من أيّ طِينة أنتم أيها السودانيون ؟!!

أول أمس ذهبت زيارة مع أسرتي إلى والدتي وشقيقتي الصُغرى بضاحية “أبو آدم ” بالخرطوم سهرنا معهم حتى ساعة متأخرة من الليل، عندما نزلنا رفض مفتاح السيارة التشغيل كأنه لايعرفها، حاولت وحاولت وكررت المحاولة لعدة مرات بلاجدوى ، بعدها توكلت على الله وتركتها أمام دارهم، و طلبنا “ترحال” وعدنا إلى منزلنا.

في الصباح فكرت في الحل، فأرشدني تفكيري إلى القروب الرائع أهل الفزعة والحارة “احترس امامك كشه” نشرت فيه أسألهم عن حل المشكلة، معظمهم أشاروا لي أن أطبع نسخة من المفتاح، إلا واحدا منهم كانت إجابته إجابة خبير، وضع إصبعه على المشكلة وعلاجها ببراعة متناهية، قائلاً واضح أن المفتاح قد تآكلت منه بعض السِنن والنسخ سيؤدي إلى ذات النسخة المتعطلة الأفضل صناعة مفتاح وليس نسخه، دخلت عليه في الخاص فوجدته خبير في هذه الصنعة مُنذ نعومة أظفاره إلا أنه إعتزلها منذ سنوات ليمارس نشاط آخر، شرحت له الوضع فؤجئت بإستعداده للحضور لي لمعالجة الأمر مؤقتاً لأتحرك بها لحين صناعة مفتاح جديد، بعد مغرب أمس الأربعاء وجدت أمام منزلنا يقف شاب مُبتسم الوجه وَضِيء الطلعة تطالع طيبة قلبه وحُسن خُلقه على محياه، رغم رهق العمل و تعبه طوال النهار لم يمنعه ذلك من تقديم خدمة لشخص لايعرفه من قريب أو بعيد، ولم يلتقيه من قبل، ذهبنا سوياً الى “ابو آدم” ، هناك تقدم بخطوات واثقة وأدار محرك السيارة في كسر من الدقيقة، بعدها عرّفني كيف أتغلب على هذا العطب مؤقتاً وقد أرشدني لمحل ذهبت له اليوم وحلّ لي المشكلة بتصنيع مفتاح جديد بشريحته الداخلية.

المُدهش عندما هم بوداعي، شكرته و أردت أن أعطيه أجرته أقسم بالله أن لايأخذها، يا إلهي .. شخص لايعرفك ولاتعرفه يقطع المسافات من الديوم الشرقية مكان سكنه إلى منزلنا ثم إلى أبو آدم رغم رهق العمل وتعب اليوم ثم يعدها مروءة وخدمة لله !
قُلت له إعتبرها هدية وقود للسيارة قال لي هديتي سأجدها عند الله وهل إنعدمت المروءة يارجل ، حقيقة ألجمني بهذه العبارة كما أدهشني بالقلب الكبير الذي يحمله .

ذهب “عصمت” وجعلني أتساءل من أي طينة نحن السودانيون، الذين نحمل جينات متفردة من المروءة والنخوة والشهامة.
العجيب بعد أن فارقني إتصل بي بعد ساعة قائلا: والله ياعيسابي في طريق عودتي منك وجدت شابين حائرين جوار سيارة آكسنت مضلع معطلة في الطريق، أوقفت سيارتي وذهبت نحوهما والله إنني وجدت عطلهم ذات عطلك مشكلة في المفتاح عالجته لهما وسط دهشتهما، وحكيت لهما سبب مشواري هذا ومروري بهذا الطريق لأصادفهم !!
قُلت له أنت مُرسل إلينا بقدر قدره الله وليست مصادفة [ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ] جزاك الله خيراً وفيراً وأغدق عليك بالنعم ماظهر منها ومابطن أخي “عصمت صالح” ويكفي أن تكون مُلهماً ومحفزاً بصنيعك هذا، وعنواناً يعنون ويرمز للمروءة لهذا الشعب الكريم .

بقلم
ابومهند العيسابي
? الصورة لعصمت صالح من بروفايله بفيسبوك

Exit mobile version