(وتلك الايام نداولها بين الناس).. ها هو باقان الامين العام السابق للحركة الشعبية ورئيس مجموعة المعتقلين السابقين الذي نقل عنه في السابق قوله (باي باي عبودية ووسخ خرتوم)،
ربما كان لا يدري أن (كراع البقر جيابة)!! غادر باقان وخلف وراءه شعب السودان في الشمال ساخط عليه، ولم يكف وهو في دولته أذاه عن السودان واهله، فحاك المؤامرات والهجوم والتهجم على أهله وكأنما باقان لم يستمع الى رائعة الفنان العملاق الراحل محمد وردي الذي امتع افريقيا حتى اصبح فنانها الاول، عندما عاتب بكلماته: (بعد ايه جيت تصالحني بعد ايه بعدما ودرت قلبي الكنت فيه.. جيت تحكي.. جيت تشكي لي ليه.. اعتذارك ما بفيدك ودموعك ما بتعيدك العملتو كان بايدك انا ما لي ذنب فيه.. انا خلدتك بشعري في زمانك.. ويا ما غنيتك وكان كله عشانك.. كان جزاي منك صدودك وهوانك.. انا استاهل وضعتك في مكاناً ما مكانك روح القدر بي نفسه ما ببكي عليك.. ليييييه جيتا تبكي جيتا تشكي جيتا تحكي ليا ليه). وكأنما تلك الكلمات ترسم واقعاً كان يقف من ورائه باقان لتخرج من جديد لتكون ثوباً تصلح للتأسي على ما فات عليه وهو الامين العام للحركة الشعبية, واراد ان يرسل رسالة ويقول في حوار اخير مع (الإنتباهة) ينشر لاحقاً: سأصحح العلاقة بين الخرطوم وجوبا، وقال ان الجنوب لم ينفصل بعد عن السودان، وتعهد بالسعي عبر خطوات لم يعلنها لتصحيح العلاقة بين البلدين حال التوصل لاتفاق سلام في الجنوب.
ما علق بالنفس
ولأن تصحيح العلاقة ممكن في عالم السياسة التي لا اخلاق فيها بأن ينتج ذلك الزمان زماناً آخر, ولكن ليس بالامر الهين وربما هنالك ما لا يمكن محوه بالعمل السياسي وحده، فإن ما علق بالانفس من شروخ كان اكبر، وهو يدري ما سيواجهه من السودان، وبالتالي سارع لانكار ما نسب اليه في السابق بانه لم يقل (باي باي وسخ الخرطوم) عقب انفصال الجنوب، والشاهد في ذلك انه كان من اكثر المعارضين تطرفاً من بين السياسيين الجنوبيين، وحتى زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق كان يصف نفسه بالوحدوي وانه خرج من اجلها، ولكن باقان جاهر بعدائه حتى وصفه رئيس منبر السلام العادل باشمهندس الطيب مصطفى بـنه طائر الشؤم في احدى مقالاته.
دفاع منطقة
دافع باقان عن نفسه دفاع منطقة بالكامل، وقال انه سوداني وانه لم يكره الشماليين، واراد من خلال ذلك تمهيد الطريق الى تطبيق رؤيته بعد اتفاق السلام، واتهم في ذات الوقت جهات لم يسمها بالسعي لتشويه علاقته مع الشعب السوداني. وهذا نفس الشيء الذي جعل اخاه يدافع عنه في حوار سابق بان باقان يحب الشماليين، ولكن نفي النفي يثبته التاريخ في تعامله مع قضية شمال وجنوب السودان.
شوية خجل
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ملوك ميوت لـ(الإنتباهة): لقد توصلت قيادة جنوب السودان الى قناعة تؤكد ان السودان هي الدولة الام وان الانفصال هو امر سياسي وليس اجتماعياً بين الشعبين، وان لجوءهم ــ اي القيادات السياسية الجنوبية ــ لقيادة السودان خيار لا مفر منه، لجهة ان السودان هي الدولة الأم التي انتجت دولة الجنوب. واكد ملوك ان كل القيادات في جنوب السودان يريدون تصحيح العلاقة مع السودان, ولكن (شويه خجلانين)، واضاف قائلاً: (عندما شعرت تلك القيادات ان المركب دق في القيف) تأكد لباقان وعرمان وقيادات الحركة الشعبية بمن فيهم الجبهة الثورية انهم على خطأ، واصبح الاعتراف سيد الادلة، وبالتالي يريدون اليوم الخروج من جلباب العداء لتصحيح ما كان معلوماً بالضرورة. وجزم ملوك بالقول: حتى سلفا كير يريد تصحيح العلاقة مع السودان والعودة بها الى الحالة الطبيعية.
الابن الضال
ولم يخف المحلل السياسي ميوت لـ (الإنتباهة) تخوفه من ادارة باقان لملف السودان وقدرته على اقناع القيادة السودانية حتى تصحح الاخطاء، وهو الذي فشل في السابق في ان يحظى باستقبال كبير او ترحيب من الشارع او الرأي العام السوداني، حينما اعلنت سفارة جنوب السودان عن زيارة أمين عام الحركة الشعبية (باقان أموم) للسودان، وقابلها شعور عام في السودان بكثير من عدم الرضاء والتهكم على هذا الشخص بالتحديد لأن له (سالفة) في الإساءة للسودان، لذلك دعا الى التعامل معه بحذر ونعومة في ان واحد مع القيادة الجنوبية حتى تستطيع اعادة ما سماه بـ (الابن الضال).
