وحتى لا يأخذكم الظن بعيدا وتعدوني ضمن (الدفّانات)، فقد قلت بأنني أعتبر نفسي (عاتكة الحرامية)، لاعتقادي بأن كبيرهم قد أوصاهم بجعلي حيطتهم القصيرة ونصحهم بـ :
(من أراد تعلم السرقة فعليه بـ تعلّمها في بت سلمان).
وذلك لكثرة ما استقصدني اللصوص والحرامية في القبل الاربعة، فقد تعرضت للسرقة من فئة النشالين الذين يؤمنون بأن في الزحمة رحمة .. حيث قاموا بنشلي عدة مرات في الترام ومثلها في أثناء سيري داخل السوق .. فكنت ضحية لجميع نشّالي الأسواق في وادي النيل، بدءا من نشالي (زنقة الستات) و(محطة الرمل) في الاسكندرية، وصولا للمحليين في (سعد قشرة) و(السوق الشعبي) والأخير ده بالذات نشلوني فيهو نشله حارة شديد لانها كانت يوم الوقفة .. خليتم لـ الله.
وبعد أن تزوجت وصار لي بيتي الخاص، استقصده (نطاطو الحيط) عدة مرات، وعندما كثرت علي المسئوليات وبدأت الاستعانة بـ شغالات البيوت لم يقصرن معي و(قمّحني) أكتر من مرة !
أما ما لم يدر بخلدي أن تلحق بي تلك الفئة المفترية إلى ما وراء البحار، و(إتنشل) في بلاد الالمان .. فعندما كنا في زيارتنا الأولى لمدينة هامبورج قبل حوالي الستة سنوات لاجراء عملية قلب لابني (أحمد)، وبعد انقضاء ايام الاستشفاء بالمستشفى خرجنا لسكن (ماكدونالد) الخاص باقامة ذوي المرضى وبدأنا في الاستعداد للعودة، وأول تلك الاستعدادت بالطبع كانت التبضع من السوق، وبما أن الصغير وقتها كان لا يزال واهنا بعد الجراحة، فقد طلب مني زوجي أن اتركه في رعايته واصطحب معي (الريان) كـ محرم، وأذهب لشراء مستلزماتي من مجمع تجاري قريب.
كانت ادارة سكن (ماكدونالد) تحرص على تخفيف آلام المرضى وتهيئ لهم كل ما يخفف عليهم ابتلاء المرض، ومن ضمن تلك التجهيزات كانت تضع تحت تصرف زوي المرضى، كمية من عربات الاطفال لتحريكهم بها من وإلى المستشفى، وهي عربات ضخمة تصلح لعدة استخدامات بالاضافة لانها من النوع الفاخر الغالي الثمن، ولخوفي على (الريان) من تعب حوامة السوق فقد كانت في عمرها حوالي الثلاثة سنوات، قمت بأخذ واحدة من تلك العربات وأجلستها عليها ثم قمت بدفعها أمامي وتوجهنا معا للسوق.
وصلنا المجمع التجاري وما أن دخلناه حتى (لموا فينا) اثنين من أشقائنا العرب من مواطني دولة مجاورة جدا ! أستوقفونا للسلام وامطرونا بوابل من (البكش) على شاكلة (السودانية دول اجدع ناس) ..
طبعا طنّشناهم فنحن أعلم بجداعتنا بين البلدان .. دخلوا فينا شمال وحاولوا نصحي بعدم الشراء من هذا المجمع الغالي، فاختصرتهم بتحفظ وتوجهت لداخل أول محل صادفني، ولكن أحسست بالحرج من الدخول بالعربة لضيق المحل وازدحامه، فعدت للخارج وركنت العربة بجوار مدخل المحل، ودخلنا مرة أخرى أنا و(الري) بعد أن وضعنا فيها بلوفراتنا وبقية ما نحمل من أشياء، دون أن يتسرب لنفسي أي خوف ليقيني من أن الدار أمان، فـ هامبورج من أكثر المدن هدوءا وأمنا وسكانها أكثر الغربيين تحضرا وأدبا.
بعد الانتهاء من الشراء خرجنا لمكان العربة فوجدناه (خلا)، لم أصدق أن (العتاكة) وصلت خلفي (لغيوت) هنا، وظللت (أغالط نفسي في اصرار) وأقول يمكن أنا النسيت المكان الركنتها فيهو ..
بعد ان أعياني التلفت يمين وشمال دون أن اعثر على ضالتنا، وبعد أن شالتني الحيرة في البسويهو وختتني .. تيقنت من أن جماعتنا (البكّاشين) قد غافلوني وسرقوني كالعادة .. وتلفت ابحث عن من يتحدث الانجليزية ممن حولي، لأسأله عن كيفية التصرف في جنس حالتي دي، فدلوني على شابة ظريفة حدثتها عن سرقة العربية فمصمصت شفتيها تعاطفا وربما (استحمارا) لتصرفي وقلة انتباهي، ثم نصحتني بأن اتحمدل سلامة نفسي ولا افكر في الذهاب للشرطة فمن سرقها سيكون (قطع ليهو بلد) !
عدت للسكن بخطوات متثاقلة بسبب شيل الهم من جهتين، الذلّة التي اتوقعها من (سيد الاسم) على (غباي وصايبي)، واحساسي العميق بالحرج من مشرفة السكن لتسببي في ضياع عربة قيّمة يستفيد منها الاطفال المرضى في السكن، ولكن أحمد الله المرقني فقد تعاطف معي الاثنين، حتى ان المشرفة الالمانية جاءت تطمئن علي واعتذرت بشدة على ما حسبته اساءة لاقيتها من قومها .. طبعا لبدتا على كده، ولم أحاول أن أبين لها أن قومها براء من الجماعة السرقوني ديل، فأنا على قولة عادل امام:
متعوّدة .. دايما !
فتلك طريقتهم معي من زمن كنتا معاهم !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com