تتجه وزارة التجارة بنهاية العام الجاري إلى إيقاف صادر المواد الخام لتعظيم القيمة المضافة للمنتجات المحلية وزيادة إيرادات الدولة من النقد الأجنبي.
وكشف وزير التجارة حاتم السر مؤخراً عن قرار مرتقب للحكومة لإيقاف تصدير الخامات السودانية لكل المنتجات على اعتبار أن تصنيع المواد الأولية يمكن أن يدر للبلاد مليارات الدولارات سنوياً.
واعتمد الوزير في توجهه على تجارب التصنيع في عدد من الدول التي تزدهر فيها الصناعات المختلفة مثل النسيج والسكر والزيوت والجلود التي تشغل أعداداً هائلة من العمالة بما يحد من الفقر ويضيف قيمة مضافة إلى المنتجات المحلية.
ويرى مراقبون أن توجّه الدولة لإيقاف صادر المواد الخام يعني أنها اتخذت القرار الصائب لتحقيق أهدافها الرامية نحو زيادة الإنتاج والإنتاجية ورفع عائدات الصادر، وهذا بدوره يقود إلى استقرار سعر الصرف وتدفقات نقدية يمكن أن تشهدها المرحلة القادمة.
ويؤكد رئيس اتحاد عام الغرف الصناعية معاوية البرير مواصلة المصنعين والمنتجين بجميع القطاعات المتعددة لمسيرة النماء والتنمية إلى أن يصبح السودان في مقدمة الدول المتقدمة، مبيناً أن وفرة السلع المنتجة محلياً في ظل هذه الأزمات تؤكد مقدرة وكفاءة المصانع المحلية لاستيعاب جميع الطاقات والموارد التي تمكنها من توظيفها لمنتجات ذات مواصفات عالمية تؤهلها للمنافسة في الأسواق العالمية، وقال إن الصناعة السودانية ما زالت قادرة على قيادة الاقتصاد السوداني بمزيد من الاهتمام والمعالجات.
ويعتبر مراقبون توجه الحكومة نحو منع تصدير المواد الخام خطوة إيجابية تحفظ للبلاد مواردها لاستغلالها في تدوير عجلة الإنتاج المحلي من جهة، وجذب الاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى، لكن ثمة مخاوف بشأن مدى توفر الدولة على خطط استراتيجية تمكنّها من الاستفادة من إجراء كهذا.
ويتميز السودان بأنه منتج أساسي للقطن كما يتوافر له إنتاج ضخم من الحبوب والفواكه، فضلاً عن الثروة الحيوانية، حيث يعد السودان الأكبر في الإقليم من حيث أعداد الماشية التي تصدر إلى الدول العربية إلى جانب مخزون سمكي وفير بفضل توفر البلد على عدد من الأنهار والبحيرات.
ويرى الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز أن السودان يصدر للأسواق العربية ما مجموعه 14.5 مليون طن من الفاكهة سنويًا بعائد لا يتجاوز ستة ملايين دولار وهي عوائد ضعيفة إذا ما قورنت بعائدات الصناعات الغذائية التي يمكن أن تدخل فيها هذه السلع.
الأمين العام لمجلس الصمغ العربي الدكتور عبد الماجد عبد القادر، دافع عن قرار الوزير، وقال إن تصدير الصمغ في شكله الخام يُفقد البلاد عائدات كثيرة تصل إلى عشرين مليون دولار في العام في ظل وجود 23 مصنعاً منها 15 مصنعاً نشطاً.
وتعمل جميع المصانع الموجودة في السودان على تصنيع الصمغ في شكل حبيبات وبلورات بدرجات مختلفة. ويصدر السودان صمغاً خاماً يصل حجمه الإجمالي إلى أكثر من 120 ألف طن سنوياً، منها 65 ألف طن بالطرق الرسمية والمشروعة بينما تجد 50 ألف طن طريقها إلى التهريب عبر الحدود لدول الجوار.
