كبار في مقصلة الفساد.. من ماليزيا إلى البرازيل

رأسٌ كبيرةٌ تدحرجت نهاية مايو الماضي تحت مقصلة الفساد في ماليزيا بعد أن أعلنت الشرطة أنها ضبطت أكثر من 400 حقيبة يدوية ومبالغ مالية تصل إلى 30 مليون دولار في مداهمات لمنازل مرتبطة برئيس وزراء ماليزيا السابق نجيب عبد الرزاق، بذلك تمت الإطاحة برأس جديد من الرؤساء كامتداد لسلسة من الرؤساء الذين أطاحت بهم اتهامات فساد من مقاعدهم وقادتهم لمقاصل الفساد.

زوما.. الخطايا الخمسة
في أبريل الماضي بدا رئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما متوتراً بمجرد دخوله قفص الاتهام، إلا أن الإجراءات بأكملها انتهت خلال 20 دقيقة فقط، بعد أن وافق القاضي على تأجيل الجلسة المقبلة حتى يونيو لمنح فريق دفاع زوما وقتاً لتقديم طلب إعادة النظر في قضية فساد في إطار صفقة أسلحة كبيرة قبل نحو 20 عاماً. وزوما متهم بتلقي رشاوي من مصنع الأسلحة الفرنسي تاليس في صفقة بقيمة مليارات الدولارات أثناء توليه وزارة اقتصاد مقاطعة، ثم نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.

ويمثل تحول زوما من «السيد الرئيس» إلى «المتهم رقم واحد» في أقل من شهرين انتكاسة كبرى للرجل البالغ من العمر 75 عاماً، والذي شاب حكمه للبلاد لمدة تسع سنوات ركود اقتصادي وخفض التصنيف الائتماني.

وقال زوما، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، إن الاتهامات وراءها دوافع سياسية وإن بعض زملائه السابقين في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قرروا بالفعل أنه مذنب. وأكد محاموه أمام المحكمة الجمعة أن موكلهم سيستأنف قرار محاكمته، وهذه خطوة جديدة ضمن معركة قضائية طويلة لإسقاط التهم وتجنب محاكمة يمكن أن تنتهي بقرار سجنه.
نُحِّي رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما عن السلطة راضخاً لضغوط حزب المؤتمر الوطني الذي يحكم جنوب إفريقيا منذ انتهاء فترة الفصل العنصري.
ووضع زوما بقراره التنحي نهاية لسنوات حكمه التي امتدت لتسع سنوات شابتها الفضائح، ورغم ذلك قال زوما في “خطاب الوداع” الذي استمر 30 دقيقة إنه يختلف مع الطريقة التي دفعه بها الحزب لترك السلطة مبكراً، بعد انتخاب سيريل رامافوسا رئيساً للحزب في ديسمبر.
وخير المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا زوما (75 عاماً) بين الاستقالة أو سحب الثقة منه من خلال البرلمان، واعتبر زوما أن ما صدر عن حزبه “جائر جداً” مؤكداً أنه لم يقم بأي عمل يبرر هذا القرار.

الأسباب التي أدت للإطاحة بالزعيم الإفريقي القوي الذي يتجاوز نفوذه جنوب إفريقيا للقارة السمراء ككل تلخصت في اتهامه باغتصاب شابة مريضة بالإيدز، وهو رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الإيدز، صحيح أن المحكمة برأته إلا أنه الأمر الذي جعل فناني الكاركتير يسخرون منه بعد أن برر فعلته بأن استحم جيدا، بجانب إسرافه في إجراء إصلاحات في منزله في ضاحية نكوندلا على حساب دافع الضرائب بتكلفة 24 مليون دولار، علاوة على علاقة مشبوهة بأسرة (قبتا) الثرية، وعلاقة مصالح بينها وبين ابنه “دودوزان” وما بينهما من صفقات على حساب المصلحة العامة، فيما اتهم بقبوله لرشاوي ضمن صفقات شراء أسلحة من بعض مصدري الأسلحة، وخامساً عرقلته العدالة القضائية بعدم تنفيذ قرار محكمة الاستئناف العليا في البلاد بخصوص الرئيس السوداني (2015م).
يرى مراقبون أن قرار الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا بإقالة الرئيس جاكوب زوما هو “صراع على السلطة” داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الخاسر الوحيد فيه، هو جنوب إفريقيا.

