ذُكر الحوت في القرآن الكريم في 4 مواضع، منها اثنان في نفس السورة القرآنية، وقد وردت في كتاب الله قصتان شهيرتان كان الحوت بطلاً من أبطالهما.
1- الحوت وسيدنا موسى
ذكر في سورة الكهف لنبي الله – موسى عليه السلام – وخادمه الذي يلازمه في حضره وسفره، كما جاء في الآية (61) : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}.
وقد جاء في تفسير السعدي { فَلَمَّا بَلَغَا } أي: نبي الله موسى – عليه السلام – وخادمه الذي يلازمه في حضره وسفره، { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ْ} وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان، وقد وعد أنه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي قصدته، فاتخذ ذلك الحوت سبيله، أي: طريقه في البحر سربا وهذا من الآيات.
قال المفسرون إن ذلك الحوت الذي كانا يتزودان منه، لما وصلا إلى ذلك المكان، أصابه بلل البحر، فانسرب بإذن الله في البحر، وصار مع حيواناته حيا.
وجاء أيضا في نفس السورة السابق ذكرها (آية: 63): {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا}.
أي: ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بينهما { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ْ} لأنه السبب في ذلك { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ْ} أي: لما انسرب في البحر ودخل فيه، كان ذلك من العجائب.قال المفسرون: كان ذلك المسلك للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فلما قال له الفتى هذا القول، وكان عند موسى وعد من الله أنه إذا فقد الحوت، وجد الخضر، فقال موسى: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ْ}
2- الحوت وسيدنا يونس
وهذه هي القصة الأشهر في القرآن الكريم، ودعاء سيدنا يونس- عليه السلام – : (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) من الأدعية المعروفة والشهيرة، وقد ذكرت قصة سيدنا يونس في موضعين في القرآن وهما كالتالي:
– في سورة الصافات (آية: 142): { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}.
فألقي في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ} وقت التقامه { مُلِيمٌ } أي: فاعل ما يلام عليه، وهو مغاضبته لربه.
– وفي سورة القلم (آية: 48): {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
يقول تعالى كما جاء في تفسير ابن كثير: (فاصبر) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم، فإن الله سيحكم لك عليهم ، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، {ولا تكن كصاحب الحوت} يعني: ذا النون ، وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضباً على قومه ، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له ، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير ، فحينئذ نادى في الظلمات {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.
وكان يونس – عليه السلام – حين خرج من نينوى مغاضباً لقومه ركب البحر في محاولة للابتعاد عنهم،
والله ـ سبحانه وتعالى ـ وحده الذي يعلم حقيقة هذا البحر الذي التقم أحد حيتانه العملاقة نبي الله يونس الذي مع هول المفاجأة ظل يردد: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. [الأنبياء:87]، فاستجاب الله ـ تعالى ـ لاستغاثته، وأمر الحوت أن يلفظه على الشاطئ بعد هذه التجربة القاسية لعله يفهم العظة من الدرس الذي تلقاه، والتي تتلخص في أنه ـ عليه السلام ـ ما كان له أن يتصرف في شأن من شؤون الدعوة التي كلفه الله ـ سبحانه وتعالى ـ بها بغير إذن منه.
وجاء في البداية والنهاية لابن كثير: أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، وبعث الله عز وجل حوتًا عظيمًا من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل له لحمًا، ولا يهشم له عظمًا، فليس لك برزق. فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل: إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه. قالوا: ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات، فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي، فخر لله ساجدًا وقال: يا رب اتخذت لك مسجدًا لم يعبدك أحد في مثله.
وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه. فقال مجالد، عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية. وقال قتادة: مكث فيه ثلاثًا. وقال جعفر الصادق: سبعة أيام. ويشهد له شعر أمية بن أبي الصلت:
وأنت بفضل منك نجيت يونسا * وقد بات في أضعاف حوت لياليا
وقال سعيد بن أبي الحسن، وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يومًا، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.
والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج الموج الأحاجي، فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، ورب السموات السبع والأرضين السبع، وما بينها وما تحت الثرى.
فعند ذلك وهنالك قال ما قال: بلسان الحال والمقال، كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الذي يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى، سامع الأصوات وإن ضعفت، وعالم الخفيات وإن دقت، ومجيب الدعوات وإن عظمت، حيث قال في كتابه المبين المنزل على رسوله الأمين، وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله المرسلين:
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} قال ابن مسعود، وابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، والضحاك: ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.
وقال سالم بن أبي الجعد: ابتلع الحوت حوت آخر، فصار ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر.
مصراوي