واتفق اتحاد عام أصحاب العمل مع توجه وزارة التجارة، وقال أمين السياسات باتحاد أصحاب العمل سمير أحمد قاسم: نتفق مع الحكومة في توجهها لتحقيق القيمة المضافة عبر تصنيع المنتجات الزراعية وتصديرها، لكن ثمة شروط لنجاح العملية على الحكومة توفيرها منها وجود بيئة صحية لاستدامة الإنتاج والتنمية لاستقطاب العمالة وخفض مستوى الفقر وتحسين ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
وأكد قاسم وجود عقبات أساسية أمام تطبيق هذا القرار، منها معاناة المصانع القائمة من عدم التمويل المتوسط وطويل الأجل، وارتفاع تكلفة القروض، وعدم اكتمال البنية التحتية بالنسبة للصناعة.
ويرى خبراء اقتصاد أن القرار يتطلب ترتيباً للبيت الداخلي وإزالة المعوقات التي تقف أمام القطاع الصناعي، من بينها البنيات التحتية ومشاكل الكهرباء والتسويق والتخزين والمواصلات والاتصالات، إضافة إلى انتهاج العلمية في توظيف المواد الخام نحو الصناعة المحلية.
ويقول دكتور محمد الناير، الخبير الاقتصادي إن توجه الدولة نحو إيقاف صادر المواد الخام سيحقق مكاسب كبيرة للبلاد، إلا أنه يرى أن يسبق إنفاذ القرار ترتيبات كبيرة تتمثل في إنشاء مزارع ومصانع بمواصفات عالمية، خاصة أن السودان لديه إمكانيات متاحة في ظل تمتعه بالثروات الزراعية والحيوانية والصناعية، كما أن القطاع الصناعي يتطلب وقفة جادة من قبل الدولة وتنفيذ جميع التزاماتها التي وضعتها بشأنه.
وتوقع الناير ارتفاع حجم الإنتاج والإنتاجية بجانب أن مكاسب هذا القرار ستدفع بعائدات الصادر مضاعفة عبر القيمة المضافة التي يحققها توظيف المواد الخام وتحويلها إلى منتجات سودانية سيكون لها مكانة كبيرة في الأسوق العالمية خاصة الصمغ العربي والسمسم والمحاصيل الزراعية الأخرى، بجانب المعادن وغيرها من الموارد التي ينعم بها السودان. وأكد أن العبء الأكبر سيقع على القطاع الصناعي في إنفاذ القرار، ولكنه يقول إن مثل هذه السياسات تحتاج لمزيد من الوقت والجهد لاستعادة عافيته.
وقال الخبير الاقتصادي بابكر محمد توم: اتجاه الحكومة نحو تقييد الصادرات الخام خطوة متقدمة وجريئة، لكن عدم وجود خطة استراتيجية بالدولة يهدد النتائج المرجوة منها، مؤكداً أن إجراءً كهذا يحتاج إلى إعداد جيد من قبل الدولة قبل أن يبدأ تنفيذه. وقال: لابد من بذل جهد كبير في تشجيع تصنيع السلع الغذائية التي تصدّر خاماً تفادياً لعدم التصدير الجزئي في حال التطبيق، خاصة أن البنية التحتية الأساسية غير كافية في كثير من مناطق البلاد. وطالب بمنح حوافز للمصنعين والتركيز على مجال التبريد والتخزين، ووضع خطة تجعل القرار حقيقة تُمكّن البلاد من تصنيع كل المنتجات اللازمة للسوق المحلية.
وحذّر الخبير الاقتصادي من تطبيق القرار بصورة متعجلة في ظل غياب التصنيع الكافي لبعض السلع خاصة الجلود، لكنه توقع تحقيق عوائد جيدة من تصنيع المنتجات وتصديرها، قائلاً: هذا يضمن على الأقل ثلاثة أضعاف ما كنا نحصل عليه نظير تصدير الخام فضلاً عن تشغيل العمالة.
صحيفة الصيحة.