ويمكن القول أن المواجهات غير العادية بين زوما وقادة حزب المؤتمر الوطني الجدد، صراع على السلطة داخل الحزب الذي يحكم البلاد منذ نهاية حقبة الفصل العنصري، وأصبح أقل شهرة بسبب الفساد وسوء الإدارة، حيث أدى إلى شل جنوب إفريقيا.
الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا يشهد تحولات حاسمة بعد أن شعر بأن سيطرته الانتخابية على المحك في حال استمراره في حماية قائده خلال السنوات التسع الماضية من سلسلة فضائح لا حصر لها تشمل سوء السلوك والفساد، وتضيف: “المؤتمر الوطني وجد أن بقاء زوما سيضر بمستقبل الحزب ولا يتعلق الأمر بأي جوانب أخلاقية”.

وألقت المفاوضات حول مستقبل زوما بظلالها على التفاؤل الذي أعقب انتخاب “سيريل رامافوزا” في ديسمبر ليخلفه كرئيس للمؤتمر الوطني، وتعهده بتوجيه جنوب إفريقيا إلى مسار جديد، رغم أن رامافوسا، نائب الرئيس منذ 2014، لديه سجل مختلط من السياسة والأعمال، وقال إنه تحدث بقوة ضد الفساد.

يرى مراقبون أن تأثير ما يحدث في جنوب إفريقيا يتجاوز محيطها الجغرافي، ويمثل درساً مجانياً للدول حول الاستجابة لتطلعات الجماهير.
رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي يرى أن تنحي زوما يمثل إضافة كبيرة له، ويضيف: “مع كل هذه العيوب فإن هذا الرجل قرر أن ينتصر للوطن وللديمقراطية على حساب مصالحه الذاتية بالرغم من تمتعه بسند قبلي وسياسي ليمتثل لقرار لحزبه ويستقيل من الرئاسة مع أن الدستور يمنحه عاماً لنهاية فترة رئاسته. ولكنه قرر الاستقالة وسيواجه ما يواجه من تبعات سياسية وقضائية دون الحصانة الرئاسية”.
ويرى المهدي أن ما فعله زوما درس مجاني للقيادات العربية التي تصر على الالتصاق بالسلطة بالرغم من إخفاقتها والنصوص دستورية مانعة، ولا تفصلهم من المقاعد إلا الثورات أو الممات.

هاي.. العلاقة القاتلة

أدانت محكمة كورية جنوبية الرئيسة السابقة باك جون – هاي في 16 اتهاماً بالفساد، بما في ذلك إساءة استخدام السلطة والرشوة وتسريب أسرار الدولة وأصدرت حكماً بسجنها 24 عاماً في فضيحة كشفت شبكات من الفساد بين زعماء سياسيين وكبرى الشركات في البلاد. ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء عن القاضي، كيم سي يون قوله: «المدعى عليها أساءت إلى السلطة الرئاسية، المفوضة من شعب هذا البلد. ونجم عن ذلك فوضى عارمة، فيما يتعلق بالنظام العام وإدارة الدولة».

وقال القاضي إن باك لم تبد «أي بوادر على الندم». وأضاف أثناء النطق بالحكم «ليس أمامنا سوى أن نحاسبها بشدة.. أساءت المتهمة استغلال سلطتها الرئاسية التي ائتمنها الناس عليها ونتيجة لذلك حدثت فوضى عارمة في شؤون الدولة وأدت لعزل الرئيسة، وهو أمر غير مسبوق».
وقالت المحكمة إن باك تواطأت مع صديقتها تشوي سون – سيل للحصول على 23.1 مليار وون من مجموعات كبرى مثل سامسونغ ولوتي لدعم عائلة تشوي وتمويل مؤسسات تملكها لا تهدف للربح.
وأجريت انتخابات رئاسية بعد عزل باك في العام الماضي فاز فيها مون جيه – إن الذي تسبب موقفه التصالحي تجاه كوريا الشمالية في سريان الدفء في العلاقات بين الجارتين. وقال مكتب مون إن مصير باك «يفطر القلب» ليس لها وحدها ولكن للبلد أيضاً. وأضاف المكتب: «لن ننسى اليوم».
وكانت باك من بين أكثر السياسيين المحافظين نفوذاً في البلاد وتم انتخابها في الجمعية الوطنية (البرلمان) خمس مرات. وهي ابنة باك شونج هي، الذي حكم كوريا الجنوبية بقبضة من حديد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى اغتياله في عام 1979. وقالت محكمة سيول الجزئية إن باك تواطأت مع صديقتها تشوي للحصول على مبالغ طائلة من مجموعات كبرى مثل سامسونغ ولوتي لدعم عائلة تشوي وتمويل مؤسسات تملكها لا تهدف للربح. ونفت باك، 66 عاما، ارتكاب أي مخالفات، وتغيبت باك، التي لم تمثل أمام المحكمة في جلسات سابقة، عن الحضور أثناء النطق بالحكم.
وتم تغريمها أيضا 18 مليار وون بسبب الفضيحة، التي أدت إلى إقالتها والإطاحة بها في نهاية المطاف من قبل المحكمة الدستورية في البلاد في مارس العام الماضي.