فاقد الشيء
ونظر المحلل السياسي والاكاديمي د. ابو بكر آدم لـ (الإنتباهة) الى حديث باقان في سياق ما انتجته الحرب الاهلية في دولة الجنوب والفشل الذريع الذي مني به مشروع السودان الجديد. ويرى ان باقان لا يصلح ان يصحح او يكون وسيطاً لتصيح العلاقة بين الشمال والجنوب او تصحيح العلاقة بين الخرطوم وجوبا، لجهة خلفياته المتطرفة تجاه الشعب السوداني وقال ان باقان مثل فاقد الشيء لا يعطيه، فهو من جهة له سوابق في الاساءة للشعب السوداني، ولكن في المقابل لم يكسب ود الخرطوم، وهو طيلة فترة الانفصال كان في الجنوب ولم يأت الا خلسة.
خلفية للذكرى
وكما قال وردي في رائعته (انا استاهل وضعتك في مكان ما مكانك) فإن باقان الذي يصنف بأنه الاعنف تجاه الشمال كان الداعم الكبير لوقوف شعب الجنوب وراء حركة التصويت الكبيرة لصالح الانفصال، الى جانب النشطاء الذين كانوا وراء الدعاية السوداء في تشويه صورة الشماليين في اذهان الجنوبيين التي ادت الى التصويت بنسبة تجاوزت (99%) لصالح الانفصال، والضحك على عقول الشعب الجنوبي بالامن والاستقرار. وقال أحد القادة الجنوبيين لـ (الإنتباهة) ــ فضل عدم ذكر اسمه ــ ان بعض القيادات السياسية العسكرية التي كانت في الجيش الشعبي لها دور كبير في ذلك عن طريق الترغيب والترهيب واستخدام اساليب القتل والتنكيل لكل من من ينادي بالوحدة. وفي ذلك الوقت عندما بدأ التصويت وصل احد القيادات السياسية الجنوبية التي تنتمي الى المؤتمر الوطني إلى موطنه في الجنوب للدلاء بصوته، وقام باخذ كرت التصويت وقال امام الجيش الشعبي بأنه سوف يصوت لصالح الانفصال حتى لا يقال انه صوت للوحدة، وهنا رفع الورقة لتأكيد حديثه.
جزء لا يتجزأ
ولم يؤكد احد الشباب الجنوبيين ويدعى ستيفن، ان يستمر الوضع الذي بدأ ينهار امامه بالجنوب، حينما قال لـ (الإنتباهة) انه مقتنع ان دولة الجنوب لا تستطيع تستمر دون ان تحكم علاقتها بالسودان. واكد ان معظم الجنوبيين يعتبرون السودان اقرب اليهم من اية دولة اخرى، واشار الى اللغة العربية التي يتخاطب بها شعب الجنوب، واضاف قائلاً: حتى الذين يتحدثون الانجليزية هم من الذين لقنوا لها داخل معسكرات اللجوء ولكن دون علم. ورأى ان بقان اموم لا يستطيع انكار تلك العلاقة بين الدولتين.
القضايا العالقة
وفي خلفية تاريخية توثق لحديث باقان عقب الانفصال، قال إن على حكومة السودان أن (تنسى) حكاية علاقة قطاع الشمال مع دولة الجنوب إن كانت تريد أن تتعاون. فاذا كان كذلك وهو يريد توثيق العلاقة بين الخرطوم وجوبا، يرى كثير من المراقبين أنه لا بد من ازالة التشوهات في العلاقة بين البلدين وتطبيق الاتفاقيات الموقعة بينهما، وهي القضايا المثارة جدلاً في اجتماعات اللجنة الامنية بين البلدين، مثل ارتباط الفرقتين التاسعة والعاشرة بمنطقة جبال النوبة والنيل الازرق، بالاضافة الى القضايا العالقة المتمثلة في الديون والحدود وايواء المعارضة المسلحة.
صورة مقلوبة
ويقول الطيب مصطفى في مقاله بعنوان (طائرة الشؤم): (ﻻ أظن أن شعبنا المسالم نسي يوم الإثنين الأسود وما أدراك ما يوم الإثنين الأسود، الذي كان باقان أول من(بشر) به شعب السودان، حين صرح لجريدة (الصحافة) قبل سبعة أشهر من توقيع كارثة نيفاشا، أن تلك الاتفاقية (ستقضي على دولة الجلابة)، ثم تحدث بعدها عن مخطط احتلال الخرطوم بتصريحه الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وقتها حين تحدث عن (الحزام الأسود حول الخرطوم) الذي قال إنه سينفجر قريباً، وتحدث كذلك إدوارد لينو الذي رشحته الحركة الشعبية (لتحرير السودان) فيما بعد ليكون والياً على الخرطوم، عن ثورة وشيكة (للغاضبين المحيطين بالخرطوم) !وتلك صورة مقلوبة تحتاج الى تعديل حتى تصحح العلاقة.
صلاح مختار
صحيفة الانتباهه.