“الحياة سلسلة من الإدمان وبدونه نموت” إنه الاقتباس المفضل لمارك غريفيث الأستاذ المتخصص في الإدمان السلوكي بجامعة نوتنغهام ترينت، وقد نشرت عام 1990 بمجلة بريطانية تعنى بالإدمان بقلم إسحاق ماركس. وأطلقت هذه العبارة المستفزة والمثيرة للجدل لتحفيز النقاش بشأن الإفراط في ممارسة أنشطة معينة بشكل ينطوي على مشاكل مثل القمار والجنس والعمل.
ويضيف غريفيث أن الكثير منا قد يصف نفسه بأن مدمن على تناول الشاي أو القهوة أو الشوكولاتة أو العمل، أو يقول إنه يعرف آخرين ينطبق عليه صفة الإدمان على شاشة التلفزيون أو المواد الإباحية. ولكن هل لهذه الافتراضات أي أساس في الواقع؟
إن القضية ترتبط في المقام الأول بالكيفية التي يعرف بها الإدمان، خصوصا وأن الكثير من المتخصصين لا يتفقون على ماهية المحددات الأساسية للإدمان، ويجادل العديدون بأن كلمتي “الإدمان” و”مدمن” تستخدمان كثيرا في ظروف الحياة اليومية لدرجة أنهما أصبحتا بدون معنى.
فعلى سبيل المثال، الحديث عن أن إدمان قراءة كتاب ما أو إدمان مشاهدة مسلسل تلفزيوني لا يفيد في شيء بمجال التجارب السريرية، إذ إن استخدامها في هذا السياق يكون إيجابيا مما يخفي المعنى الحقيقي للإدمان.
الحماس المفرط
ويقول أستاذ الإدمان السلوكي إن الكثيرين يطرحون عليه سؤالا ولا سيما من وسائل الإعلام: ما الفرق بين الحماس المفرط الإيجابي والإدمان؟ ويضيف ببساطة أن الحماس المفرط الإيجابي يضيف إلى حياتنا شيئا، في حين أن الإدمان ينقص منها.
ويرى غريفيث أنه لكي يصنف سلوك ما على أنه إدمان فإنه يجب أن يتضمن عددا من الملامح الأساسية، ومنها الانشغال المفرط بهذا السلوك، وتعارضه مع الأنشطة الأخرى والعلاقات، والانسحاب عند الفشل بالانخراط في نشاط معين، والزيادة في السلوك الإدماني مع مرور الوقت، ومن التبعات الأخرى للإدمان الشعور بفقدان السيطرة، والرغبة الشديدة في هذا السلوك.
وقبل بضع سنوات، نشر كل من غريفيث و”ستيف سوسمان” و”نادرة ليشا” دراسة بحثت العلاقة بين 11 سلوك إدمان محتمل، وهي: التدخين وشرب الخمر وتعاطي المخدرات والأكل والقمار واستخدام الإنترنت والحب والجنس والتمارين الرياضية والعمل والتسوق.
ودرس الباحثون الثلاثة معطيات 83 دراسة متخصصة في الموضوع، وتوصلوا إلى أن وجود إدمان لدى البالغين في الولايات المتحدة بنسب متفاوتة تتراوح بين 15% و61% في 12 شهرا مضت.
وخلصوا إلى أن 47% من السكان البالغين بأميركا ظهرت عليهم علامات وأعراض اضطراب إدمان في 12 شهرا مضت، ويضيف غريفيث أنه سيكون من المفيد النظر إلى الإدمان بصفته نتيجة لمشاكل في أسلوب الحياة، ولارتباطه بعوامل لصيقة بالشخص.
إحلال إدمان بإدمان
ومن الشائع أن يقدم شخص أقلع عن إدمان معين بإحلال نوع آخر من الإدمان، وهو أمر يسهل فهمه بحكم أنه عندما يتوقف شخص عن سلوك إدماني ما فإن ذلك يترك فراغا في حياته، ويكون في الغالب الشيء الوحيد الذي يملأ هذا الفراغ هو أنشطة أخرى تنطبق عليها صفة الإدمان، وهو ما دفع العديد من الناس لوصف هذا الطينة من الأفراد بالشخصية المدمنة.
وثمة عوامل مساعدة على نهج سلوك إدماني، ومنها الجينات والصفات الشخصية مثل العصبية المفرطة (القلق والتعاسة والتعرض لمشاعر سلبية) والتسرع والإهمال وغياب النظام.
وعلى الرغم من وجود دليل علمي جيد على أن معظم المصابين بالإدمان عصبيون، فإن العصبية لا تعني في حد ذاتها الإدمان، إذ هناك أناس عصبيون جدا ومع ذلك لا يدمنون على شيء، وبالتالي فلا دليل قويا على أن صفة شخصية معينة أو مجموع صفات تنبئ بوجود حالة إدمان.
ويخلص غريفيث إلى أن القيام بشيء ما بشكل اعتيادي أو مفرط لا يخلق بالضرورة مشكلة، ففي حين أن العديد من التصرفات مثل الشرب المفرط للقهوة أو الإكثار من مشاهدة التلفزيون قد توصف نظريا بأنها سلوك إدماني، إلا أنها قد تكون سلوكا عاديا يكتسي أهمية في حياة الشخص، ولا يتسبب له في أي مشكل أو قد تكون أضراره طفيفة.
المصدر : الجزيرة