(طريق الأشواك) لم تكن الابتسامات المتبادلة بين سلفا ومشار تعبيراً عن نهاية حقبة الموت في دولة الجنوب.. ما يزال الفرقاء في خلافهم القديم والمواقف لم تتبدل.. فهل تفشل قمة إيقاد في امتحان سلام الجنوب مرة أخرى؟
حالة من من الدهشة استقبل بها السودانيون الحراك الخارجي المحموم والناجح الذي اختطه رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد في ما يتعلق بسعيه لتغيير وجه إثيوبيا بالخارج. الرجل الذي فاجأ الجميع برغبته في تسوية المشكلات مع أرتريا بعد سنوات من القطيعة هو ذاته الرجل الذي تابعته وسائل الإعلام وهو يتبادل الضحكات بين أحضان كل من الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت ونائبه السابق غريمه الحالي رياك مشار في سبيل السعي من أجل إذابة جليد الخلافات وإعادة السلام لدولة جنوب السودان وهو ما يعتبره البعض الامتحان الأكثر صعوبة في قارة تعج بالنزاعات التي لا تنتهي. نزاعات تكاملت مع رغبة إثيوبيا في أن تكون مركزا للحلول، كيف لا وهي من تستضيف الاتحاد الأفريقي الذي من أهم أهدافه وضع نهاية للمشكلات وإعلاء قيمة السلام دون إهمال أن دولة الجنوب تحادد دولة إثيوبيا ومن شأن عدم الاستقرار السياسي فيها أن يؤثر على استقرارها الداخلي.
1
مثلت إثيوبيا مركز المعالجات للأزمات السودانية في أعقاب التوقيع على نيفاشا فقد كانت هي المسرح الذي استضاف آخر اجتماعات الشريكين قبل حدوث المفاصلة حيث اضطر الوسيط ثابو أمبيكي أن يخاطب السودانيين قائلاً: “إن النيل لن يغير مسيله” عليه لم يكن مستغرباً أن تسيل الدماء في الدولة الجديدة وتصبح بعدها إثيوبيا راعية المفاوضات بين الفرقاء في الدولتين وراعية مفاوضات فرقاء الجنوب، وبالطبع الدولة التي تحاول أن تضع النهاية للأزمات في السودان الشمالي بين الحكومة وقطاع الشمال في المنطقتين. كانت وسائل إعلام تنقل خبراً منسوب لوزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد عن عقد قمة بين سلفا ومشار بالخرطوم وهو ما لم يحدث حيث انتقلت القمة لتعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بالتزامن مع قمة رؤساء دول الإيقاد.
2
أخيراً التأم شمل سلفا ومشار في أديس أبابا وهو اجتماع يمثل أحد مخرجات اجتماع مجلس وزراء خارجية دول الإيقاد، بعقد لقاء مباشر بين زعيمي الحركة الشعبية في الحكومة والمعارضة، اشتعلت المصالح الإقليمية بتباري العديد من العواصم الإقليمية في إجراء المبادرات الفردية من ناحية والرغبة في استضافة اللقاء من ناحية أخرى؛ في الوقت الذي عمد فيه الرئيس اليوغندي يوري موسفيني إلى نزع فتيل الأزمة عن طريق توحيد فصائل الحركة الشعبية، واستلهم الرئيس الكيني أوهورو كينياتا والحال انطبق على الخرطوم التي ألهبها الحماس للبحث عن موطئ قدم مغاير في دينامية الصراع الدائر بجمهورية جنوب السودان. صرف النظر عن مدى مساهمة تلك الصراعات التنافسية في التوصل إلى سلام وهو ما جعل البعض يقرأ لقاء الخرطوم الذي لم يعقد بأنه يأتي في ثنايا الصراع الإقليمي الدائر الآن.
3
لكن حتى الآن يبدو السؤال الرئيس المتعلق بإيقاف النزيف في الجنوب إجابته الحاضرة هي النفي أو أن الطريق ما زال محاطاً بالأشواك والمتاريس حيث لم تفلح الضغوط الدولية المتصاعدة على الجانبين في تقليل حدة المواجهة أو في حث الأطراف على اتخاذ مواقف متقاربة تسهل عملية الوصول إلى سلام. هذا ما جرى في اجتماعات ما قبل حضور سلفا ومشار حيث سرت شائعات تقول بأن سلفا يمكن أن يغيب عن حضور القمة تماهياً مع موقفه الرافض لأي تقارب مع غريمه التقليدي وكتأكيد على أن مشار لا يمكن أن يضع عصاته مرة أخرى في مسارات التأثير السياسي في الدولة الوليدة. بحسب مراقبين فإن الابتسامات التي أعقبت انتهاء قمة سلفا مشار لا تعبر عن تحول إيجابي في المشهد الجنوبي وإن الأوضاع ما تزال في ذات نقطة النزاع والاختلاف والشقة ما تزال بعيدة بين الرئيس ونائبه السابق، وهو ما جعل المسكوت عنه يخرج للعلن حيث سرب صحفيون تصريحاً لمشار قال فيه إن طريقة إدارة الإيقاد للمفاوضات غير مناسبة.
