ماذا يعني تفجير أديس أبابا؟

بعد أن نطق المتحدث في المنصة بكلمة Proud (فخور) بصورة منفصلة وبنبرة صوت أقوى بما يشبه (كلمة السر) في الأفلام الحربية، الكلمة التي تلاها إنفجار شديد راح ضحيته قتلى وعشرات الجرحى في الحشد الجماهيري (الهائل) الذي كان يحضره رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اليوم، تكون إثيوبيا قد دخلت في نفق جديد سيرسم ملامح المرحلة القاتمة القادمة، فمن أين بدأ هذا النفق وإلى أين يتجه؟

في البدء لقد كان تعيين السيد/ آبي أحمد في نظر المراقبين يمثل خطوة جيدة، لكنها محذورة على قومية تقراي المسيطرة على مفاصل الحكم تحت ضغط الشارع الإثيوبي ممثلاً في القوميات الكبيرة أورومو وأمهرا، وقد كان يتوقع لأحمد أن يكون مثل سلفه ديسالن منفّذاً لبرامج وممرّرا لسياسات ترتضيها جبهة تحرير تقراي حسب خلفياته العسكرية والأمنية والسياسية، لا ينكر أحد أن تقراي قد وضعوا إثيوبيا في الطريق الصحيح إقتصادياً وحققوا نمواً جيداً وواجهتهم عقبات عسيرة سياسياً وإثنياً واجهوها غالباً بما يوافق أهدافهم، لكن السيد آبي كان على خلاف ما يتوقع الجميع بما فيهم التحالف الحاكم ذو سياسة مستقلة ورؤية معدة وتنفيذ ناجز.

السيد آبي أحمد قام بجولات مكوكية طائفاً معظم الأقاليم الإثيوبية باثّاً خطاباً يوصف بالاعتدال والسلمية في محاولات لامتصاص الاحتقان الإثني حديث العهد بالثوران، وقد حقق مكاسب جماهيرية كبيرة وسند شعبي في تلك الجولات مكنه من إطلاق حزمته الثانية من خطته والتي تمثلت في خطوات عملية لإقصاء قيادات تقراي، فأطاح بساموراي من قيادة الجيش وبقيتاجو أسفا من قيادة المخابرات وتعيين بدلاء عنهم والموافقة على إتفاقية الجزائر بشكل كامل بما يمس سيادة ومصالح تقراي، كانت تلك هي الخطوة الثانية والتي آلمت تقراي اصحاب مملكة أكسوم التاريخية بشدة، مما جعلهم بالتأكيد يشعرون بخطر يتهدد وجودهم وبمؤامرة عليهم، فالتقراي هم أقلية نعم، لكنهم أقلية مقاتلة ومتمكنة عميقاً في الدولة والاقتصاد والأمن الإثيوبي بطريقة تجعل أي تهديد لها هو مهدد لوجود الدولة نوعاً ما.

بعد أيام من تلك الاجراءات أصدرت اللجنة المركزية بالجبهة الشعبية لتحرير تقراي بياناً ضمنت فيه اعتراضاتها ومخاوفها في ظل الأحداث المتسارعة غير المأمونة، البيان أدان خصخصة القطاع العام والاعتراف (الكامل) بإتفاقية الجزائر للسلام مع أرتريا وقرار اللجنة الحدودية ونشره في الإعلام دون موافقة مجلس الائتلاف الحاكم المكون من 180 عضواً بالإضافة لعدم الرجوع للشعب والجهات ذات الصلة أي (تقراي)، كما لم ينس البيان الاعتراض على التعيينات الجديدة لقيادات الجيش والمخابرات ووصفها بأنها لا تتوافق مع القواعد التنظيمية لمجلس الائتلاف الحاكم؛ لقد كانت تلك ململة قوية من قبل تقراي تنذر بالانفجار في أي لحظة، وقد أشرت لذلك في بعض القروبات المهتمة قبل أسابيع.

الذي زاد من وتيرة الغضب لدى جبهة تحرير تقراي هو الخطاب الذي ألقاه السيد/ أسياس أفورقي الرئيس الأرتري بمناسبة عيد الشهداء لاحقاً، والذي أطلق فيه عبارات كانت قاسية جدا وبمثابة إعلان حرب مع تقراي، فسّر التقراي الموقف بأن هناك تناسقاً بين موقفي السيد أفورقي والسيد أحمد ضدهم، وهذا مثّل شرارة لانتقام أكيد من تقراي؛ ومما قال السيد أفورقي في عيد الشهداء أن سياسات تقراي و(أسيادهم) وكما يشير إليهم دوماً (وياني) هي سياسات تدميرية، وأنهم أحبطوا النمو الإيجابي للعلاقات الإثيوبية الأرترية، وأن على الشعب الإثيوبي أن يعجل بنهاية (وياني) ويقول (كفى) لهم لأن (ألاعيبهم) قد انتهت، باختصار فقد كان الخطاب بمثابة إعلان حرب أرتري كما أسلفت متوافق مع الاجراءات الإثيوبية ضد تقراي إثيوبيا وجبهة تحريرهم المقاتلة، كما حمل الخطاب لتقراي ملامح تحالف أمريكي إثيوبي أرتري ضدهم، كل هذا جعلني أتوقع بما لا يدع مجالاً للشك أن الانفجار وشيك، وأن إثيوبيا وحتى جارتها الشقيقة أرتريا لن تنعما بالسلام بينهما قريباً، فالحرب القادمة في إثيوبيا والتي ستبدأ من تحت أجنحة حمامة السلام ستكون مدمّرة جداً في ظل غضبة تقراي وتحفّز أورومو وأمهرا ضد تقراي وأزمة سد النهضة مع مصر وتنافس القوى الإقليمية والدولية على الفرص الإثيوبية وتقاطع الأجندات الإقليمية هناك، كل هذا يمثل وقوداً لمعركة ستطول وسيدفع ثمنها الشعب الإثيوبي والإقليم والعالم، معركة قد تكون بدأت اليوم بهذا التفجير.

المسافة الفاصلة بين رئيس الوزراء الإثيوبي وبين موقع التفجير تشير إلى أن هذا التفجير هو رسالة تحذيرية فقط من المضي في السياسات الراهنة، وأن التفجير القادم سيكون أقرب، وربما كان رصاصة فقط، لكن أياً كان نوعه فهو يعني الفوضى.
إذاً فربما تكون كلمة السر المتخيلة Proud هي كلمة فاصلة كالسيف بين تاريخين في جمهورية إثيوبيا الفيدرالية (الواحدة)، فالمرجو أن يعم السلام في إثيوبيا وبين إثيوبيا وأرتريا من أجل غدٍ أفضل لشعبيهما وللمنطقة، وقد آن الأوان لهذه الشعوب العريقة أن تنعم بالرفاهية والتقدم.

كتب✍ : *خالد عثمان*

Exit mobile version