شخصياً، كنت أكثر المنتقدين لمسيرة الإعلامية المذيعة لوشي المبارك -ولازلت- لكن هذا لا يمنع على الإطلاق من إبداء رأيي بشجاعة كبيرة فيما تتعرض له مؤخراً من محاولة (تحطيم إخلاقي) من بعض ضعاف النفوس و(رعاع الأسافير) والذين نسوا أو تناسوا أن الدائرة تدور، وأن الظلم ظلمات، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.!
قبل كل شيء، دعوني أسأل سؤالاً مباشراً وهو: (هل الصورة التي تم تناقلها والنيل من تلك الفتاة بسببها هي صورة حقيقية).؟…وهذا السؤال مهم جداً للمواصلة في هذا المقال، فالإجابة هاهنا بالنفي تنسف كل المؤامرة أما الإجابة بالتأكيد فهي تجعلنا وببساطة نطالب المؤكدين بإبراز ما يثبت ذلك فوراً، أما (الإجابة الرمادية) على نسق (والله ماعارفين)، فهي إجابة كارثية بكل المقاييس، وعلى نسق تلك الإجابة تكمن (العلة) الحقيقية التي أصابت هذا المجتمع ونهشت جسد وقاره ورصانته.
ما الذي حدث لمجتمعنا.؟…ما الذي أصابنا وجعلنا نتلذذ بالشائعات الخبيثة والمؤامرات دون أن نكلف أنفسنا عناء التأكد منها.؟…وما الذى جعلنا نشطين جداً في نقل (البذاءات) وخاملين بذات القدر في نقل الأخبار المفرحة والسعيدة والمشرقة.؟
القضية هاهنا سادتي ليست قضية (لوشي) وحسب، القضية هاهنا قضية (ضمير) يختنق، ومجتمع صار جُلّ همه التنقيب عن (الأسوأ) ووضعه في أولوية الاهتمامات، القضية هاهنا قضية غياب تام للوعي وللأخلاق وللمبادئ وللقيم السودانية (السمحة) التي كانت ذات يوم منارة نهتدي بها، والقضية أيضاً سادتي قضية (كشف حال) لم نكن ذات يوم من هواة تطبيقه بقدر ماكنا محترفين (سترة).!
أكثر ما آلمني في ماحدث لـ(لوشي) هو ذلك (الصمت اللعين)، وتلك (الرجفة) التي سيطرت على كل الأقلام وجعلتها غير قادرة على كتابة (كلمة الحق)، وذلك خوفاً من ردة الفعل تجاه ما قد يكتب والتعامل معه على أساس أنه دفاع (مبرر) القصد منه التقرب لتلك الفتاة ليس إلا، وذلك أمر مضحك للغاية، فالقضية هنا كما قلت ليست قضية (لوشي) وإنما قضية (مجتمع) فقد صوابه وصار يمنح جل اهتمامه لكل ماهو قبيح ومحظور و(مزيف).!
وكل ما ذكر أعلاه (كوم) وصعود بعض (الصعاليك) لمنابر الوعظ والإرشاد (كوم تاني)، أولئك الذين يمارسون (الرذائل والفواحش) سراً ثم يخرجون لمحاربتها في العلن دون أن يتملكهم أدنى إحساس بالخجل أو تأنيب الضمير، وهؤلاء تحديداً هم (أس البلاوي) لهذا المجتمع، وهم الذين أسهموا وبشكل مباشر في فقدان الكثيرين للثقة في ما يقدم من وعظ وإرشاد- حتى وإن جاء من (رجل علم ودين)-.!
أخيراً، لكل محنة أو مصيبة بعض الجوانب الإيجابية، وإيجابيات ما حدث مع (لوشي) لن يتضح إلا بعد أن تقلب تلك الفتاة الطاولة على الجميع، وأن تقوم فوراً بمقاضاة كل من أسهم في استنزافها (أخلاقياً)، إن لم يكن من أجل كرامتها وسمعتها ومستقبلها فمن أجل محاصرة ظاهرة (الانحدار الأخلاقي) والتي سيجد مؤسسوها ورواد مدرستها (القذرة) أنفسهم في مأزق حقيقي وذلك بعد أن يتأكدوا تماماً أن ممارساتهم تلك ستترتب عليها الكثير من العقوبات القانونية الصارمة، والتي ستكون هي الحل الأمثل والناجع لاستئصال ذلك المرض الخبيث الذي ضرب مناعة مجتمعنا السوداني خلال السنوات الأخيرة.
قبيل الختام:
(لوشي) أيضاً قبل أن تتجه لاسترداد حقها، عليها أن تدرك تماماً أن (ليس كل ما يلمع ذهباً)، وأن اكتظاظ صفحاتها الإسفيرية بالمعجبين لن يشكل لها أي حاجز ضد الإشاعات والمؤامرات في المستقبل، لذلك يجب أن تعمل في مقبل الأيام على تغيير الصورة الذهنية المرسومة عنها في مخيلة الكثيرين، أولئك الذين يتعاملون معها على أنها محض فتاة (حسناء) بلا أي دور ملموس أو محسوس، وأن تسعى لاكتشاف (لوشي الأخرى) والتي ضاعت في زحمة عبارات غزل (المنبرشين).!
شربكة أخيرة:
إن (الالتزام) هو ما يحول الوعد إلى حقيقة واقعية، إنه الكلمات التي تقولها بجرأة عن نوايانا، إنه الأفعال التي تتحدث بصوت أعلى من صوت الكلمات، إنه إيجاد الوقت عندما لا يكون هناك وقت، وهو يأتي ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم، إن (الالتزام) هو المادة التي صنعت منها الشخصية الإنسانية وهو القوة التي تغير وجه الأشياء وهو الانتصار اليومي للاستقامة والثقة على الانحراف والشك.!
(مايكل فورتين)
بقلم
أحمد دندش
صحيفة السوداني