ليلة الدماء !!

*هجعت (مقرات) بعد سهرٍ… في تلكم الليلة..

*ولكن عريسها (النعيم) كان ينتظره ما طال تلهفه عليه مع (آسيا)..

*وعند ساعات السحر الأولى دب دبيب الحياة في شرايين جزيرة الرباطاب الساحرة..

*وكان الجو مثقلاً برائحة الخضرة… وعطر (الخُمرة)..

*ونعيم هو كبير المنطقة… وفتوتها… والآمر الناهي فيها؛ بقوة الأمر الواقع..

*واشتهر بتجبُّره هذا الذي طال حتى القوافل التجارية..

*ومن ضحاياه عمر- خطيب آسيا- الذي شوهدت جثته ملقاة على الشاطئ..

*ولم يجرؤ أحد على توجيه الاتهام إليه… رغم وضوح الدلائل..

*وكان علماً على رأسه نار في ذلكم الزمان من بدايات القرن الثامن عشر..

*وتحديداً الفترة من 1805 وحتى 1812… عام زواجه المذكور..

*وخلالها قتل من رجال القوافل ما أثار عليه حنق الجميع..

*جميع مرتادي طريق القوافل ؛ من سواكنية… وسناريين… ودارفوريين..

*وجلب عليه أيضاً نقمة العبابدة ؛ أدلَّاء القوافل المصرية..

*وراجت شائعة قوية بأن النعيم (محصن) بتمائم وتعاويذ وطلاسم ضد الرصاص..

*فهو ما كان يتأثر أبداً ببارود حراس قوافل الشمال ؛ العبابدة..

*وفي بربر – حيث كان يقيم حينها الرحالة بوركهارت – سرت نصيحة من شيوخها..

*وتطابقت نصيحتهم هذه مع نصيحة شيوخ الدامر؛ الفضة..

*قالوا لابد من تلبيس الرصاص بالفضة كي تُبطل مفعول (حجبات) النعيم..

*وهي النصيحة ذاتها التي نجدها الآن في أفلام مصاصي الدماء..

*وأتت إلى بربر في ذلكم الأثناء قافلة تخص باشا مصر… ويحرسها العبابدة..

*فتسلحوا بعيارات الفضة تحسباً لغدر نعيم ؛ حسب بوركهارت..

*ولكنهم علموا أن عدوهم مشغول بزواجه من فاتنة مقرات – وما جاورها – آسيا..

*فاطمأن رسل الباشا… وفكروا في التعجيل بالرحيل مع بضاعتهم..

*ولم تكن البضاعة سوى عبيد… وجوارٍ… وغلمان..

*وقبيل موعد الرحيل بيوم عجل العبابدة بالمغادرة للانتظار عند بئر شقرة..

*وكانت حجتهم مقبولة… فالبئر لا تسقي كل القافلة مرةً واحدة..

*فماؤها ينضب سريعاً… ثم يفيض بعد يوم أو أكثر..

*ولكن العبابدة أضمروا أمراً – شراً أو خيراً – وبدلوا وجعتهم غرباً من بعد شرق..

*ثم حاذوا النيل شمالاً وهو يستحثون جمالهم على الهرولة..

*وكان مؤذن جامع مقرات يملأ خياشيمه برائحة الخضرة… وعطر (الخُمرة)..

*وقبل أن يُنبِّه لصلاة الفجر سمع صرخة أنثوية من دار نعيم فاستغفر الله..

*ثم أعقبتها صرخات رجولية منكرة اهتزت لها مقرات كلها..

*وتضرج العريس بدمائه… وذاق الكأس التي أذاقها الألوف..

*وأُسرت العروس… وتزوجها أحد قاتلي زوجها…وسافر بها إلى مصر..

*وبعد سنوات فوجئت مقرات بآسيا تعود… ومعها طفل..

*ولسنوات أخرى ظلت تحكي عن ليلة الدماء..

*وهي تبكي دماً !!!.

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة

Exit mobile version