اسمه مشروع قانون التعامل بالنقد الأجنبي والذهب.. وكأنه ارضاء لمن يحتجون على تراجع قيمة العملة باستمرار ومحاولة اقناعهم بأن القانون هو حل لاستمرار ارتفاع الاسعار
.. القانون الآن .. وكذلك من استاءوا من اخبار تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم إلى الخارج.
> لكن لكي يتوقف تراجع قيمة العملة ..هل سيجدي مشروع القانون هذا فتيلاً؟ هل هو ما سيوقف تراجعها؟ اللهم إلا إذا طبقته الحكومة على نفسها ..لأنها هي التي تسلك مسلكاً نقدياً يقف وراء التراجع المستمر لقيمة العملة.
> هي الحكومة نفسها التي تعتمد اكثر من سعر للصرف.. وتنتهج تجنيب الاموال العامة .. ولا تقيد الاستيراد بأن يكون حجم استهلاك النقد الأجنبي له اقل من حجم حصائل الصادر بالنقد الأجنبي.
> ولو كانت اسباب المشكلة حكومية بامتياز .. فمن المعني بمشروع قانون التعامل مع النقد الأجنبي ..؟ وحتى وزير المالية و( التخطيط الاقتصادي )يقول إن الحكومة اكبر مستهلك للنقد الأجنبي .. فلماذا إذن مشروع القانون هذا؟
> ومحافظ البنك المركزي نفسه الذي قدم مشروع القانون لمجلس الوزراء .. هل هو مقتنع بأن الاجراءات القانونية التجريمية ستغني عن تغيير السياسات والأساليب النقدية التي ينتهجها البنك المركزي؟
> ثم لو افترضنا تنزيل هذا القانون على أرض الواقع .. وبالفعل امتنع كل من كانوا يضاربون في العملة عن المضاربة.. فهل سيتوقف بالفعل تراجع العملة دون أن تتوقف الحكومة عن استهلاك النقد الأجنبي .. ودون أن تلغي تجنيب الاموال العامة كسيولة متدفقة خارج الكتلة النقدية الطبيعية؟
> والغريب والعجيب أن محافظ البنك المركزي المعني بالحلول الاقتصادية فقط دون الاكتراث للاجراءات القانونية التجريمية باعتبارها ليست العبرة في الحل .. تجده يقدم مشروعاً قانونياً من أجل استقرار سعر الصرف.
> ولو كان هو سيد العارفين بالشأن النقدي هل يستقيم منطقاً وأدباً أن نقول له ( ما هكذا تورد الإبل الماء .. )؟ نعم ما هكذا .. والتعامل في النقد الأجنبي بأية صورة من الصور ..لا داعي لتجريمه طبعاً لأن السبب يعود إلى صيغة السياسات النقدية .. وهي طبعاً غير سليمة اطلاقاً بوجود اكثر من سعر معتمد للصرف .. ومع الاستهلاك الحكومي الخرافي للنقد الأجنبي.
> والمشكلة الاقتصادية .. أو حتى الجريمة الاقتصادية مفترض أن يكون منعها أو معالجتها بتدابير اقتصادية مستدامة وليست اجراءات قانونية .. ولو كان محافظ البنك المركزي يهتم بتقديم مشروع القانون لمجلس الوزراء.. فمن سيهتم بتقديم مشروع السياسات النقدية العلاجية له .؟ مثل نكتة أدروب (حقك تخلي وحق الناس تشيل) وأدروب كخفير كان يفتش في سيارة فلكسواجن ماكينتها بالخلف .. وظن أن السائق قد سرقها من داخل الشركة.. وكمان مدورة.
> طبعا للأسف .. محافظ البنك لا يجد نفسه معنياً بتقديم مشروع سياسات نقدية كعلاج ناجع وحسم لفوضى استهلاك الحكومة للنقد الأجنبي.. لذلك تكون الاستعاضة عن دوره الطبيعي بدور جهات أخرى مثل ديوان النائب العام وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ممثلاً في الادارة الاقتصادية.
> والمحافظة (يا محافظ) على وفرة الاحتياطي النقدي في البنك المركزي دون استهلاكه بواسطة الشركات الحكومية المخصصة للمضاربات .. تغني تماماً عن سن قانون للتعامل مع النقد الأجنبي ..لأنه حينها لن تكون هناك حاجة إلى التعامل مع النقد الأجنبي خارج الاطر الرسمية.. لكن (حقك تخلي حق الناس تشيل)؟
> ولا يمكن أن نركز على سن القانون .. ونتجاهل الحلول الاقتصادية.. والأمر يحتاج على المستوى الرسمي إلى وضع الحلول الاقتصادية الجاهزة والمعروفة.
> وما دام الحلول جاهزة للتنفيذ ومعروفة لدى ادارة البنك .. فإن الارادة السياسية هي التي ليست جاهزة .. إذن القضية ارادة سياسية .. وهي مطلوبة في كل شيء .. في فرض السياسات النقدية السليمة التي تراعي معيشة المواطنين .. وفي حماية تنفيذ قرار المحكمة العليا دون الالتفاف حولها بالفذلكات.
> المهم في الأمر هنا هو أن الناحية القانونية يمكن أن تعتمد .. ثم لا تسجل مخالفات قانونية .. أو لو سجلت يسترد النقد الأجنبي فوراً وقد لا يصل إلى العشرة ملايين دولار .. واستهلاك الحكومة بمليارات الدولارات.. فمع ذلك سيستمر تراجع قيمة الجنيه السوداني ويتصاعد غلاء الأسعار .. لأن الحل الحقيقي المعروف مهجور بأمر رئاسة الجمهورية .. فلا جدوى إذن من مشروع القانون الذي قدمه خبير اقتصادي هو محافظ بنك السودان وليس النائب العام .. حقك تخلي حق الناس تشيل؟
خالد كسلا
الانتباهة