ويري مراقبون ان مشكلة تدني النفط السوداني ليست بسبب انفصال الجنوب او الحصار الامريكي واعتبروا ان اهم الاسباب تنحصر في شح النقد الاجنبي في السودان بالاضافة الي عدم القدرة المالية وتوفير التمويل اللازم فضلا عن استيراد النفط وإحجام الشركات الأجنبية الكبري العاملة في مجال استخراج واستكشاف النفط في البلاد والتي بدورها اسهمت هي الاخري في تدني الإنتاج للشركاء وتراجع استثمارتهم ، وقطعوا ان زيادة الإنتاج النفطي هو المخرج الوحيد للحد من الإستيراد، وأوضحوا أن أبرز التحديات التي تواجه قطاع النفط تتمثل في التمويل واجراءات تهدف لرفع إنتاج البلاد النفطي خاصة وان السودان يتمتع بثروات نفطية تفي بحاجة البلاد وتزيد .
ويري مراقبون انه رغم النشاط التنقيبي الا ان المساحة التي خضعت لعمليات استكشاف لا تمثل سوي ربع المناطق التي بها شواهد نفطية ، واكدوا ان الكثير من المناطق في البحر الاحمر والصحراء في الشمال الغربي والجزيرة توجد فيها شواهد نفط وغاز تحتاج الي استثمارات ضخمة وشركات ذات باع طويل وتاريخ وقدرة علي العمل في المناطق الصعبة، وهو ما قطعوا بانه لن يتوفر الا في حال وضع اجراءات ضرورية لمستقبل الصناعة النفطية بالبلاد .

ترتيبات مع الجنوب:

ويعتبر تحقيق السلام في جنوب السودان المدخل الامثل لزيادة الإنتاج النفطي ، لان بعض الابار التي تأثرت بتدهور الوضع الامني في جنوب السودان يمكن ان توفر خلال فترة لا تتجاوز 3 اشهر اكثر من 30 الف برميل يوميا ، ويتطلب الامر اعادة تشغيل بعض المحطات واصلاح بعض الآبار ، والطرق والانابيب ، مع ان استقرار الوضع بالجنوب ، يمكن من استمرار تدفق إنتاج الجنوب ، وهو يوفر مدخلات من العملة ويحسن الميزان التجاري السوداني.

عزوف الشركات

واكد الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي ان عزوف الشركات العاملة في مجال النفط ادي بصورة مباشرة الي تدني الإنتاج النفطي الي جانب عدم تطوير حقول الآبار، مشيرا الي ان ذلك يتطلب اموالا ضخمة .
ويري الرمادي أن قرار رفع الحظر الامريكي في اكتوبر من العام المنصرم لم تستفد منه البلاد بعد مما كان له اثر كبير علي قطاع النفط، لجهة ان التكنولوجيا المتقدمة مصدرها امريكا وأوربا بجانب أن جميع الشركات الاجنبية تستجلب تقاناتها في هذا المجال من الولايات المتحدة، الامر الذي يحتم علي السودان العمل علي استجلاب التقانات المتقدمة، حتي تسهم الشركات الامريكية بامكاناتها وخبراتها التسويقية في دفع عجلة الإنتاج النفطي والصادر، باعتبار ان مشروعات النفط تحتاج الي التقانة لزيادة الإنتاج في قطاع النفط حتي تعود للبلاد سيرتها الاولي ، كبلد منتج مصدر للنفط .

واقع الاقتصاد

إذن بنظرة لواقع الإقتصاد في السودان، فيما يلي قضية الموارد البترولية نجد أن السودان ظل بعد انفصال الجنوب يقوم بإستيراد أكثر من ثلث إحتياجاته النفطية، حيث كان قبل الإنفصال ينتج 500 ألف برميل في اليوم كما ذكرنا سابقا ، و بعد الانفصال تغير الحال وأصبح السودان ينتج 125 ألف برميل واصبح نصيبه لا يتعدي الـ 72 ألف برميل في اليوم وهذه الكمية يذهب اكثر من 54% منها الي الشركات المنتجة ونصيب السودان منها ما بين «40%- 46%»، مما يضطر لتلبية احتياجه من الخارج في ظل انخفاض اسعار البترول عالميا ، وعليه فان توفير النقد الأجنبي يصبح ضرورة ملحة لمجابهة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
وبحسب تقديرات وزير الدولة بالنفط والغاز سعد الدين البشري امام البرلمان في وقت سابق فان فاقد النقد الأجنبي يقدر بحوالي «102» مليون دولار.
ان تحريك الجهود الذاتية وتوظيف الطاقات لزيادة الإنتاج السوداني الي 100 الف برميل قد يمثل فارقا ، لان الوقود يمثل عنصرا فاعلا في عملية التنمية بشكل عام.

صحيفة الصحافة.

Exit mobile version