في العادة، تتطلب الحروب وجود خصمين على الأقل، وأحياناً يمكن الحديث عن أكثر من طرفين خلال الحرب حيث من العادي أن تتواجد أطراف عديدة أثناء الملاحم العسكرية. خلال معركة كارانسيبيش والتي جرت وقائعها سنة 1788، كان الأمر مختلفاً حيث دخلت هذه المعركة التاريخ كواحدة من أغرب المعارك، بسبب مشاركة طرف واحد فيها.
ما بين سنتي 1787 و1791 وتزامناً مع الحرب الروسية – العثمانية، عاش العالم على وقع حرب ثانية جمعت بين العثمانيين والنمساويين وخلال هذه الحرب تلقت القوات العثمانية هزائم عديدة أجبرتها على التراجع. في أثناء ذلك وبسبب أحداث الثورة الفرنسية، أجبرت إمبراطورية النمسا على إنهاء هذه الحرب عقب توقيعها لاتفاقية سلام سيستوفا والتي حصلت على إثرها على عدد من المناطق العثمانية السابقة تجسدت أساسا في مدينة أورشوفا ونقطتين حدوديتين بكرواتيا.
خلال الحرب النمساوية – العثمانية ما بين سنتي 1787 و1791، كان التاريخ العسكري على موعد مع حدث فريد من نوعه، فأثناء معركة كارانسيبيش سنة 1788 والتي جرت وقائعها على الأراضي الرومانية اندلعت مناوشات ليلية في صفوف قوات إمبراطور النمسا جوزيف الثاني سرعان ما تحولت إلى معركة طاحنة تسببت في مقتل آلاف الجنود.
تعود هذه المعركة الغريبة إلى حدود منتصف شهر أيلول/سبتمبر سنة 1788، فخلال تلك الفترة وتزامناً مع حلول الليل خيمت القوات النمساوية بالقرب من قرية كارانسيبيش على أمل مواصلة الطريق صباحاً. في أثناء ذلك عانت الجيوش النمساوية من مشكلة فظيعة بسبب تعدد جنسيات جنودها، فإضافة إلى النمساويين والألمان، تضمنت القوات النمساوية جنوداً تشيكيين وكرواتيين وصربيين وبولنديين وبالتالي، وبسبب اختلاف اللغات بين هذه الجنسيات عانت الجيوش النمساوية من مشكلة في التواصل.
خلال فترة الليل، تكفلت بعض فرق الخيالة النمساوية بمهمة حراسة المخيم وإجراء عدد من الدوريات. أثناء جولتهم الليلية، عثر جنود إحدى فرق الخيالة النمساوية على قرية يقطنها الغجر وتزامناً مع ذلك منح سكان هذه القرية الجنود النمساويين كمية هامة من المشروبات الكحولية لتبدأ عقب ذلك حفلة صاخبة هزت أرجاء المنطقة. تزامناً مع ذلك غادر عدد من جنود المشاة النمساويين المخيم في مهمة استطلاعية للتعرف على مصدر الأصوات وحال بلوغهم القرية الغجرية عثر الجنود النمساويون على زملائهم التابعين لفرقة الخيالة. خلال تلك الفترة حاول جنود المشاة الانضمام لهذه الحفلة ولكن أفراد فرقة الخيالة رفضوا ذلك ومنعوا المشروبات الكحولية عن زملائهم لتندلع عقب ذلك مناوشات سرعان ما تحولت لتبادل لإطلاق النار.
تزامناً مع دوي صوت الرصاص، خيمت حالة من الذعر على المخيم النمساوي حيث ظن الجميع أن الأتراك على مقربة، في أثناء ذلك ومن خلال لقطة غريبة صرخ الجنود ذوو الأصول الألمانية مرددين “Halt” أي (توقف) في سعي منهم لوقف حالة الهلع التي عمت بالمكان، لكن ولسوء حظ القوات النمساوية تسبب تنوع أصول الجنود في كارثة أنهت تقدمهم. خلال تلك الفترة لم يفهم بقية الجنود معنى كلمة Halt وفي المقابل خلطوا بينها وبين كلمة Allah (الله)، وبسبب الظلام الدامس ظن الجميع أن الأتراك متواجدون داخل المخيم، لتندلع عقب ذلك معركة طاحنة بين أفراد الجيش النمساوي أسفرت عن سقوط آلاف القتلى وعلى إثر هذه الكارثة العسكرية أجبر الجنود النمساويون خلال الساعات الأولى لصباح اليوم التالي على الانسحاب من منطقة كارانسيبيش.
صورة للمؤرخ الألماني فريدريك كريستوف شلوسر
خلال الفترة المعاصرة يشكك بعض الباحثين في حقيقة ما حصل خلال معركة كارانسيبيش والعدد الصحيح للقتلى، ويعزى السبب في ذلك أساساً إلى ظهور أول توثيق لأحداث هذه الحرب النمساوية – العثمانية بعد مضي 40 سنة على نهايتها من خلال المجلة العسكرية النمساوية، وتزامناً مع ذلك يعد المؤرخ الألماني فريدريك كريستوف شلوسر أبرز من حدّث عن معركة كارانسيبيش في كتاباته التي تعود لسنة 1843.
العربية نت