وكان ممثلو الادعاء قد طالبوا بالحكم عليها بالسجن 30 عاما وتغريمها 5.‏118 مليار وون (111 مليون دولار)، حال إدانتها.
وانتقد حزب «الحرية» الكوري المعارض، وهو الحزب الذي كانت تنتمي إليه باك سابقا، البث المباشر للمحاكمة. ونقلت وكالة يونهاب عن المتحدثة باسم الحزب، جون هي كيونج قولها إن «محتوى الحكم كان متوقعا بالفعل. من المؤسف للغاية أن يتم بث جلسات المحكمة مثل برنامج رياضي». وقال الحزب الديمقراطي الكوري الجنوبي الحاكم إن الحكم يعكس مشاعر الشعب. ونقل عن كيم هيون، المتحدثة باسم الحزب قولها إن «هذا الحكم يمثل حكما صارما للمحكمة حول استخدام المنصب الرئاسي لتقويض النظام الدستوري والأضرار بسيادة القانون».

ونظم أنصار باك مسيرات خارج قاعة المحكمة للمطالبة بإطلاق سراحها، حاملين لافتات تحمل صورا لوجهها منتقدين بشدة ما وصفوه بأنه تحقيق له دوافع سياسية، طبقا ليونهاب. واتهمت باك بالسماح لصديقتها المقربة منها، تشوي سون سيل بحرية الوصول بشكل واسع إلى الأعمال الخاصة بالحكومة، على الرغم أن تشوي لم تكن تتولى أي منصب رسمي.

وفي مارس الماضي، حكم على تشوي بالسجن، 20 عاما، وأمرتها المحكمة
بدفع غرامة 18 مليار وون. وكانت المحكمة الدستورية قد أطاحت بباك، التي أصبحت أول رئيسة لكوريا الجنوبية في عام 2013 في مارس العام الماضي، بعد إقالتها بسبب الفساد في أعقاب أسابيع من المظاهرات، التي كانت تطالبها بالتنحي من منصبها.
وتزامنت اتهامات الفساد المثارة بحق هاي مع اتجاه سيول لإنشاء منظومة ثاد الصاروخية الأمريكية التي تثير مخاوف صينية وروسية فضلاً عن كوريا الشمالية، إلا أن اتهامات الفساد كانت سباقة لتطيح بها وتعطل تنفيذ المشروع قبل أن يحدث تقارب بين الكوريتين، الأمر الذي يشي بوجود أيادٍ استخباراتية وراء الإقالة كانت سبباً في إشعال قنديل الفساد.

لولا.. الترشح من السجن

يتجه الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا للترشح مجدداً في الانتخابات المزمع قيامها في أكتوبر القادم بالرغم من اتهامات الفساد وغسيل الأموال التي تطارده وتفرض عليه حكماً بالسجن ١٢ عاماً، فجموع البرازيليين لا تزال مقتنعة ببراءته ونظافة يده، وتراهن على عودته إلى كرسي السلطة لاستعادة أمجاد الماضي وعصره الذهبي ما بين ٢٠٠٣ و٢٠١١.

