تداعى الهيكل التنظيمي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بدرجة كبيرة، ولم يعد بمقدوره الحديث عن أي موقف سياسي موحد للحزب، وعلى اختلاف القضايا السياسية ومستجداتها فإن الحزب عاجز عن الثبات على رأيه السياسي القاطع، أو حتى استصدار القرارات من مؤسسة تنظيمية ضمت اجتماعا لأعضائها المحددين، ولشدة ما استشرى من الضعف التنظيمي داخل الحزب، نشأت بدائل للمؤسسات التقليدية، حيث تم استبدال الهيئة القيادية بمسمى مكتب رئيس الحزب، فيما لدى المراقب العام وإن كان منتخبا أيضا قراراته ولا تسأل عن منصب الناطق الرسمي الذي يتقلده أعضاء الحزب.
(1)
صحيح أن قرار المشاركة في الحكومة ومن وقت مبكر قد أفرز تيار رفض وآخر قابلا بها، لكن حتى المشاركين في الحكومة من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل منشقون، ويظهر تيار بقيادة السيد الحسن الميرغني الذي يمثل تيار الوراثة ويضم طيفا واسعا من أعضاء الحزب والطريقة الختمية قام بتسكينهم في وظائف الحزب الممنوحة من الحكومة، فيما يستأثر أيضا تيار بقيادة حاتم السر ويضم وزراء الحزب في المركز والولايات، ويبدو أن المشاركين ورغم ما تجمعهم من لحمة كيكة السلطة، إلا أن ممارستهم للمشاركة في الحكومة تختلف من شخص إلى آخر، فمثلا بدا حاتم السر وزير التجارة أكثر اندغاما وبالطبع زميله أحمد سعد عمر وزير مجلس الوزراء، فيما يبدي مساعد الرئيس السيد الحسن الميرغني تحفظات واحتجاجات على مشاركته وبصورة دائمة، لكنه لم يغادر، وإن كان يفضل السفر والترحال على الإقامة طويلا في القصر الجمهوري.
(2)
مؤخرا دارت رحى حرب مفتوحة حول اتخاذ قرار للحزب بشأن الانتخابات، وبينما قطع القيادي بالحزب الاتحادي أحمد سعد بموافقة حزبه على قانون الانتخابات بوضعه الذي أثار كثيرا من اللغط، وتسبب في انشقاق وسط الأحزاب المشاركة في الحكومة نفسها، نفى الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي الأصل محمد سيد أحمد موافقة حزبه على قانون الانتخابات، وأكد أن الحزب لديه تحفظات على القانون، وهدد زميله أحمد سعد بمحاسبته تنظيميا باعتبار أنه نقل رأيا مخالفا لرأي الحزب ورئيسه مولانا محمد عثمان الميرغني.
(3)
وحالة اللسان الاتحادي المتناقض والمختلف ليست حديثة في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فحتى قرارات الوريث السيد الحسن التي اتخذها بشأن قيادات في الحزب والتي قضت بفصلهم تم نسخها هي الأخرى بقرار من رئيس الحزب مولانا الميرغني، فيما تم إيقاف المؤتمر الاستثنائي الذي كان من المفترض انعقاده في الشهور القليلة الماضية والذي كان يتبناه السيد الحسن ومحموعته داخل الحزب، وتمت الاستعاضة عنه بقرار اللجنة العليا لقيام المؤتمر العام.
(4)
بعض يرى أن حالة التشقق المستشرية في صفوف الاتحادي ليس لديها ترياق خلاف العودة للهيكل التنظيمي، ومعلوم للجميع أن رئيس الحزب موقع غير مختلف عليه مما يسهل من عملية البناء ولو بالتعيين، كما أن وجود مؤسسات ما تزال تملك قدرة على التصدي لهذا الانهيار التنظيمي مثل مكتب المراقب العام يمكن أن يزيل كثيرا من اللبس المتعلق باتخاذ قرار الحزب حول القضايا المختلفة، ولم تتمكن أي مؤسسة منذ حل مكاتب الحزب في الولايات وانتخاب مكاتب جديدة من السيطرة على التصريحات الصحفية، أو حتى اتخاذ قرارات مصيرية مثل اختيار ممثلي الحزب في الحكومة والموافقة أو رفض قرار الحزب المتعلق بالمشاركة.
(5)
ربما تبقى سانحة حسب المراقبين أن توحد القضايا الوطنية الحزب، كما هو الحال في إرثه القديم، فالبعض يرى أن قانون الانتخابات الحالي بإمكانه أن يجمع شتات الأصل للاجتماع باعتباره قضية وطنية تجردت لها معظم الأحزاب الآن، بل وبدت أكثر قربا لمواقفها الوطنية منها لأحزاب مشاركة ليست لديها قدرة على الحديث ورفع الصوت أمام الشريك ذي النسبة الأكبر والأغلبية الميكانيكية، واستطاعت أحزاب مثل حركة الإصلاح الآن وحزب المؤتمر الشعبي وأحزاب أخرى توحيد جبهتها الداخلية للوقوف خلف هذه القضية الوطنية المصيرية.. فهل يتمكن الاتحادي الأصل من ذلك؟
الخرطوم – حسن محمد علي
صحيفة اليوم التالي