4
تقدمت حكومة الجنوب بمقترح جديد قضي أولاً: بتقاسم السلطة بما نسبته (70 %) لمصلحتها و(30 %) لما تبقى من قوى المعارضة بما في ذلك الحركة الشعبية بقيادة مشار، وثانياً: الاحتفاظ بقيادة الجهاز التنفيذي الحالي ـ الرئيس سلفا ونائبيه الأول والثاني تعبان دينق وجيمس واني ـ فضلاً عن استبعاد مشار من المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، وإسناد منصب النائب الثالث لرئيس الجمهورية إلى مرشح تنتخبه حركته. فيما أعلن سلفا في القمة تمسكه بموقفه الرافض لعودة مشار إلى السلطة مرة أخرى وهو ما أدى بدوره لحالة من الاستياء الجماعي داخل أروقة التفاوض وأعاد الجميع للتفكير في دور إيجابي للسودان في سبيل تقريب وجهات النظر بين سلفا ومشار من أجل تلافي الانحدار نحو فشل القمة أو الفشل في صناعة سلام في جنوب السودان وتواصل مسيرة الدم التي تجاوزت ثلاثة أعوام منذ انفجارها الأول.
5
فيما أعلن مجلس وزراء الهيئة الحكومية لدول شرق أفريقيا المعنية بالتنمية (إيقاد) عن توصلهم إلى مُقترح تجسير جديد بشأن سلام جنوب السودان، سوف يتم تقديمه للأطراف المتنازعة في الأيام المقبلة للتوقيع عليه بعد مناقشته في قمة رؤساء المنظومة مساء أمس (الخميس)، وكان مجلس وزراء الإيقاد قد عقد صباح يوم أمس جلسته الثالثة والستين، بمشاركة وزراء خارجية كينيا، مونيكا جوما، والصومال أحمد عيسى عواد، والسودان، محمد الدرديري، وجيبوتي محمد علي يوسف، ووزير الخارجية اليوغندي سام كوتيسا.
وقال رئيس مجلس وزراء خارجية الإيقاد وركينو غيبيهو ـ حسب بيان نشرته الخارجية الكينية ـ إن استمرار فترة عملية إحياء الاتفاقية للعام، يعتبر منعطفا حرجا للغاية وهذا يتطلب تحمل إعداد وثيقة نهائية تعالج القضايا العالقة بين الأطراف في قضايا الترتيبات الأمنية وتقاسم السلطة.
ووفقا للبيان، سوف يتم عقد جولة جديدة من مشاورات السلام لمزيد من التنازلات الممكنة من قبل الأطراف وإيجاد توافق في الآراء بشأن مُقترح التجسير الجديد.
وتم تقديم المُقترح الجديد من قبل السفير إسماعيل وايس المبعوث الخاص للإيقاد لدى جنوب السودان، وأشار وايس إلى أن المُقترح يستند على مداولات ومناقشات الأطراف، بعد أن قامت الإيقاد بمراجعة مقترحاتهم حول مقترح التجسير.
المُقترح الجديد، يتضمن إنشاء منصب نائب ثالث للرئيس، وتوسيع مجلس الوزراء إلى (42) وزارة و(15) نائباً وتقسيم السلطة على المستوى القومي والولائي (55 %) للحكومة، (25 %) للمعارضة المسلحة، (20 %) لجماعات المعارضة الأخرى والأحزاب السياسية مع ضمان تمثيل المرأة بنسبة (35 %) تشمل منصب نائب الرئيس ونائب رئيس البرلمان. وهو ما بدا وكأنه الطريق الثالث من أجل تلافي السقوط في مربعات الفشل القديمة.
بالطبع انتهت اجتماعات مجلس وزراء إيقاد فاتحة الطريق أمام انطلاق قمة الإيقاد بمشاركة الرؤساء وكان اجتماع الوزراء قد أحال النقاط الخلافية في ملف الجنوب إلى قمة الرؤساء وعلى رأسها الموقف المستقبلي لرياك مشار ومقترح إمكانية فرض عقوبات. وإن كان ما جرى أكد على نقطة محورية وهي صعوبة تجاوز ما يمكن أن تقوم به الخرطوم في المعادلة الجنوبية لكونها الحصان الرابح، فهل تنجح هذه المرة في إيقاف صهيل خيول الموت والوصول إلى سلام؟ وبالطبع هو السؤال اللاحق لسؤال سابق له: هل تفشل الإيقاد مرة أخرى في علاج الأزمة الجنوبية؟
اليوم التالي