وبالفعل، يستعد دا سيلفا لانتخابات الرئاسة المقررة في السابع من أكتوبر القادم، بعد أن أكدت تلميذته الرئيسة السابقة ديلما روسيف أن أستاذها العجوز سيكون الرئيس المقبل للبلاد، سواء كان داخل السجن أو خارجه.
في الوقت نفسه، كشفت نتائج استطلاع للرأي أخيراً أن دا سيلفا لا يزال المرشح الأوفر حظاً في ماراثون انتخابات الرئاسة بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
وأوضحت نتائج الاستطلاع أن ٣١٪ من البرازيليين يعتزمون انتخاب زعيم حزب العمال رئيساً على الرغم من أن النسبة كانت قد وصلت إلى ٣٧٪ في يناير الماضى قبل القبض على دا سيلفا وحصاره بالاتهامات التي تستهدف تاريخه وإنجازاته.
يذكر أنه بعد غياب دا سيلفا عن الصورة، غرقت البرازيل في بحر من الأزمات، على رأسها ٨ فصول متتالية من الانكماش، قبل أن يسجل اقتصادها نموا بنسبة ١٪ خلال الربع الأول من عام ٢٠١٧، الأمر الذي دفع وزير المالية البرازيلى هنريك ميريليس إلى مناشدة المواطنين بـ «الصلاة من أجل اقتصاد البلاد»، حيث تضررت البرازيل بشدة من التراجع العالمي في الأسعار، في ظل اعتمادها القوي على الصادرات من السلع الخام.
وبمرور الوقت، أقر مجلس الشيوخ البرازيلي في ديسمبر الماضي وضع سقف للحد من الإنفاق العام خلال العشرين عاماً المقبلة، وهي السياسات التي وصفها المقرر الخاص للأمم المتحدة عن الفقر المدقع وحقوق الإنسان بأنها «أكثر حزمة تقشفية رجعية على المستوى الاجتماعي في العالم»، ومن ثم أثارت السياسات الاجتماعية لحكومة الرئيس الحالي ميشيل تامر سخطاً من قطاعات شعبية معارضة له، وسط احتجاجات كبرى على إجراءات تتعلق بمعاشات التقاعد وتحرير سوق العمل وشبح بلوغ سقف العجز ٥٠ مليار دولار لعامي ٢٠١٧ و ٢٠١٨.

وفي ظل هذا الوضع، تجدد حلم عودة المنقذ دا سيلفا في أذهان البرازيليين كطوق نجاة، وانتعشت ذكريات المواطنين عن سياسته الجريئة في إحلال الواردات وتحقيق قفزة هائلة في الصادرات، لتتحول البرازيل إلى واحدة من أنجح النماذج في العالم في مجال تنفيذ هذه السياسات، بعد انتهاج استراتيجية إنمائية تقوم على تشجيع الزراعة والصناعات التي تدعمها الدولة بصفة أساسية.

ولا ينسى أي برازيلي قدرة دا سيلفا على توسيع دائرة الروابط الاقتصادية مع دول العالم والتكتلات الدولية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الدمج بين السياسة الصناعية والاستثمارية القوية بخليط من الاستثمارات الأجنبية والحكومية والخاصة، وصولاً إلى تفوقه في سداد جميع مستحقات صندوق النقد في أواخر عام ٢٠٠٥، والتى كانت تقدر بـ١٥٫٥ مليار دولار، ثم سدد ديون الأنظمة السابقة قبل عامين من موعدها المحدد، عن طريق الاحتياطي النقدي البرازيلي.
وتمكنت البرازيل طوال مدة حكمه من توسيع نطاق مساعدة الدولة للفئات الأكثر فقراً من خلال برنامج المنح الأسرية، حيث قدم المساعدة إلى ٤٤ مليون شخص، ونجح باقتدار في الارتفاع بالحد الأدنى للأجور، لتصبح أعلى من معدل التضخم، مما أسفر عن توفير فائض في ميزان الدولة التجاري، ومساعدة الأسواق المالية على التخلي عن مخاوفها.

وقال المحللون إن القضاء الانتخابي يمكن أن يلغي ترشحه. لكن استراتيجية حزب العمال تعتمد على الاستياء الذي يثيره سجنه، لتطبيق خطة بديلة في وقت لاحق تقضي بأن يستفيد عضو آخر في الحزب من الأصوات الممنوحة له.

ساركوزي.. لعنة القذافي

يواجه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي محاكمة لاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ، حسبما قال الادعاء الفرنسي.
وتتركز المحاكمة على اتصالات هاتفية تم التنصت عليها عام 2014، وتزعم المحكمة أنه خلالها سعى ساركوزي للتأثير على القضاة الذين كانوا ينظرون في الاشتباه في حصوله على تمويل غير شرعي لحملته الانتخابية عام 2007.

ومن المزمع أن يخصع للمحاكمة أيضاً القاضي غيلبيرأزيبير ومحامي ساركوزي. ونفى الثلاثة مخالفتهم للقانون، وقال فريق الدفاع عن ساركوزي إنه سيتأنف القرار، وفي قضية منفصلة، وجه الاتهام لساركوزي بالحصول على تمويل لحملته الانتخابية من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي.
ووردت تقارير عن أن ساركوزي استخدم اسماً مستعاراً، بول بيزموث، وعرض منصباً رفيعاً لأزبير مقابل الحصول على معلومات في قضية التمويل.

صحيفة السوداني.

Exit mobile version